المعارضة الوطنية الواقعية – د. فادي عبد الكريم الربابعه

mainThumb

31-07-2015 04:37 PM

لم يعد خافياً على أحد الشعارات التي ترفع في دول العالم بعنوان المعارضة والمعارضين والمعارضة الوطنية فهذه الظاهرة موجودة في كل دول العالم وتختلف بحسب ثقافة أبناء تلك الدول وقد عملت كثير من الدول الكبرى على  تنظم وتقنين  المعارضة بمؤسسات حزبية وفق برامج سياسية وآليات سلمية وحضارية  تطالب بحقوقها الوطنية بطرق حضارية وتبدي رأيها في السياسات الداخلية والخارجية لحكوماتها بكل حرية.
 
وفي الأردن - كغيره من الدول –  يوجد ما يطلق عليه المعارضة الوطنية فما مفهوم المعارضة الوطنية؟ أعتقد من وجهة نظري أن المفهوم السليم للمعارضة الوطنية يقصد بها: مجموعة من أبناء الشعب الذين يحملون الجنسية والرقم الوطني الأردني ولهم أراء مخالفة لسياسات الحكومة لأن هذه السياسات من وجهة نظرهم ليست لمصلحة الوطن والمواطنين. 
 
وفي هذا المفهوم حددت أبناء الوطن الذين يحملون الرقم الوطني والجنسية الأردنية مهما كانت أصولهم ومنابتهم حتى يخرج من هذا المفهوم من ليس من أبنائه فليس من الحق لشخص من دولة من خارج الأردن أن ينصب من نفسه معارضاً وطنياً أردنياً والعكس صحيح أيضاً لا يحق لأردني أن ينصب من نفسه معارضاً وطنياً لدولة أخرى.
 
والأصل في المعارضة الوطنية أن تعمل لصالح الوطن وليس ضده وأن يكون منطلقها حماية الوطن والمواطنين والدفاع عنهم وعن حقوقهم وحتى تكون المعارضة الوطنية معارضة حكيمة وواقعية لا بد أن ترتكز على عدد من المرتكزات الأساسية وهي:
 
أولاً: التمثيل الشعبي: لكي تكون المعارضة الوطنية واقعية وحكيمة يجب أن تكون ممثلة لأغلبية المواطنين أو لنسبة من الشعب تؤهلها لتكون ممثلة عنه بمعنى أن يكون الشعب قد أوكل إليها   التحدث باسمه فليس من الحكمة ولا المنطق أن يأتي مئات أو ألوف أو عشرات الألوف من الشخصيات الحزبية والسياسية والإعلامية والكتاب ويدعون أنهم ممثلون للشعب  الذي يتكون من ملايين.
 
ثانياً: البرنامج السياسي: على المعارضة الوطنية الواقعية الحكيمة أن يكون لديها برنامجاً سياسياً وطنياً متكاملاً وواضحاً ومعلناً عنه بحيث يكون هذا البرنامج أفضل من البرنامج السياسي الذي تتبناه وتسير عليه الحكومة الوطنية العاملة فلا يعقل أن تأتي المعارضة ببرنامج أسوء من البرنامج السياسي الوطني الحكومي القائم بل الأسوأ من ذلك أن لا يكون لدى المعارضة برنامجاً سياسياً أصلاً وإنما بضاعتها الكلام والإشاعات وشحن الجماهير.
 
ثالثاً: آلية التنفيذ: على المعارضة الوطنية الواقعية الحكيمة أن تتعامل مع برنامجها السياسي بآلية الحوار والطرق السلمية والمحاسبة القانونية وإقناع المواطنين  وألا تتعدى ذلك إلى القوة المسلحة وإثارة الفوضى وتعطيل المؤسسات الوطنية.
 
رابعاً: القدرة على تنفيذ البرنامج السياسي: لكي تكون المعارضة الوطنية واقعية وحكيمة لا بد من أن تكون على يقين بأنها ستتمكن من تطبيق برنامجها السياسي وأن تأخذ  بعين الاعتبار 1- السياسات الدولية والإقليمية لأنها لا تعيش معزولة عن العالم فهناك دول لا ينكر عاقل مدى قدرتها على التأثير في السياسات العالمية 2-  معرفة الإمكانات المتوفرة لديها. 
 
ولنا في الواقع المعاصر شواهد فحركة حماس وصلت للحكومة وعن طريق الانتخاب لكنها تعثرت وعزلت لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار الشرطين السابقين فلم تحصل على تأيد ولا دعم دولي ولم تجد من المال ما تدفع منه رواتب للموظفين والشاهد الثاني ما حدث مع الرئيس المصري الشرعي والمنتخب محمد مرسي وحزبه.
 
خامساً: الانتماء والولاء للوطن والمواطنين لا لجهات خارجية أقليمية وعالمية.
 
وإن البعض من المواطنين على اختلاف ثقافتهم وأعمارهم ينطلقون في قضية ولائهم ومعارضتهم الوطنية من مدى تقديم وتوفير الحكومة لهم من الناحية الاقتصادية والظروف المعيشية على أساس أن الحكومة بمثابة الأب والمواطن بمثابة الابن.
 
فإذا كانت هذه هي نظرة المواطن للوطن وللحكومة فإن هذا سلوك عقوق وهذا السلوك يمكن أن نطلق عليه مصطلحاً جديداً ابتدعته في هذا المقال وهو مصطلح( الطفولة الوطنية) فلا يحل لنا أن نكون عاقين بوطننا بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة والطفولة الوطنية تؤدي إلى العقوق الوطني.
 
 فالظروف الاقتصادية العالمية والإقليمية صعبة وتوجد أزمة اقتصادية أدت إلى رفع الأسعار وتدني مستوى المعيشة  والوطن يعتمد على المساعدات والدعم الخارجي ولا يوجد فيه موارد طبيعية كغيرة من الدول.
 
ومن جانب آخر فالأصل في الحكومة الوطنية أن تأخذ بأيدي المعارضين ولا تدير لهم ظهرها وتعمل على الاجتماع بهم ومحاورتهم وإشراكهم في إيجاد الحلول للأزمات التي يمر بها الوطن وتطلعهم على الواقع والتحديات التي تواجهه وتستمع إليهم بل من الحكمة أن تقوم الحكومة باختيار عدد من المعارضين البارزين والمتفق عليهم وتدخلهم في مجلس الوزراء ليكونوا وزراء مشاركين في السياسات والقرارات والتحديات والأزمات الوطنية وتحملهم جزءاً من المسؤولية فليست الحكومة ببريئة الذمة أيضاً من التقصير فعليها مسؤولية الانفتاح على جميع فئات الوطن واستيعابهم وأن تضع يدها بأيديهم وتجمع شمل أبناء الوطن ليكونوا جميعاً بذلك صمام أمان ويداً واحده ضد أي خطر وأي تهديد وأي تحدي يمكن أن يؤثر على الوطن "فالوقاية خير من العلاج" فإدارة الظهر والإقصاء لا يولد إلا الكراهية والشماتة في النفس البشرية. 
 
وإن من أخطر وأبشع صور المعارضة التي شهدتها بعض الدول حديثاً تلك  التي تخرج للشارع بشكل جماهيري شعبي عشوائي فوضوي عام فتعطل البلد باعتصامها وإضرابها يدفعها ويحركها الشحن والتعبئة المبنية على العاطفة والحماس والإشاعات والتي ليس لها برنامجا سياسياً واضحاً وليس لها قادة ممثلين لها يقودونها ويؤثرون فيها فهذا الشكل من أشكال المعارضة هي التي تساهم في  تدمير الوطن ونشر الفوضى والقتل وغيرها من أنواع الفساد. 
هذا الشكل من المعارضة الفوضوية تسلم الوطن إلى الجماعات الإرهابية التكفيرية المرتزقة القادمة من الآفاق وتجعله لقمة سائغة بأيديها تستبيحه وتسيطر عليه وتعيث فيه فساداً.
 
وعندما تسقط الأوطان بأيدي هذه الجماعات والعصابات أين يكون المثقفون من المعارضين والسياسيين ؟
 
سيكون هؤلاء المعارضين خارج الوطن يلجئون إلى دول أوروبية أو غربية أو إقليمية فتحتضنهم هذه الدول لتحقيق سياساتها وتطلعاتها تجاه الوطن المنكوب 
فيا أيها المواطنون إنكم تمتلكون وطناً عظيماً وطناً كبيراً وطناً يعتبر وجهة وقبلة  للمنكوبين والمهجرين من الأشقاء العرب فاتقوا الله في الوطن وحافظوا عليه. 
 
ولرجال المعارضة عليهم أن يحسنوا خطابهم وكتاباتهم وتوجيههم للمواطنين.
 
أيها القارئ الكريم تذكر وأنت تختم قراءة هذا المقال المصطلحات التي تم ذكرها ( مفهوم المعارضة الوطنية، الطفولة الوطنية، العقوق الوطني، المعارضة الفوضوية).
 
                             
  دمتم ودام الوطن والمواطنين وقيادتهم بخير


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد