لا مكان لشيء اسمه العراق - د.محمد عقلة أبو غزلة

mainThumb

01-08-2015 03:29 PM

إن التصريح الذي أدلى به قائد الجيش الأمريكي (جوزيف دانفورد) "بأن لا مكان لدولة سنية في العراق، كأنه يقول فيه لا مكان لشيء اسمه العراق، لأنه يعلم أن العراق لا يمكن أن يكون أو أن يستقر إلا باستقرار السنة فيه، فقد حكم الشيعة في العراق والأكراد كذلك منذ عقد تقريباً، فهل تمكنوا أن يؤمنوا العراق، لذلك هو يريد أن يطلق الشراع لحرب استلابية تحرق الأخضر واليابس، يقتتل فيها السنة والشيعة والأكراد من أجل وجودهم، فهو أشبه بمن يرشق  البنزين في وجه الرجل المشتعل ليزداد اشتعالاً، فالسنة يشتعلون الآن من شدة الظلم والضيم، وبتصريحه هذا أطلق رصاصة الرحمة  على آخر خياراتهم في البقاء في العملية السياسية، وكأنه يقول لهم: انطلقوا إلى داعش وغيرها، شكلوا عصاباتكم وقاتلوا عن أنفسكم...احرقوا ..اقتلوا...أفعلوا ما تريدون...فأنتم مجرد أقلية منزوعة الأرادة، بل أسد كبير ساقط الأسنان.
 
ليست الحكاية مجرد تصريح، فالأمر بدأ تطبيقه بالفعل، فعندما يُطردُ سنة العراق -وهم الغالبية فيه- وأهله وناسه من منازلهم التي ساكنوها منذ قرون ويمنعوا حتى من دخول عاصمتهم إلا بكفالة، وعندما يطلق العنان لمليشيات طائفية حاقدة تحرق الأخضر واليابس بدون حسيب أو رقيب، وعندما تُهدم المنازل وتُنسف الجسور وتُدمر الطرق، عندما يُدمر كل شيء! فهذا إشارة واضحة إلى ما ينون تحقيقه، فقد صمت الغرب الصليبي دهراً ليقول كفراً، ويعلنها صريحة: بأنه لا مكان للسنة في العراق..إذن: ما خيارهم؟ هل خيارهم في التهجير القسري إلى خارج العراق وتحديدا إلى الأردن؟ أم بقاؤهم نازحين خارج مدنهم وقراهم في البر والعراء؟ أم أن بطون السجون والمعتقلات هي المكان الأنسب لهم؟ أم أحكام إعدام جماعية؛ الوجبة الواحدة فيها تساوي 7000 معتقل بقرار حكم واحد؟...وهذا ما يفسر إلى حد ما طبيعة الصمت الغربي عن جرائم الحشد الشيعي والجيش العراقي بحق أهل السنة العُزل. فحتى الآن لم توجه أي تهمة لأي منهم على مدى اثني عشر عاماً تتعلق بارتكاب جرائم حرب، وكأن المطلوب تصفية السنة أو تحويلهم إلى أقلية عابرة أشبه بعشائر النَّوَر (الغجر أو الزط) تحمل أثقالها وأمتعتها من بلد إلى بلد، بلا جنسية أو  هوية.
 
أم أن الخطة الصليبية العالمية تقضي بأن يعاقب السنة على طردهم لجحافل الصليبين بقيادة صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين الخالدة فيطردونهم من العراق ذاته؟ أم أنهم يدركون أن عصب الإسلام المؤثر في العالم وقوته الحقيقية تكمن في قوة السنة وشأنهم؟...لكن السؤال الذي يجب أن يطرح ليجاب عنه: ما الحل؟..وقد تكالبت قوى الغرب برمتها على أمة الإسلام تريد ليس تمزيقها فقد مزقتها بالفعل، بل تريد إفنائها وإنهاء وجودها السياسي والاجتماعي والديني، وإذا صح أن تدمر العراق على هذه الشاكلة، فعلينا أن نقترح السيناريو المقبل لكل دولة عربية على حدة يمكن أن تقف أمام أطماع إيران وإسرائيل أي (الصليبية العالمية) بالمحصلة، فإيران ليست لاعباً محترفاً بل لاعبٌ مأجور كما إسرائيل أيضاً، فمؤتمر (كامبل، 1907م) قرر ما يحصل الآن، فإنشاء كيان يمزق وحدة الكيان الإسلامي العربي -الذي يشترك بالدين كمكون أساس وكذلك اللغة والتاريخ والتراب والثقافة – لذلك فاختراع إيران الجمهورية في العام 1978م، ليس إلا ولادة لمشروع صليبي جديد، تماما كولادة المشروع المغولي في المنطقة في القرون السابقة الذي ثبت أن الصليبية بعد أن عجزت عن مقارعة المسلمين في عقر دارهم راسلت الغزاة من كل أصقاع الأرض لغزو هذه البقعة لإضعافها وتفتيت وحدتها، بغية في درء الخطر الداهم عليهم -كما يظنون-، وعليه فإن قراءة الواقع وربطه بالتاريخ ترسم صورة المستقبل القريب، والتي تقضي بوجود قوة كردية معلقة بإرادة الغرب تفعل ما يريدون، متسلحة بكراهية لمحيطها العربي بدعوى العداء القومي، وكذلك قوة فارسية تتملق بالتشيع وتدعي حب آل البيت وهي تقتل أتباعهم في كل مكان، يرتبط وجودها ببقاء (البروبوقندا ) الدعاية الطائفية لها، وإسرائيل الأخرى الشاهدة الحاضرة في كل حين، فهذه ثلاث قوى كفيلة بكبح جماح أي قوة عربية أو إسلامية يمكن لها أن ترى النور في الأمد القريب..وهذا ما يفسر بالفعل حملات التشوية المتعمدة التي تخترعها أبواق الإعلام الأصفر لكل شخصية نزيهة تحاول أن تخط طريق الخروج من النفق، بل تهدم كل شيء على رأسه وتحوله إلى مطلوب دولي غير مرحب به في أي مكان..والأدهى والأمر أن أبناء العرب والمسلمين ممن يصفون أنفسهم بالمثقفين والكتاب والليبراليين يعينون بكل ما أوتوا من قوة هذه الحملة الشرسة على الأمة والدين والوطن، بل ويجعلون هدم أي منارة في الأمة إنجازاً يحسب لهم.
 
أما شباب الأمة وحماة بيضتها فهم في رباط إلى يوم الدين، ولا يجوز لنا أن نمرر لهراطقة الإعلام والسياسة مخططاتهم، بل علينا أن نعي ما يقولون ونميط اللثام عما يخططون، فالأمة لا تهزمها الجيوش الجرارة إذا سلمت عقيدتها وصلح عملها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد