الوضع الفلسطيني في ظل أبو مازن - ماجد كيالي

mainThumb

07-07-2015 04:47 PM

من الغريب حقاً، أن بعض القيادات الفلسطينية في حركتي «فتح» و «حماس»، أي في سلطتي الضفة الغربية وغزة، تذهب في مواقفها وتصرفاتها وكأن لا شيء يحصل في المشرق العربي، مع كل هذا الاضطراب والخراب والتصدّع الدولتي والمجتمعي الذي تبدو معه إسرائيل الدولة الأكثر ربحاً واستقراراً في المديين الراهن والمنظور على الأقل. ومدهش فعلاً، هذا التنكّر للواقع المبني على المبالغة في تضخيم الذات، إذ تتصرف قيادات في «فتح» والمنظمة، وكأن معادلات اتفاق أوسلو ما زالت قائمة والدولة المستقلّة على الأبواب، في حين تتحدث قيادات في «حماس» عن القدرة على تقويض إسرائيل، أو الانتصار عليها أو انتزاع مطالب منها من دون ثمن.


هذا ما يمكن استنتاجه من التجاذبات الحاصلة بين الحركتين، إذ اعتادت كل واحدة منهما منذ الانقسام عام 2007، على التصرف وكأنها بمثابة سلطة في مجالها، كأنها تحررت من الاحتلال، أو كأن وضع الفلسطينيين بات في أحسن حال. وهذا ما يمكن فهمه مثلاً، من قيام كلّ منهما بالتصارع مع الأخرى، بدل الصراع مع إسرائيل، وانتهاجهما سياسة التضييق والاعتقال، فسلطة «فتح» تنتهج ذلك ضد ناشطي «حماس» في الضفة، وسلطة «حماس» تنتهج ذلك ضد ناشطي «فتح» في غزة.


مناسبة هذا الحديث، قيام سلطة «فتح» في الضفة بحملة اعتقالات سياسية في الضفة، نجم عنها اعتقال مئة شخص في يوم واحد (محمد يونس، «الحياة»،4/7). المفارقة أن المبرّرات التي سوّقتها سلطة «فتح»، وضمنها تصريحات الناطق باسم الأجهزة الأمنية اللواء عدنان الضميري، مثيرة للانتباه، إذ يخشى أنها تبرر بمفعول رجعي للأنظمة العربية، تشدُّدها ضد الفلسطينيين، لا سيما في الستينات والسبعينات والثمانينات، لمجرد تشكّكها في نواياهم وتحسّبها من خطرهم على الاستقرار، وتوريط البلد بالمقاومة.


بل إن هذه الادعاءات تضع قيادات «فتح» التاريخية كلّها، موضع المساءلة السياسية والأخلاقية والقانونية عما حدث في لبنان، مثلاً، إذ لم تكن «فتح» وقتها حركة سياحية أو «غاندية» فيه، ولا كانت الظروف فيه مهيأة أو مناسبة للمقاومة أكثر من الضفة. كما لم يكن شعب لبنان مرتاحاً للمقاومة أو أولى بها من الفلسطينيين مثلاً. ولعل الأجدى للناطقين باسم الأجهزة الأمنية للسلطة أو باسم «فتح»، التنبّه الى معنى تصريحاتهم، ودلالاتها السياسية والقانونية والأخلاقية، إذ لا يوجد أي تبرير للاعتقال السياسي، لا في غزة ولا في الضفة، بل إن هذه السياسة مهينة للفلسطينيين ولتضحياتهم وكفاحهم، فضلاً عن أنها تزيد من معاناتهم، مع وقوعهم تحت سلطتين: الاحتلال الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية (في الضفة وغزة).


واضح أن المطلوب هو الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين في الضفة وغزة، عند «فتح» و «حماس»، ووقف سياسة الاعتقال والتنكيل، والإقلاع عن سياسة منع النشاطات أو تقييدها. كأن القيود التي يضعها الاحتلال لا تكفي الفلسطينيين. وفوق ذلك كله، فقد آن أوان الانتهاء من مسخرة «التنسيق الأمني»، لأن حماية الاحتلال ليست من مهمة الذين يقعون تحت الاحتلال، وهذا معيب ومهين من مختلف الجوانب، فحتى رئيس السلطة ذاته لوّح بذلك مراراً، علماً أن «المجلس المركزي» الذي هو أعلى هيئة تشريعية فلسطينية في غياب المجلس الوطني، اتخذ في آذار (مارس) الماضي قراراً بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، لكنه ظلّ حبراً على ورق.


الفكرة أن الطرفين، أي «فتح» و «حماس»، يتعاملان بطريقة كيدية مع بعضهما بعضاً، ما ينمّ عن انعدام ثقة متبادلة وضعف إدراك لمعنى المسؤولية الوطنية، فضلاً عن أن ذلك يستنزف قوى الفلسطينيين، ويعزّز مشاعر الإحباط وفقدان الأمل لديهم، ولا يليق بتضحياتهم ونضالاتهم. أيضاً، فإن هذه السياسة تقوّض صدقية مطالبة إسرائيل بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في معتقلاتها، أو وقف سياسة الاعتقال، بل إنها تبرر لها الاستمرار في ذلك طالما أن الفلسطينيين يفعلون الأمر ذاته بأنفسهم.


يجعل هذا الوضع المؤسف إسرائيل تحتفي بنفسها، وبنجاح خطتها المتعلّقة بإقامة سلطة فلسطينية، أو تلك المتعلّقة بالانسحاب من غزة من طرف واحد، إذ أدى هذا وذاك إلى تحرّرها من أعباء الاحتلال، وتخفّفها من الاحتكاك بالفلسطينيين، وتالياً العيش في واقع من الاحتلال المريح والمربح، وترك الفلسطينيين لمصيرهم، لتدبّر أنفسهم مع مشاكلهم واختلافاتهم وصراعاتهم على السلطة.


لا تتوقف التراجيديا السياسية للفلسطينيين على التجاذبات بين «فتح» و «حماس» وسياسة الاعتقالات، إذ يشمل ذلك المزاجية والاضطراب في إدارة السلطة، الأمر الذي يعكس التخبّط الذي تعيشه حركة «فتح» في أوضاعها الداخلية أو على مستوى خياراتها السياسية. وتمثل ذلك أخيراً بقيام الرئيس «أبو مازن»، وهو رئيس المنظمة والسلطة و «فتح»، بمجموعة من الخطوات غير المحسوبة التي تفتقد المشروعيّتين السياسية والقانونية.


في هذا الإطار مثلاً، يمكن الحديث عن إقالة حكومة «الوفاق الوطني» التي كانت تشكّلت قبل عام، وهي خطوة خلقت إرباكاً لم تكن الساحة الفلسطينية في حاجة إليه، لا سيما أن الحكومة القائمة أتت نتيجة توافق لم يكتمل عملياً بين حركتي «فتح» و «حماس»، علما أنه تم التراجع بعد أيام، عن قرار الإقالة لمصلحة إجراء تعديل طفيف على الوزارة القائمة.


أما الخطوة الثانية، فتمثلت بإقالة ياسر عبد ربه من منصبه أمين سر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بطريقة فجّة وغير مقنعة ولا تنم عن احترام، لا للمنظمة كمؤسسة ولا لتاريخها ولا للأشخاص الذين احتلوا هذا المنصب لعقود بما لهم وما عليهم.


ثمة خطوة أخرى كانت تمثلت بإصدار قرار مفاجئ من النيابة العامة بتجميد أموال مؤسسة «فلسطين الغد»، بدعوى تبييض أموال، علماً أنها مؤسسة يديرها رئيس الحكومة السابق سلام فياض، وهي مؤسسة معتبرة ومشهود لها وتؤدي خدمات لقطاعات مهمّشة من الفلسطينيين، إذ تم الأمر بطريقة تعسّفية ومن دون مسوغات قانونية مقبولة. والجدير ذكره، أن النيابة العامة الفلسطينية لا يمكن لها أن تصدر قراراً كهذا ضد شخصية بحجم فياض، مع سمعته الطيبة ونزاهته المالية المعروفة، من دون توجّه من الرئيس كما حصل في ملفات أخرى.


المهم أنه في كل هذه الخطوات، تكشفت خطوات الرئيس الفلسطيني عن تسرّع ومزاجية وافتقاد المشروعية بطريقة لافتة للانتباه. واللافت أن الرئيس «أبو مازن» كان عانى من السياسات نفسها سابقاً، عندما كان رئيساً للحكومة الفلسطينية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ما جعله يوجّه انتقادات لاذعة الى تفرّد الراحل بالقيادة واحتكاره السلطة ومزاجيّته في اتخاذ القرارات والتفافه على الإطارات الشرعية، فضلاً عن انتقاده جمع الرئيس الراحل بين رئاسة السلطة والمنظمة و «فتح».


الظاهر أن الرئيس «أبو مازن» تراجع في تجربته في قيادة المنظمة والسلطة و «فتح»، عن كل ملاحظاته وانتقاداته السابقة، بل إنه أعاد إنتاج الممارسات التي كان انتقدها بطريقة أكثر مزاجية وخطورة، خصوصاً مع علمنا بالفارق الكبير بينه وبين «أبو عمار» من النواحي الشخصية والقيادية، إذ كان الراحل يحمل ملكات الزعيم ومكانته والرمز والقدرة على التحمّل والتجميع.


لم تشهد المؤسسات القيادية الفلسطينية، أي المنظمة والسلطة و «فتح»، تخبطاً في خياراتها السياسية وترهلاً في بناها الداخلية وتراجعاً في مشروعيتها ومكانتها التمثيلية، مثلما هي الآن، فكيف إذا كان ذلك يحصل في ظروف الاضطراب في عموم المشرق العربي؟


باختصار، الوضع الفلسطيني في حاجة إلى تجديد في كل شيء في الخيارات والبنى، لا سيما في القيادة، وفي الطبقة السياسية السائدة برمتها. والمشكلة أن كثيراً من الأمور تتوقف على ما يفعله أو ما يقرره «أبو مازن».



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد