المواطن الأردني بين مطرقة الغربة وسندان المواطنة

mainThumb

29-07-2015 09:33 AM

 كتب الله على بعض المواطنين الأردنيين أن يكون مسقط رأسهم خارج الوطن في حين غادر البعض الآخر الوطن باختياره بحثا عن لقمة عيش كريمة، والحق يقال أن كلا الطرفين يدفع ثمن غربته بعيدا عن داره وأهله، ونظرا للمشاكل والعقبات التي يجدها المغترب عند عودته للوطن فإنه لا بد من تسليط الضوء على بعض أنواع المعاناة التي يواجهها المواطن الأردني في الغربة حتى نزيح الستارة عن الأوهام التي يظنها البعض بأن المغترب يعيش في رفاهية مطلقة ونعيم دائم وثراء فاحش.

 
هذا الجهل الشديد الذي أصاب الكثير من المواطنين وبعض المسؤولين قد حجب أنظارهم عن الحقيقة المؤسفة والتي يجب أن يدركها الجميع بأن المواطن الأردني في الغربة هو مصدر دخل ثابت وكبير للوطن والمواطنين وليس عبئا عليه وعلى موارده.
 
المواطن الأردني في الغربة مواطن كامل الأهلية والصلاحية وغربته يجب أن لا تُسقط عنه حقوقه ولا واجباته مثله مثل أي مواطن ومن لا يعجبه هذا الكلام فالبحر الميت أمامه وليشرب منه ما شاء.
 
فأنا على سبيل المثال طبيب أسنان أردني ولدت في الغربة وخارج الوطن وكتب الله عليّ أن أبقى خارج الوطن طيلة عمري (نصف قرن من الزمان) وأزور الوطن كل عام من أجل صلة الرحم والتمتع ولو قليلا بنسيم الوطن وعبيره وأستجم بأجوائه العطرة وأعيش مواطنا من الدرجة الأولى ولو لأيام معدودات والحنين للأوطان ليس فيه شك فنحن كالطيور المهاجرة لا بد لها من العودة إلى أشجارها وأعشاشها كل عام، أما أن يأتي ذلك البعض الذي يبيض له الوطن بيضا ذهبيا ويبدأ بتوجيه سهام النقد والتجريح للمغتربين واتهامهم بما ليس فيهم والتنقيص من مواطنتهم وجعلهم في درجات أدنى من أخوانه المواطنين، ذلك البعض أتمنى أن يأتي اليوم الذي يصمتوا فيه ويكفوا عن النعيق بهكذا أكاذيب وترهات.
 
فغربتي ونشأتي خارج الوطن لا تسقط أهليتي ولا تقلل من حقي في التمتع بالمواطنة، فأنا أريد لأبنائي أن يحصلوا على حقهم في التعليم والوظيفة وعلى إعطائهم الفرصة في المشاركة في الانتخابات النيابية لبناء وطن سنستمر بالفخر به أمام شعوب الأرض كافة.
 
أما أن يُسن قانون خاص لقبول أبناء المغتربين في الجامعات وأن تقلل نسبهم المئوية وأن تخصص لهم دوائر حكومية خاصة تحت اسم "المغتربين" وأن يتم جباية الضرائب منهم بشكل غير منصف وأن يعتبرهم البعض بقرة حلوب يشرب من ضرعها حتى يجف فهذا هو عين الظلم بل هو الظلم بذاته.
 
الوطن للجميع؛ هذا هو الأساس وليس هنالك من مواطن مقيم وآخر مغترب فكلنا أمام القانون سواء وليس من حق أي كان أن يمنعنا هذا الحق أو أن ينتقص منه. فالمغترب الذي يحوّل معظم أمواله للوطن ويدعم اقتصاد وطنه ويساهم في دفع عجلة التنمية للأمام من خلال مساهماته في البناء والتعمير، وهو الذي يعيش خارج الوطن كنموذج حي ومثال واضح لأخلاق الأردنيين النشامى في سلوكه الحضاري سيدفع تلك الدول لاحقا لأن تطمح للتعاقد مع أردنيين آخريين طمعا في الحصول على الكفاءات ذات المستوى المتميز والعطاء اللامتناهي مما يزيد من فرص العمل أمام المواطنين الأردنيين العاطلين عن العمل للحصول على وظائف محترمة وحياة كريمة تكفيهم ذل السؤال ومهانة الحاجة وبالتالي تدريجيا تقضي على البطالة المقنعة والحقيقية التي يكابدها شبابنا وفتياتنا في هذا الوطن الكبير.
 
هذه حقيقة يدركها كل كبير وصغير ومسؤول وغير مسؤول أنه لولا المغتربين لضج سوق العمل بالعاطلين واستشرت الجريمة وعمّت الفوضى ولنشأت في هذه الأجواء أفكار هدامة طائفية وعنصرية وتكفيرية مما يؤدي إلى وقوع كوارث لا سمح الله ولنا في دول الجوار العظة والعبرة.
 
ولذلك فإني هنا أطالب كل من تقلد مسؤوليةً ما في وزارات مملكتنا الأردنية الهاشمية أن يتقوا الله في المغتربين وأن يحسنوا التعامل معهم وأن يولونهم اهتماما لائقا يستحقونه لا أن يتوهموا بأننا نحمل الأموال في حقائب السفر وننثرها هنا وهناك فوالله ذلك غير صحيح وأنتم تعلمون ذلك علم اليقين.
 
والمشكلة الأخرى التي يواجهها المغترب أيضا هو السفارات الأردنية والقائمين عليها في الخارج فهم في واد والمواطن في واد وليس بينهما علاقة سوى المعاملات الرسمية من تجديد لجواز السفر أو إضافة لمولود جديد. 
 
فليس هنالك من نشاطات حقيقية تقوم بها السفارات على المستوى الاجتماعي بين المواطنين أو أن تعينهم على التغلب على مشاكلهم في الغربة وكأن المواطن في الخارج هو عبارة عن رقم وطني فقط لا غير.
 
ومثال بسيط على ذلك فإن المواطن في الغربة يدفع أربعة أضعاف ما يدفعه في الأردن من أجل تجديد جواز سفره وهذا نموذج واحد يكفي للدلالة على صدق ما أقول.
 
أيها السادة الكرام: المواطن المغترب تكفيه غربته وقسوتها فلا تضعوا على كاهله أحمالا ثقالا، فالغربة داخل الوطن وبين الأهل والخلان ستكون أقسى وأمر، واتركونا ننعم بحقوقنا سواء بسواء لنبني وطناً ونعمّر مملكةً ونسير في ركاب الدول المتقدمة ونلقي خلف ظهورنا كل مظاهر الفرقة والبغضاء والحسد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد