إمبراطورية الفيفا والفساد المنظم - محمد قيراط

mainThumb

30-05-2015 01:03 PM

أصبح الاتحاد الدولي لكرة القدم إمبراطورية بأتم معنى الكلمة، يقودها إمبراطور سمعته تفوق سمعة الملوك والرؤساء. فشهرة وسمعة رياضة الكرة الساحرة وشعبيتها في دول العالم قاطبة جعلت من الفيفا هيئة دولية استثنائية، لكن الغريب في الأمر أن هذه الإمبراطورية تُدار بطريقة بعيدة عن الديمقراطية ومنطق التناوب والشفافية وإعطاء الفرصة للآخرين لإدارة شؤون هذه الهيئة.


فالدول الديمقراطية العريقة تؤكد في دساتيرها على أن رئيس الدولة لا يسمح له أن يترأس البلد أكثر من ولايتين، أي 8 سنوات أو 10 سنوات. أما الدول التي لا تؤمن بالتناوب على السلطة فنجد رئيسها يعمر في قصر الرئاسة لعقود من الزمن، حيث إنه ينقل من مقر الرئاسة إلى المقبرة مباشرة ولا يتقبل أن يكون حيا يرزق وهو ليس في قصر الرئاسة.


فالرئيس الحالي للفيفا جاء إلى سدة الهيئة الدولية سنة 1998، أي 17 سنة من الرئاسة، وهو يتقدم إلى ولاية خامسة وهو مرشح فوق العادة للفوز بها. وقبل بلاتر ترأس البرازيلي جو هافيلانج الفيفا لمدة 24 سنة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، أين دول العالم وأين الدول العظمى؟ ولماذا هذا السكوت ولماذا عدم الطلب بإعادة النظر في النظام الداخلي للفيفا ولماذا عدم تحديد ولايتين فقط للرئيس. فجو هافلانج الرئيس الذي ترأس الفيفا قبل أن يهزمه بلاتر في الانتخابات سنة 1998 سكن الفيفا من 1974 وحتى 1998 أي لمدة 24 سنة، ما يقارب ربع قرن وهذا أمر غريب جدا وسكوت يُحير كل من يؤمن بالحكم الراشد وبالتناوب على السلطة وبالشفافية والديمقراطية.


طريقة إدارة الفيفا أفرزت الفساد، خاصة بمجيء السويسري ساب بلاتر الذي حولها إلى مؤسسة مالية تجارية بفضل التسويق وبيع حقوق بث مباريات مختلف المنافسات الدولية حتى وصلت حسابات خزينة هيئة الكرة العالمية إلى 5 مليارات دولار وهذا ما أدى إلى تفشي الرشاوى والفساد بين المسؤولين التنفيذيين للفيفا.


ورغم استمرار مسلسل الفساد الذي تعرفه الفيفا وازدياد الشبهات التي تحوم حول جوزيف بلاتر وكل الاتهامات التي طالته، وتعالي الأصوات المطالبة بتنحيته، بينها شخصيات كروية معروفة، إلا أن العجوز السويسري بقي صامدا طيلة 16 سنة على رأس الفيفا، بل إن صاحب 79 سنة ترشح للظفر بعهدة خامسة، وحسب المتتبعين لن يقف في وجه الرجل القوي أي منافس في سعيه للاستمرار على قمة هرم الفيفا لأربع سنوات أخرى.


فالأمر واضح للعيان، حيث إن الذين يصوتون ويعملون من أجل بقاء بلاتر هم رؤساء اتحادات الكرة في مختلف القارات الذين استفادوا ويستفيدون من سخاء بلاتر وكرمه.


مع دخول المال والاحتراف والإعلانات والتسويق التجاري على الخط، انتشرت قصص الفساد والمخالفات المالية والصفقات في الكواليس والصالونات، والاتهامات بتوزيع رشاوى، سواء داخل «الفيفا» أو الأندية أو المنتخبات الكروية.


ولعل أوضح مثال على ذلك ما كشفته وثائق نشرتها المحكمة العليا في سويسرا من أن الرئيس السابق لـ«الفيفا»، البرازيلي جواو هافيلانج، حصل على رشوة من الشريك التسويقي السابق لـ«الفيفا» «آي إس إل»، الشركة التي أعلنت إفلاسها عام 2001، وأظهرت الوثائق أن هافيلانج الذي تربَّع على رئاسة الاتحاد الدولي لمدة 24 عاما قبل أن يخلفه السويسري جوزيف بلاتر عام 1998، حصل على مبلغ قدره 1.5 مليون فرنك سويسري من «آي إس إل»، بينما حصل رئيس الاتحاد البرازيلي وعضو اللجنة التنفيذية في «الفيفا» سابقا، ريكاردو تيكسييرا، على 12.74 مليون فرنك سويسري على أقل تقدير.


تشير الوثائق التي نشرتها المحكمة إلى أن بلاتر كان على علم بحصول هافيلانج وتيكسييرا على الرشاوى، وأن الاتحاد الدولي اضطر إلى دفع مبلغ 5.2 مليون فرنك سويسري تعويضا، شرط أن يتم إسقاط أي إجراء قضائي ضد هافيلانج وتيكسييرا، وكان هافيلانج استقال في أواخر عام 2011 من اللجنة الأولمبية الدولية قبل أيام من جلسة التحقيق المقررة معه في هذه القضية بالذات. وجاءت استقالة هافيلانج لتجنب إيقافه من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، في حين بررت الصحف البرازيلية استقالته بتقدمه في العمر وسوء حالته الصحية.


وعن مساعي بلاتر للبقاء على رأس «الفيفا»، قال مارادونا في تصريح لصحيفة «ديلي تليجراف» الإنجليزية: «لدينا ديكتاتور مدى الحياة»، وقال مارادونا: «أصبح الأمر مخجلا في (الفيفا) تحت إشراف بلاتر، وصرنا نشعر بالمرارة نحن الذين نحب كرة القدم». وأضاف مارادونا: «أطلقت على بلاتر لقب «رجل الثلج»، لأنه لا يتمتع بأي شيء من الشعور والشغف اللذين يُشكِّلان معا قلب كرة القدم.. إذا كان بلاتر يجسّد فعلا وجه كرة القدم، فإننا في وضع سيئ للغاية».


أما رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الفرنسي ميشال بلاتينى، فأعلن علنا مساندته للأمير علي بن الحسين في انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي «الفيفا»، وقال إن بلاتر يريد البقاء رئيسا للاتحاد الدولي «لأنه يخاف من اليوم التالي، فقد كرس نفسه لـ(الفيفا)، لدرجة أنه يعدّ نفسه يجسِّد هذه المؤسسة»، وأضاف: «ما دام سيبقى في منصبه، وبغض النظر إذا أراد أو لم يرد، فإن (الفيفا) سيفتقد المصداقية، وستظل صورته ملطخة، وبالتالي فكرة القدم هي الخاسرة». لكن رغم كل هذا ورغم الفضائح والمحاكمات فإن بلاتر وعصابته ما زالوا على رأس الفيفا يتحكمون في مصيرها وقراراتها كما يشاءون.


لقد أصبح بلاتر من الشخصيات المثيرة للجدل، فهو يصرح ويتدخل في أمور كان من المفروض أن تتولاها جهات تنظيمية أو فنية، مثل تصريحاته بخصوص إقامة كأس العالم كل سنتين، وغير ذلك، مثل مشاركاته في القرعة شخصيا، وهذا ما أثار الشكوك في مدى دقة هذه القرعة واستخدام الكرات الحارة والباردة للتأثير على القرعة.


ويتمتع السويسري بدهاء كبير، إذ إن الإنجليز فعلوا كثيرا من أجل إبعاده عن السلطة في «الفيفا»، لكنه ظل صاحب السلطة الأكبر في عالم كرة القدم، وشنّ الشارع الإنجليزي ضده هجوما لاذعا بعد خسارة إنجلترا شرف تنظيم كأس العالم 2018، حيث تم اتهامه بالرشوة وسارعوا إلى البحث والكشف عن حالات الفساد المحتملة في إدارته.


قبل يومين جاء اعتقال السلطات السويسرية لسبعة مسؤولين في الفيفا بزوريخ للاشتباه في تلقيهم رشاوى تفوق الملايين من الدولارات ليضاف إلى سلسلة كبيرة من الفضائح المتتالية التي تضرب الهيئة المسيرة للعبة الأكثر شعبية في العالم.
الثروة المالية لـ"الفيفا" نجدها تفوق ميزانيات دول بأكملها، حيث ارتفعت إيراداتها في السنوات الأخيرة بشكل رهيب نتيجة احتكارها لجميع المسابقات الكروية المهمة، ما جعل حجم الميزانية يتضاعف إلى 10 أمثال حجمها خلال الفترة الممتدة من 1995 إلى 1999 والتي كانت تقدر بـ257 مليون دولار فقط.


فإلى متى ستبقى الفيفا على هذا الحال؟ وإلى متى سيبقى مناهضو الفساد والرشوة يتفرجون على مهزلة وجريمة في حق رياضة تقوم على أساس الأخلاق والقيم الإنسانية السمحاء.

 

صحيفة الشرق القطرية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد