التنبؤ بالزلازل بضاعة علمية خاسرة - م. محمد فندي

mainThumb

30-06-2015 12:53 PM

قبل ما يقارب العشرة اعوام خرج علينا احد الهواة ينبئنا بزلزال مدمر قادم في منطقتنا وحدد لنا التاريخ والوقت مما اربك معه المواطنين. في تلك الليلة اتصلت بي احدى المواطنات الساعة الثانية صباحا بعيد منتصف الليل وهي تفترش العراء مع اطفالها وترتجف من شدة البرد تستفسر مني عن الموضوع وما اذا كان سيحدث الزلزال ام لا وترجوني ماذا تفعل بمعنى هل تكمل ليلتها في العراء في تلك الاجواء الشديدة البرودة مع اطفالها ام تعود الى منزلها وذلك بعد ما يزيد على الساعتين من انقضاء الوقت اللذي حدده لنا هذا الهاوي لحدوث الزلزال، وها قد مرت قرابة العشر سنين دون أن يصلنا زلزال ذلك الهاوي. قبل هذه الحادثة بشهور قليلة كلفت شخصيا بتقييم مقترح مشروع للتنبؤ بالزلازل لا يزيد حجمه عن نصف صفحة قدم الى احدى الجهات العلمية، لأكتشف بعد قرائة هذا المقترح بان صاحبه لا يمتلك حتى الحد الأدنى من المعرفة العلمية في هذا الموضوع بالذات خاصة حينما اشار الى ان حجم المد الفلكي على اليابسة الناجم عن اقتراب القمر من الارض بناء على حساباته يمكن ان يصل الى 60 سنتيمترا علما بان التغير في المد الفلكي على اليابسة لا يزيد عن بضعة أجزاء من الميليغال فيما يتعلق بالجاذبية الأرضية.


العام الماضي وبعد اسبوع واحد فقط من وقف اطلاق النار في غزة في اعقاب العدوان البربري والهمجي الصهيوني الذي خلف دمارا كبيرا أثار استنكار واستهجان وادانة عالمية كبيرة، خرج علينا شخص آخر يدعى محمود عثمان لا يعرف له عنوان يذكر ولا علاقة له بتخصص الزلازل على الاطلاق ينبئنا بزلزال مدمر يكون موقعة صدع البحر الميت خلال العشرة أيام القادمة عبر عدة صحف اليكترونية في الوقت اللذي كان فيه عددا من ابواق الاعلام المشبوهة والمأجورة تشيد بضرب غزة مؤيدة الكيان الصهيوني في عمله الاجرامي اللذي أدى الى قتل ما يزيد على 2000 فلسطيني من بينهم ما يزيد على 500 طفل، وكأن الامر ما جاء الا لتحويل انظار العالم عن ما جرى لأهلنا في غزة خاصة وان موضوع الزلازل يحظى باهتمام شعبي واعلامي عالمي واسع وله انعكاسات سياسية، أمنية، اقتصادية وسياحية تثير الاهتمام من قبل عامة الناس، وها قد مر اكثر من عشرة شهور دون ان يحدث زلزال هذا العالم المزيف. قبل عدة اشهر تواصل معي شخص على صفحتي على الفيس بوك يدعي بان لديه القدرة على التنبؤ بالزلازل والبراكين وحتى الفياضانات وبانه نجح سابقا بالتنبؤ بزلزال اليابان عام 2011. وعند الحاحي بالسؤال عليه عن الاسس العلمية اللذي استند اليها في تنبؤه بهذه الكوارث الطبيعية، أفاد بان لديه ما يشبه الرادار الحيوي اسفل جلدة راسه تحرشه قبل وقوع اي من هذه الكوارث بايام. وعند سؤالي له كيف لك بناء على رادارك الحيوي هذا ان تحدد الموقع الجغرافي سواء للزلازل او البراكين، عجز عن الاجابة وانسحب بعد ذلك واختفى.


أخيرا ويوم امس نشرت صحيفة نجوم مصرية الأليكترونية مقالا لصحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية نقلا عن خبراء صهاينة يحذرون فيه من زلزال كبير مدمر سيضرب الشرق الأوسط قريبا. هذا الأمر ذكرني بهذه السلسلة من التنبؤات السابقة التي اسعفتني ذاكرتي في سردها وذلك لتوضيح الامور تلافيا لأية ارباكات اجتماعية او استثمارية او اقتصادية أو حتى سياحية قد تنجم عن مثل هذه الاشاعات التي لا اساس علمي منطقي لها. وهنا يطرح السؤال عن المغزى من ظهور هذا الاعلان في هذا الوقت بالذات اللذي تبحر فيه اربعة سفن تضم شخصيات عالمية معروفة ومشهورة من بينها الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي ومتضامنين عالميين آخرين لكسر هذا الحصار بعد ان آلمهم ما يتعرض له اهلنا في غزة من حصار تشارك فيه دولة عربية وتخاذل من طرف السلطة الفلسطينية للاسف.


صحيح ان هناك تغيرات جيوفيزيائية فجائية تحصل قبل وقوع الزلزال بوقت قصير يصل الى يومين او ثلاثة ايام لكن المشكلة في الوقت الراهن تكمن في تحديد الموقع الجغرافي لهذه التغييرات الجيوفيزيائية وثبات هذه التغييرات زمنيا وعدم هجرتها الى اماكن بعيدة مع استحالة مسح الارض بكاملها او حتى المنطقة المرشحة لزلزال محتمل جيوفيزيائيا وتقنيا خلال يومين او ثلاثة ايام اضافة الى الكلفة المالية الكبيرة وهو ما يتعذر حتى على الولايات المتحدة توفيره. هذا اضافة الى عدم امكانية وجود فحوصات مخبرية مكلفة جدا ماليا فيما يتعلق بالحجم اللذي يمكن أن تصل اليه الضغوطات الباطنية على الكتل الأرضية الواسعة على افتراض تجانسها لتصل بها الى الحد اللذي لم تعد فيه قادرة على تحمل هذه الضغوطات وصولا الى نقطة الكسر محدثة الزلزال على شرط عدم هجرة هذه الضغوطات.


موضوع التنبؤ قصير الأجل بالزلازل لم يكتب له حتى هذه اللحظة النجاح حتى أن الدول المتقدمة في علم الزلازل والقوية اقتصاديا باتت تحول استثماراتها في موضوع التنبؤ بالزلازل لصالح مشاريع الاستعداد المبكر للزلازل اجرائيا من خلال التركيز على ادارة شؤون الكارثة وعلميا من خلال خرائط التقييم الحتمي (DSHA) والتقييم الاحتمالي  (PSHA)المسبق للمخاطر الزلزالية، وحاليا يجري غض الطرف عن التقييم الاحتمالي (PSHA) المسبق للمخاطر الزلزالية لصالح التقييم الحتمي المسبق للمخاطر الزلزالية (DSHA) و (NDSHA) وذلك بعد ان تكشف ان خرائط التقييم الاحتمالي مثل خرائط ال (GSHAP) التي على اساسها بني الكثير من المشاريع في جميع انحاء العالم، اخفقت بدرجة 100% في تقييم المخاطر الزلزالية على جميع الزلازل التي كانت قوتها 7.5 أو اكبر وبنسبة 94% على الزلازل التي كانت قوتها 7 او اكبر على مدى العشرين عاما الماضية.


خلاصة القول وبناء على ما سبق نكتشف بان من يروج لمثل هذه الاخبار اللذي لا اساس منطقي علمي لها اما ان يكونوا من المهووسين بالاضواء وهم كثر، او ان يكونو من العاملين لصالح أجندات مشبوهة الهادفة لتحويل الانظار عن احداث سياسية معينة، او ان يكونو من اللذين لا يستقون معلوماتهم الا من الصهاينة أو ان يكونوا من الساعين للتطبيع مع الكيان الصهيوني بحجة ان خطر الزلازل يهدد الجميع سواء دولة الاحتلال الصهيوني او الدول العربية الأخرى او لربما التمهيد لأحداث سياسية مهمة قادمة. بناء على ذلك، ينبغي على المخططين السياسيين والاقتصاديين والاستيراتيجيين التفطن جيدا للهدف من الترويج المستمر لمثل هذه الأخبار الكاذبة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد