القصور في التّوجيهيّ ، و الأسباب المنسيّة

mainThumb

28-07-2015 11:10 PM

 في كلّ عام ترنو أبصار كثيرة  ، و تهفو قلوب نحو موسم بات ثابتًا في الأردنّ ، و هو موسم إعلان نتائج الثّانويّة العامّة ، الذي نعيشه في الحول مرتين : دورة شتويّة ، و أخرى صيفيّة .
 
    و لكن ومنذ عدة دورات صُدم المجتمع الأردنيّ من نتائج امتحانات الثّانويّة العامّة ، ومن نسبة الرّسوب العالية ، و نسبة النّجاح المتدنّية ، حتى بات المجتمع و الطّلاب الآن متعوّدين على هذه النّسب ، و قد ترحّموا على السّنوات الخوالي التي كان فيها معدّل التّسعين معدّلا طبيعيّا ، و من  السّهولة الحصول عليه . 
 
     إن كان لا بدّ للمريض من بعض الألم ، و الشّعور بشيءٍ من المرارة عند حدوث تدخل جراحيّ ، أو عند تناول الدّواء ، فالشّفاء من الدّاء لابدّ له من تجرّع الدّواء ، و هذا ما حصل بالضّبط في التّوجيهيّ ، فلا بدّ لنا من النّظر بتفاؤل إلى أنّ ما يجري الآن هو عمليّة تصحيح لمسار التّعليم بشكلٍ عام ، و منه المرحلة الثّانويّة  ، و بقاء الأمور على ما كانت عليه سيؤدي إلى مزيد من التّأثير السّلبيّ على  التّعليم و الوطن بكلّ مؤسساته ، و هذا ما لمسناه في الأعوام السّابقة .
 
     لن أخوض في الأسباب المعلنة لهذا التّدني في نسبة النّجاح ، و المعدّلات ، و التي تعتمد على الخطوط العريضة لسياسات التّربية ، و التّعليم ، و أساليب التّدريس ، و الخطوط العامة للمناهج ... بل سأبحث عن الأسباب التي لا يتلمّسها بشكل جادّ ، و لا يعرف مقدار تأثيرها على نتائج التوجيهي إلا من مارس مهنة التّعليم ، و عايش مراحل التّعليم بكلّ تجلّياتها ، و سأبسط لكم بعض الأسباب التي أرى أنّ لها وقعًا ، وأثرًا سلبيًّا واضحًا ، و أدّت إلى ضعف النّتائج :
 
1 - نسبة لا يُستهان بها من طلّاب الثّانويّة العامّة المسار الأكاديميّ ، و خاصة في الفرع الأدبيّ هم أصلًا ممن حصلوا على معدّلات في الصّفوف الثّامن ، والتّاسع ، والعاشر- و هي الصّفوف التي يعتمد عليها في اختيار تخصص الطّالب ، في المرحلة الثّانويّة - لا تؤهلهم للدراسة الأكاديميّة ، و لكن و لأسباب إنسانيّة ، مثل بعد المسافة ، و غيرها من الأسباب الحقيقية أو المدّعاة من قبل الطّلاب ، تمّ تحويل تخصصات هؤلاء الطّلاب ، من الفروع المهنيّة إلى الفروع الأكاديميّة ، وخاصة الفرع الأدبيّ ، ومثل هؤلاء الطّلاب هم في عداد المخفقين في التّوجيهي سلفًا ، بل و لهم تأثير سلبيّ عال على الطّلاب الجادّين في الدّراسة  .
 
2 - نتائج الثّانوية العامة نتائج تراكميّة ؛ فهي في الحقيقة تعتمد على المهارات ، والمعلومات التي اكتسبها الطّالب في جميع المراحل الدّراسية ؛ فمثلًا كيف يُجيب الطّالب على أسئلة الرياضيّات إذا لم يكن يتقن عمليات الحساب الأساسيّة ؟ كانت أنظمة التّعليم تقيّد المعلم بنسبة رسوب معينة ، و عدد من مرّات الرّسوب لا يسمح بتجاوزها ، و بالتّالي فإنّ هذه التّعليمات و الانظمة تنتج طلّابًا ضعافًا هم بحكم المخفقين في الثّانويّة العامّة ، علمًا أنّ هذه التعليمات قد تمّ تغييرها هذا العام ، و أصبحت نسبة الرّسوب مفتوحة ، و نتمنى أن يكون لهذا التّغيير تأثير إيجابيّ على التّعليم بشكل عامّ .
 
3 - فترة الدّراسة الضئيلة التي يدرسها طلّاب الصّف الثّاني الثّانوي ( التّوجيهي ) ، حيث أنّه أصبحت - و بحكم العرف – هنالك عطلة لهؤلاء الطّلاب قبل الامتحانات المدرسيّة التّجريبية للفصلين ، و عطلة أخرى بداية الفصل الدّراسيّ الثّاني قبل إعلان نتائج امتحانات الفصل الأوّل ، و فترات الانقطاع هذه تؤدّي إلى زخم  في المادّة ، وعدم إعطائها حقّها في الشّرح و التّدريس .
 
4 - كثير من الطلاب يسعون للحصول على شهادة الثّانويّة العامّة ؛ للحصول على الوظيفة ، و من أجل الالتحاق بالقوات المسلحة أو الأجهزة الأمنيّة ، و ربما لو كانت الأولويّة للطّلاب الحاصلين على شهادة التّلمذة المهنية للالتحاق بصفوف الجيش العربيّ و الأجهزة الأمنيّة ، و كذلك توفير وظائف لهم ، لتغيّرت أولويّة الطّلّاب ، و اتّجهوا نحو التّعليم المهنيّ ، و بهذا نكون قد اكتسبنا أيد ماهرة تقلل من نسبة البطالة ، و تقتل ثقافة العيب ، وتبني هذا البلد في مختلف الميادين .
 
 5 -  الغشّ ، الحقيقة المرّة ، و السبب الأكثر تأثيرًا وتدميرًا لنتائج الثّانويّة العامة ؛ حيث أنّه وفي مراحل سابقة أصبح الغشّ حقّا مكتسبًا ، و جزءًا  لا يتجزأ من امتحان التّوجيهي ، و هذا أثّر سلبًا على الطّلّاب الضّعاف و المجتهدين ؛ فالطّالب الضّعيف أصبح يختار التعليم الأكاديميّ ؛ فهو يعتقد أنّه  ضامن للنّجاح ؛ بفضل شيطان الغشّ  ، أمّا الطالب المجتهد فإنه عندما يرى من لا يفتح كتابًا يحصل على معدل عالٍ ، و يحصل على مقعد دراسيّ هو في الأصل حقّ للطّالب المجتهد ، فإنّ هذا يُضعف من عزيمته ، و قد يجعله يتّجه سلبًا ، و يجاري الغشاشين في سوء السّبيل . أمّا الآن فقد تمّ ضبط امتحانات التّوجيهي من عملية مراقبة ، و منع تسريب الأسئلة ، ولذلك تدنّت نسب النّجاح ، و تدنّت معدلات الطّلاب ، و هذا أمرٌ إيجابيّ ؛ فهو يُعطي كلّ صاحب حقّ حقّه ، و يجعل من الطّلاب يجدّون في الدّراسة  ، ويقضي على سلوك سلبيّ تفشّى بين الطّلاب ... 
 
6 – هذا السّبب يعتمد على السّبب الذي سبقه ؛ فالغشّ كانت له آثار واضحة على كافة قطاعات الوطن ، و الذي بسببه أصبح هنالك كثير من الملتحقين بالوظائف العامّة من غير المؤهلين ، ومنهم عدد من المعلّمين الذين يدرّسون أبناءنا ، و يعدّونهم للمستقبل ، وبالتّالي فإنّ ضعف المعلّم يؤدّي إلى ضعف الطّالب ، و قد ظهر هذا جليّا في الامتحانات التي عقدها ديوان الخدمة المدنيّة ؛ لاختيار الموظفين من خريجي الجامعات ، و نتائجه التي لا تقلّ صدمتنا بها عن صدمتنا بنتائج التوجيهي .
 
       هذه الأسباب تحمل في ثناياها الحلول مثل : العمل على رفع سويّة التّعليم في مراحله المختلفة ، و خفض لجوء الطلّاب إلى المراكز الثّقافيّة ؛ برفع جودة التّعليم ، و ليس عبر حلول آنيّة وشكليّة ، تعتمد على تحديد نسبة الرّسوب ، و منع تدريس مناهج التّربية في المراكز الثّقافيّة  ، و من الحلول تشجيع الطّلاب ، و تحفيزهم على الالتحاق بالتّعليم المهنيّ ، و كذلك عملية اختيار المعلمين ، يجب أن توائم بين النّوع ، والكمّ ، و بناء منظومة أخلاقيّة تعتمد على الثّواب ، و العقاب ؛ لمنع الغشّ ، و بثّها في نفوس الطّلبة ، و أولياء الأمور ، منذ البدء ، من خلال الوسائل المختلفة . و هنالك حلول نوعيّة  أخرى ، لا يمكن تحويلها إلى أمر واقع إلا من خلال مؤتمر تربويّ ، و جلسات عصف ذهنيّ تعتمد على دراسات ، و أوراق بحث علميّ ، تتصف بالجدّية ، و أن لا تبقى مجرد طقوس تنتج حبرًا على ورق ، و يجب أن يشارك فيها أهل الاختصاص من جميع الجهات ذات العلاقة ، و تؤخذ توصياتهم على محمل الجدّ ، و يُنظر إليها بعين الاعتبار عند رسم سياسات التّعليم .
 و كما قلت بداية لابدّ للشّفاء من تحمّل ألم الجراحة ، و مرارة الدّواء . 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد