التسييس بداية التطرف والإرهاب نهاية المتطرفين - تاج الدين عبد الحق

mainThumb

05-07-2015 03:27 PM

لا تشكل الممارسات المتطرفة والعمليات الوحشية التي تستهدف الآمنين في معظم الدول العربية والإسلامية، الدليل الوحيد على فساد فكرة تسييس الإسلام، وتحويله لإطار عمل  للتنظيمات، والتيارات التي تتخذ من الدين ستارا لنشاطها، ومبررا لأفعالها.

فالخلافات القائمة بين التلوينات المتعددة لتلك التيارات، أدت في المآل، إلى ضياع البوصلة بين أناس تحسبهم جميعا، لتكتشف أن قلوبهم شتى، وأن بينهم ما صنع الحداد،  وأن  خلافاتهم  وتبايناتهم، أعتى من تلك التي بينهم وبين القوى والتيارات التي يكفرونها، أوالتي يعتبرون أنفسهم بديلا عنها.

وأصبحت خلافات حول فتاوى تافهة، وطقوس سخيفة، ورموز مجهولة، وتفاسير سطحية، سببا في حروب وتصفيات دموية بشعة، تتوارى أمامها خلافات  التيارات الإسلامية، مع قوى قومية وديمقراطية، أوجماعات علمانية وليبرالية.

وبات تصنيف من هو المتطرف المتشدد أو الوسطي المعتدل، نوعا من العبث، في ظل هذا التباين المفتعل، لا بين المذاهب الأساسية الكبرى، أو المدارس الفكرية فحسب، بل بين تنظيمات تحمل لغة واحدة، ولونا واحدا، لا نكاد نتبين، خيطه الأبيض من الأسود.

 ولعل ما يتواتر من أنباء، تشير إلى قرب اندلاع قتال بين تنظيم القاعدة المتجذر في اليمن، وداعش الذي تسلل إليه مؤخرا، هو واحد من أمثلة عديدة على اختلاط الأوراق والمفاهيم، التي كان من أوضح نماذجها ما حدث  بين جبهة النصرة التي هي في الأصل النسخة السورية من تنظيم القاعدة، وتنظيم  داعش،الذي تجاوز طموحه العمل التنظيمي إلى محاولة بناء الدولة واستعادة الخلافة.

أمثلة أخرى نجدها في الخلافات الميدانية بين العديد من  التنظيمات المسلحة في الساحة السورية ممن ترفع شعارات ويافطات إسلامية والتي  خلفت  ممارساتها ونزاعاتها،  الآلاف من القتلى والجرحى والمشوهين، وقطعت بسبب ذلك أو بنتيجته، الطريق أمام المعارضة السورية الحقيقيقة، وأشغلتها في معارك هامشية، وحرمتها من التأييد الإقليمي والدولي، بعد أن سرى الشك والريبة في إمكانية أن يصب مثل هذا التأييد في صالح التطرف والمتطرفين.

مثل هذه الخلافات نجدها أيضا، في الساحة الليبية التي ابتليت بأشكال مختلفة من التطرف لتتحول مع الوقت إلى حاضنة لإستنساخ داعش، وقاعدة لتصدير الإرهاب وتفريخه، أو ممرا لتهديد دول الجوار البعيدة والقريبة.

الخلافات بين المتطرفين والتباينات في ممارساتهم وفتاويهم.  امتدت لتطال من يوصف بالتيار الوسطي المعتدل، حين دب الشقاق  بين الإخوان المسلمين والعديد من الأحزاب السلفية، وتلويناتها المختلفة، وهو اختلاف لم  يتوقف عند حدود الاجتهاد الفكري والتراشق الإعلامي  بل توسع ليأخذ شكل اتهامات سياسية تصل حد التخوين، وفكرية تصل حد التكفيرأوالتشكيك في المنهج والتفسير.

  ومن حسن الحظ للساحات التي ابتليت بتلك التنظيمات، ومن سوء التقدير، وعواقب الغرور، لمن ظن أنه معصوم وعصي على النقد، أن تلك  الخلافات أضعفت التنظيمات كمؤسسات وكيانات، وأضعفت حججها  وتأثيرها، بعد أن اختلفت الاجتهادات وتزايدت الانشقاقات حتى في صفوف التنظيم الواحد، وبين رموز ذات التيار.

وبالرغم مما سببته  خلافات التنظيمات التي تحمل هوية إسلامية، من ويلات وحروب، وفتن داخلية، فإنها  ربما تكون الضارة النافعة. حيث كشفت عن هشاشة  وضحالة الأسس الفكرية، وفساد المؤسسات التنظيمية  لتيار الإسلام السياسي. بشكل يفتح الباب واسعا، أمام إجراء مراجعة نقدية جريئة وجذرية، لما كان يؤخذ على أنه مسلمات مقدسة، لا يجوز الاقتراب منها، و تحديد مدى صلاحها وحدود فسادها.

فالإسلام السياسي الذي لم يستطع حل خلافاته البينية، ولا الوصول إلى قواسم مشتركة مع من يقاسمونه فكرا واحدا، وأجندة واحدة، لايمكن له أن يكون صالحا أو مقبولا كإطار وطني جامع لمكونات لها خصوصياتها الدينية والمذهبية وإرثها الاجتماعي المتنوع في العادات والتقاليد.

والذين يرفعون، اليوم، كما  رفعوا بالأمس، لافتات إسلامية لمشاريعهم السياسية، لا يمكن أن يقدموا حلولا لمشاكل اجتماعية واقتصادية، ما دامت نظرتهم الفكرية وممارساتهم العملية قائمة على إقصاء الآخر ونفيه، حتى لو كان من نفس المذهب أو التيار.

عندما ننشغل بمحاربة الأرهاب بمفهومه التقليدي، في الميادين التي يستبيحها التطرف  والمتطرفين، فإن المعركة  الموازية مع الإرهاب الفكري الذي كان أساسا، ومنبعا  لكل أشكال الإرهاب اللاحقة، تمثل حجرا كبيرا  يحرك مياة راكدة، وآسنة، شكلت لقرون عديدة بيئة  مثالية لأشكال مختلفة من الإرهاب باسم الدين في استعادة  جديدة  لما مرت به أوروبا  في القرون الوسطى، عندما احتدم الصراع مع الكنيسة التي حاولت احتكار الحقيقة، والاستئثار بها،  قبل أن ينبلج الفجر الذي كان فيه ما لله لله،  وما للوطن للجميع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد