من يبالي بالسوريين؟ - هيفاء بيطار

mainThumb

10-06-2015 10:46 AM

صباح الاثنين 25 -5 -2015 رُوع أهل اللاذقية بسقوط إما صاروخين أو شظايا طائرة استطلاع في أجواء اللاذقية أسقطها الجيش السوري، لم يعد أحد يهتم بمعرفة الحقيقة التي يتكهن بها الجميع، ولكن لا أحد يعرفها حقاً، فوسائل الإعلام السورية عادة لا تنقل الخبر بل تتجاهله وتحتفظ بحق نشره كما تحتفظ بحق الرد على الغارات الإسرائيلية!! لكن سقوط هذه القطع المعدنية الجهنمية أدى إلى احتراق طفلين مع والدهما وتفحم الثلاثة بلمح البصر، ونجت الأم لأنها كانت في مكان عملها، كما تفحمت إحدى القاطنات في البناية نفسها والتي تقع في شارع فرعي من حي مار تقلا، القطعة الثانية من بقايا الطائرة أو الصاروخ (الله أعلم!) سقطت في زقاق في منتصف المدينة وأدت إلى انهيار جدار لكن لم تنفجر بقدرة قادر! وخلال دقائق انتشرت صورة الطفلين المحترقين والمُتفحمين في بيتهما الآمن جداً» كما توهما، في الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي، وانخرط أهل اللاذقية في حل اللغز وتفسير لغز اللون البرتقالي الفاقع الذي كان يُغلف الطابق المحترق! وهل ما سقط بقايا طائرة استطلاع؟ وفي حال كون الجيش اصطاد طائرة استطلاع فهل تسقط شظاياها على المدنيين! مر خبر وفاة الطفلين ووالدهما عادياً، عادياً إلى درجة اليقين، أي هذا تماماً ما يتوقع أن يُصيب السوريين، بل بدت تلك القصة لا تستحق الحديث أكثر من دقائق في الوقت الذي تملأ مئات الجثث شوارع تدمر وفي الوقت الذي تُعرب فيه السيدة الأنيقة ذات الجاكيت الحمراء وعقد اللولو الفاخر عن قلقها على آثار تدمر، فيما ملامح وجهها تؤكد أنها نامت على الأقل ثماني ساعات نوماً عميقاً ولم تعرف القلق!


من يبالي بالأسرة التي كانت في بيتها تعتقد أنها آمنة ثم أراد القدر السوري أن يمازحها فلم يحولها إلى تماثيل من ملح كزوجة لوط، بل إلى بشر مُحترقين مُتفحمين. الأم المفجوعة أصيبت بانهيار عصبي وهي في أحد المستشفيات ولم يبق لها حتى صور أسرتها فالحريق أتى على كل شيء، تجمدت أمام فضائية «الإخبارية السورية» لساعات كي أسمع الخبر لكنهم كانوا يناقشون الشأن اليمني!! وخطر في بالي (بما أن هذه الظروف تهدد بعطب عقولنا) أن أتابع محطات اليمن السعيد عساهم يذكرون شيئاً عن تفجير اللاذقية. ربما تحب الفضائيات العربية أن تُمازح بعضها البعض وتلعب ما يُشبه لعبة الغميضة، كل يعمى عن أخباره ويذكر أخبار كوارث دول عربية شقيقة، وكان علي أن أستسلم للذهول كما فعل أهالي اللاذقية وأن نمضغ أحاديثنا ذاتها مع فارق بسيط فقط في الضحايا. ومنذ حوالى عام تكررت المأساة نفسها في شارع ضيق في اللاذقية حيث توفي أربعة أطفال محترقين باستثناء والدهم الذي كان من حسن حظه مُعتقلاً، ونجت الأم بأعجوبة، ويومها قالوا أن عطلاً كهربائياً أصاب الشقة! لا أستطيع أن أجد الكلمات التي ترتقي أو على الأصح تنحط لمستوى وصف هكذا إجرام وهكذا لامبالاة بأرواح السوريين! الأب المُعتقل، هو طبيب أسنان، خرج بعد أشهر من السجن ليجد أولاده في القبور متفحمين من الحريق! وليجد زوجته أيقونة ألم، وأنا لا أزال مصعوقة من تحملها الصدمة وكيف أنها لم تمت، لكن يبدو أن عتبة الألم السوري عالية الى درجة تصل حدود السماء.


لكن السؤال الذي يطرح نفسه ولا يُمكن تجاهله هو: لماذا ومنذ بداية الثورة السورية قبل خمس سنوات لم تسقط صواريخ إلا في الأزقة؟! ولماذا لم تتضرر أي منشأة تابعة للنظام، ولم يمت محترقاً أو متفحماً أو مُتشظياً سوى مدنيين! هل صواريخ اللاذقية تعشق الأزقة؟! وهل من يُطلقها متأكد مئة في المئة أن الضجة التي ستُثار حول الضحايا تعادل في مستواها الضجة التي حصلت عند ارتفاع سعر كيلو الموز إلى 1200 ليرة سورية؟ ألم يصبح المواطن السوري أرخص إنسان على وجه الأرض؟ ألا يرى العالم كله كم يُنكل بهذا الشعب ويُروع وتتنوع المجازر التي تصيبه، من مجزرة الحولة إلى مجزرة البيضا إلى ما لا نهاية من المجازر! ألم تأكل الأسماك جثث أكثر من أربعة آلاف سوري «هجوا» بسفن الموت وتعرضوا لسرقة لصوص السفر والتأشيرات المزورة؟ من يبالي بمجرد طفلين من أسرة قعقع كان يلعبان في بيتهما ووالدهما يعد لهما فطور الصباح والأم متلهفة للعودة إلى أسرتها لتعد طعام الغداء؟ من يبالي بلوحة حياة طبيعية وإنسانية تحولت بلمح البصر إلى مأساة؟ من يجد وقتاً لتخيل وجع طفلين يحترقان وألسنه النار تلتهم لحمهما البض، ووالدهما يحترق بدوره حرقاً مضاعفاً لأنه عاجز عن إنقاذ طفليه؟ ويظل السؤال - اللغز هل ما سقط صواريخ تعشق أزقة اللاذقية أم طائرة استطلاع لئيمة أسقطها الجيش السوري ليكون إنجازه من نوع: نجحت العملية ومات الشعب.


لم يعد السوري سواء بقي في وطن تحول إلى ساحة وغى أم نزح في كل أصقاع الأرض، يملك سوى ألمه الخاص الذي يتشارك به مع ملايين السوريين الذين لم يموتوا في المُعتقلات ولم يحترقوا أو يموتوا قهراً، وسوى قناعته الراسخة أن لا أحد يبالي به، ولا يمانع المجتمع الدولي من إبادته وإذاقته أفظع أنواع الألم والتحقير. صار لوجود السوري معنى واحد: حل الألغاز في حياته وما حوله، فهل ما سقط بقايا طائرة استطلاع أم صواريخ تعشق أزقة اللاذقية فقط والعلم عند الله.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد