الراحل علي عتيقة .. العقلانية المتناهية

mainThumb

28-05-2015 10:02 AM

بالأمس وبمعية العلامة الأمير الحسن بن طلال ، إستذكرنا  وجمع غفير من الشخصيات الأرنية والعربية والليبية مناقب الراحل العروبي الليبي د.علي عتيقة ، الذي إنتقل إلى رحمة الله تعالى ، بقلب سليم  ،في مثل هذه الأيام من العام الماضي .

كان الجمع غفيرا  والكلمات مؤثرة  وباكية ،لأن الرجل  لم يكن  كمثله أحد في إنتمائه العروبي الخالص البعيد عن التشنج والمثالية  والإنحراق اليساري حتى الدمار ، بل كان  مثلا يحتذى في الإلتزام  بالمباديء ولكن على طريقته  المثلى.

 لهذا الرجل قصة  تروى ، وحكاية تسطر بأحرف من  برونز وألماس ، فهو مثال   العمل الدؤوب والمثابرة ، وقبل ذلك التصميم والعزم على تحقيق الهدف ، وهو بحق مدرسة يجب أن يتم تدريس مبادئها في المدارس والجامعات العربية ، بدلا من الكثير من الحشو الذي يدرسه أبناؤنا ولا فائدة منه.
قصة فقيدنا الراحل  جسدا والباقي فينا روحا وثابة ، بدات  منذ العام 1951 حين تمكن من السفر إلى أمريكا  في دورة تدريبية  عن الزراعة ، وقيل في ليبيا أن هناك صبيا لا يعرف من الإنجليزية الشيء الكثير وحظه من التعليم  لم يزد عن الصف الثالث الأساسي ، سافر إلى أمريكا  ضمن دورة تدريبية .

الأهم من ذلك أن فقيدنا واجه صعوبات  جمة في امريكا  بسبب اللغة ، وأنه بإعترافه في كتابه  بعنوان " بين الإرادة والأمل "، أنه لم يكن يفهم كلمة واحدة  مما يقال في ورشات العمل والمحاضرات ، وقد إستغرب  المسؤول الأمريكي من وجوده ، ومع ذلك إستمر  ودرس في الجامعات الأمريكية حتى نال  شهادة الدكتورة ، وبعدها عاد إلى بلده ليبيا   متعلما بعد أن غادرها شبه امي، ويذكر في كتابه أيضا أنهم نصحوه في الجامعة أن يصرف النظر عن الدراسة ، لكن هيهات لمن كان مثل فقيدنا  أن يستسلم للظروف  .

بدأ   فقيدنا بعد عودته مظفرا من أمريكا عام 1959  يتقلد المناصب  العليا  وكان أول  خطوة إرتقائية له  عمله  مديرا  لدائرة البحوث الإقتصادية في بنك ليبيا المركزي ، ثم وكيلا فوزير  تخطيط وعضوا  في مجلس البترول الأعلى ، وبعد مهزلة القذافي التي أطلق عليها  ثورة الفاتح التي أطلقتها أمريكا آنذاك، وجد فقيدنا نفسه بلا عمل لأنه  لم ينضم  لخندق السحيجة الذين  خدعتهم التطورات ، ولكن الوقت لم يطل إذ إتصلت به شركة التأمين الليبية  ، التي  عمل على تطويرها ، لكن التأميم   إضطره للجلوس في البيت.

لم تطل هذه الفترة إذ إختير رحمه الله لإدارة  منظمة الأوابيك   التي تضم الدول العربية المصدرة للبترول ، وبعده عمل مع منظمة الأمم المتحدة  منسقا مقيما للبرنامج الإنمائي في  عمّان ، وأقام فيها  حتى رحيله  عنا قبل عام ، إشتهر بإخلاصه  للأردن  الذي وجد فيه الحضن الدافيء .

علاقتي بالراحل  كانت في البداية علاقة إعلامي برجل  مفكر له تجارب دولية ، ولا أنكر أنني كنت انظر إليه كيميني نظرا لفهمي لليمين  ، ورؤيتي له ، ومع ذلك كنت ألتقيه  بين الحين والآخر في بيته الذي سيبقى عامرا  بحس أرملته   الوفية سلوى الدجاني ، لإجراء مقابلة صحفية  معه ، ولكنني وبعد أن أجبرت على التقاعد بعد أن إشتكى علي  مركز ضغط يهودي في واشنطن إسمه "معهد بحوث ودراسات الشرق الأوسط الإعلامية - ميمري "قبل ثلاث سنوات ، صرت ألتقيه كثيرا  وأغلب المرات بناء على طلبه ، وكان يدور بيننا حوار موسع  حول بعض ما أكتبه ، وأعترف انه كان يصحح لي بعض المفاهيم  ، وكنت أقبل ذلك راضيا ، خاصة بعد أن إكتشفته من جديد ،ووجدت أنه  رجل عروبي عقلاني خالص ، نقي من الشوائب القومية التي تلوث الكثيرين  وأوصلتنا إلى ما نحن فيه وعليه.

وكنت في تلك الأثناء قد تعرفت من خلاله في أحد المؤتمرات الدولية على نجله د.أحمد ووجدت فيه شابا يعربيا  مثل أبيه .

رحم الله فقيدنا  وأسكنه فسيح جنانه



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد