تحرير بعض مصطلحات الإسلامية في الجهاد و التوحيد ( 3 )

mainThumb

02-08-2015 12:00 AM

الاحتلال و جهاد دفع المحتل
 
 
 إن بين مصطلحي الاحتلال و دفع المحتل ( دفع العدو الصائل ) مساحة كييرة من التداخل ، إذ الثاني رد فعل إزاء الأول . 
 
  و إن الاحتلال على أحوال :
 
 أدناها استباحة الهيبة العامة للشعب المسلم أو الأمة المسلمة و التي يطلق عليها السيادة لتحقيق غرض معين ؛ لكن لا يفسد معه الدين أو تفسد الدنيا ؛ كإزاحة مجموعة متغلبة عن موقع الحكم أو الإطاحة بنظام حكم يراهما المحتل يشكلان خطرا على مصالحه دونما قصد إلى إذلال الناس إذلالا مباشرا و لا المساس بحرماتهم أو بحرية تعبدهم  أو بهويتهم أو بمصالحهم  بشكل مصيري ،  و أخطر أحوال الاحتلال استباحة كل شيء بدءا بالسيادة مرورا بالحرمات و انتهاء بالأنفس كفعل التتار .
 
  و إن بين الحالين مقامات و تفصيلات لحجم و لشكل الاحتلال . 
 
  و إن الواجب صد المعتدي و دفع الصائل و طرد الغازي في سائر حالات الاحتلال الأجنبي إلا أن يكون ذلكما الصد و الدفع يأتيان بمفاسد أشد من مفاسد تركهما ، و ذلك حين تكون أهداف الصائل يمكن تحملها درءا لمفسدة فتكه بأرواح المسلمين و بأمنهم و بمعايشهم .
 
 أما إن أراد الغازي الصائل إزهاق النفوس أو هتك الأعراض أو استباحة الذراري و الحرمات أو طمس الهوية فلا يصح مع ذلك التوقف في قتاله أو التردد في ذلك دون النظر في مدى تكافؤ القوى أو المآلات ؛ إذ ليس بعد ضياع العرض و النفس و الكرامة مفسدة تخشى .
 
 و في الحديث الصحيح ؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:  من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد .
 
  إذا ؛ يجب التنبه إلى أنه ليس كل غزو أو عملية محدودة احتلال ، سيما مع انعدام التكافؤ في القوة مع العدو .
 
 و يجب عدم السماح لطائفة من الأمة أن تجر الأمة إلى معركتها الخاصة بحجة جهاد الدفع دونما إقرار منها أو تأييد مهما كانت الحجة و مهما نبلت الغاية .
 
 و إن المتأمل في تاريخ كثير من الصراعات الإسلامية المعاصرة بعد حروب التحرير و التي خاضها فئام من المسلمين الغيورين للوثب على السلطة أو لطرد المحتلين بزعمهم دونما رجوع إلى علماء تلك الأقطار التي أحدثوها فيها، و لا إلى المزاج الشعبي العام ؛ فإن هذه الصراعات و إن ابتغى الجهاديون بإشعالها رفع الظلم عن المسلمين و إقامة الشريعة - و هما بلا شك  من أنبل الأغراض و من أجل القربات إلى الله تعالى - هي صراعات في غالبها مفتعلة ابتداء أو مفتعل استمرارها بيد الجهاديين ؛ أرادوها لتحقيق أهداف الجهاد المشروعة ؛ لكن لم يتحقق منها أي شيء تقريبا ، بل لقد عادت بالنقض على أهداف الجهاد ، و ذاق المسلمون من حرائقها من العذاب و العناء أضعاف ما كانوا ليذوقوه لو لم تفتعل .
 
 و إن من الأمثلة الصارخة على سوء التعامل مع الاحتلال ؛ و الناجم عن تسطيح مفهومه صراع الجهاديين في أفغانستان ضد الغزو  و تحالفه ، و صراعهم في العراق ضد نفس الغازي .
 
 لكن لا بد من التعريج أولا على دور تنظيم القاعدة في التأسيس لهذه الصراعات ؛ حيث افتعل تنظيم القاعدة حربا ضد الولايات المتحدة ( قائدة النظام الدولي ) من خلال سلسلة من التفجيرات طالت سفارات أمريكية و مصالح أمريكية و غربية أخرى أوائلها بعض سفاراتها في أفريقيا ، و من أواخرها و من أعنفها تفجيرات الحادي عشر من  سبتمبر الشهيرة .
 
  و كل ذلك بحسب ما صرح به زعيم التنظيم آنذاك أسامة بن لادن لجلب الجيوش الأمريكية إلى البلاد الإسلامية و هزيمتها لكف شرها عن البلاد الإسلامية إذ هي و حلفاؤها من يفرض علينا الأنظمة الظالمة المعطلة للشريعة .
 فكانت هذه استراتيجية القاعدة لكن  دونما رجوع لكبار علماء الأمة و حكمائها ، و دونما مراعاة لموازين القوى و لا للمفاسد العظيمة المتوقعة و التي حدثت بالفعل ، و التي من بواكير ثمارها المرة الإطاحة بحكم إمارة طالبان الإسلامية التي و إن كان من المستبعد أن يقبل النظام الدولي بوجودها ؛ إلا أنها كانت سائرة في درب رشد و حسن سياسة ربما كانت ستترك و شأنها لولا إحراج القاعدة إياها و زجها في قتال غير عادل ، و بنظام حكم صدام حسين الذي حمى العرب من المد الفارسي الحاقد و بنى قدرات لا يستهان بها .
 و ليس آخر مصائب استراتيجية القاعدة إفساد حياة الناس و الإطاحة بأمنهم و باستقرار معاشهم ، بل و تسليط الأعداء المتربصين عليهم .
 كل ذلك بسبب تسطيح معنى المحتل ، و عدم إعمال النظر في شروط الانتصار و في اعتبارات التكافؤ و الأخذ بأسبابه ، و عدم مراعاة قوانين المصالح و المفاسد ، و عدم النظر في مآلات الأفعال .
 فحرب طالبان و القاعدة ضد أمريكا و حلفائها حينما احتل الأخيرون أفغانستان للإطاحة بهما لم تكن محل إجماع أفغاني ، و التي أعلنت حركة طالبان و تنظيم القاعدة فيها الجهاد العام لطرد الغزاة  الذين لم يريدوا  إلا إزاحتهم هم انتقاما و حفظا لمصالحهم و لم يريدوا إفساد البلاد و العباد ؛ فأخرب المجاهدون و ما يزالون حياة الشعب الأفغاني الذي كان يتوق للعيش بسلام بعد مدة طويلة من الحروب و الاقتتالات الداخلية ، و أفنوا عشرات الآلاف من أرواح أبنائهم و أبناء الشعب الأفغاني في غير ما جدوى ، و ما حققوا مصلحة واحدة معتبرة فضلا عن أن يكسروا أمريكا . و كل ذلك بسبب تسطيح معنى المحتل ، و عدم إعمال النظر في أغراضه و في إمكانية طرده و في إمكانية تحقيق الأهداف الشرعية التي ترجى من الجهاد من عدمها .
 
 ثم أعيد تسطيح معنيي الاحتلال و دفع العدو الصائل و بصورة أكثر مأساوية في العراق ، فعاد بالدمار الشامل على أهل السنة خاصة و على أهل العراق عامة ،  لكن هذه المرة ما كان ذلك خطأ الجهاديين وحدهم ؛  بل شارك بصورة فاعلة فيه هيئة علماء المسلمين في العراق ، و كثير من دوائر صنع القرارين الشرعي و الشعبي  خلا الحزب الإسلامي العراقي ( الإخوان المسلمون ) و بعض شيوخ العشائر ، و بعض الشخصيات المستقلة من أهل السنة . فهؤلاء الأخيرون أدركوا هدف الغزاة دونما تسطيح لشكل الغزو ؛  و هو إزاحة نظام صدام حسين لتنصيب نظام حكم يحفظ أمن و معاش الشعب العراقي و لا يشكل في نفس الأمر خطرا على مصالحهم ، و نظروا في مآلات الأمور إن تركوا مطابخ صنع القرار و تنفيذه لعملاء إيران فأدركوا وجوب الانخراط في العملية السياسية الجديدة و إن أسس لها الغزاة .
 
 لكن أخرب عليهم أهدافهم ، و دمر عليهم مسعاهم المعسكر الآخر الذي لم يفهم اللعبة ، و الذي أراد أن يكسر أمريكا و حلفائها  و إيران الفارسية المتربصة بسيف من خشب ، فلا هو كسر أمريكا و إيران ، و لا عزز وجود إخوانه المشاركين في النظام السياسي بل تسبب بنبذهم و استفراد المتربصين بهم ؛ الأمر الذي أعجزهم عن حماية مصالح أهل السنة ؛ بل عن حماية أرواحهم و أعراضهم و معايشهم .
 
على أن الموتورين قد أشعلوا حربا طائفية غير متكافئة ؛ أهل السنة فيها هم الجانب الأضعف ،  و أعطوا المبرر تلو المبرر لإيران لتجد ألف سبيل للانتقام العام من أهل السنة و العرب  ؛ و للانتقام الخاص من أهل العراق ، و لتوسيع نفوذها في العراق بحجم لم تكن تحلم بمعشاره لدى بداية العملية الأمريكية لتنحية صدام  ، 
و ما ذاك إلا ثمرة خبيثة من ثمار تسطيح معنيي الاحتلال و دفع الصائل .
 
 كما أن من الحالات التي جعلت احتلالا في أدبيات كثير من الإسلاميين عامة و الجهاديين خاصة امتلاك الأنظمة المستبدة المعطلة الشريعة في أقطار العالم الإسلامي أزمة الحكم .
 
 و هذه قضية كبرى لشمولها عامة البلدان الإسلامية ، و لتأثيراتها الجسيمة ؛ إلا أن أمرها شديد الالتباس على الخاصة فضلا عن العامة . و إن اعتبارها حالة من حالات الاحتلال لهو خلط إضافي و تسطيح آخر جلب على الأمة ما جلب من ارتباك و ضرر .
 
 لكن لن أناقش ها هنا هذا الاحتلال المزعوم ؛ بل إن تيسر مناقشة مصطلح الحاكمية فسأناقشه هناك .
 
 و قبل ختم المقال هذا ؛ رأيت حسنا أن آتي ببعض النقولات من بيان للشيخ العلامة سفر الحوالي قديم على إثر تفجيرات سبتمبر - أيلول و آخر عن ابن تيمية حول موضوع المقال من أجل التأمل ، هن على النحو الآتي :
 قال الشيخ :
 
فلو أن المجاهدين التـزموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على التمام – ومن ذلك التشاور مع من يهمه الأمر ، وترك الافتئات على سائر الأمة – لتحقق لهم من النكاية في العدو وقوة الشوكة ما ينفع ولا يضر ، ولما كان أحد أن يعترض عليهم إلا منافق معلوم النفاق.
 
و قال فيه : 
 
 إن الحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه ، والفرق جلي لمن تدبّر بين عملٍ جهادي يُحدِثُ شيئاً من النكاية في العدو بغرض الانتقام والردع ، وبين الجهاد ذي الراية العامة الذي يأتي في موضعه الصحيح من البناء الإصلاحي والتربوي المؤَسَّس لإعادة الأمة إلى سابق عزها وإقامة دين الله في واقع الحياة متكاملاً ، بقدر الجهد البشري والوسائل المتاحة . لقد التـزم حذيفة رضي الله عنه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـه والسهم في يده وصدر زعيم الكفر مكشوف أمامه في أصعب المواقف على المسلمين . ومن قبله فعل الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة . حين عرضوا عليه أن يميلوا على المشركين بالسيف فأبى ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما بايع من معه تحت الشجرة لم يتخلف إلا المنافق المستخفي ، ولما استنفرهم لحرب الروم في غزوة تبوك لم يتخلف عدا المنافقين إلا الثلاثة الذين تاب الله عليهم.
فعلى المصلحين والمربين أن يدركوا الأهمية العظمى لدراسة السيرة النبوية ، واستنتاج المراحل الدعوية منها ، بفقهٍ يفرّق بين الأحكام المنسوخة والأحوال المرحلية ، ويعرف موضع الجهاد وأحكامه من كل مرحلة .
 
 و قال فيه أيضا :
 
وعليهم أن يتذكروا دائماً أن النفسية الإسلامية في العصور الأخيرة هي انفعالية غير متـزنة ، فهي تفضل أن تخوض معركة الآن أو تدفع كل ما تملك في لحظة انفعال - وإن كان قليل الجدوى - على أن تسلُك في برنامج أو خطة لنفع الدين نفعاً عاماً بعد سنة ، بجهد رتيب دائم أو نفقة مستمرة !!
 
 و قال :
 
أما إذا طعن أهل العلم في أهل الجهاد ، أو تنكر أهل الجهاد لأهل العلم ، وما أشبه ذلك ، فقد ذهبت ريح المؤمنين وتناثر صفهم ووقعوا في سبيل المغضوب عليهم أو الضالين .
 
 و قال : 
 
فهنا يقال : هل فعل هؤلاء بأمريكا – إذا ثبت – تَجَاوَزَ ما صنعت أمريكا بالمسلمين في كل مكان ؟
 
 إن قول الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } قد لا يلزم منه تساوي العدد في القتلى أو المال فهذا أمر لا ينضبط في كل حال وإنما المقصود مقابلة الفعل بالفعل : القتل بالقتل ، والأسر بالأسر ، والتخريب بالتخريب .
 
أما أنه لا يجوز لهذه الفئة ولا لأي فئة أن تجلب على الأمة عداوة لا قِبَلَ لها بها وتجرها إلى معركة غير متكافئة لم تستعد لها الأمة ولم تتوقعها، فهذا ما نرفع به الصوت ولا نخافت. لكن إذا أبت تلك الفئة إلا الاستبداد بالرأي وفعلت ما عنّ لها بلا مشورة ولا مراعاة مصلحة، فإننا حينئذٍ سنكون نحن الأبرياء ونحن الضحايا لانتقام العدو الغاشم، وهذا ما سيقع للأفغان وغيرهم فهم الأبرياء وليس من سقط من العدو!!
 
وليس الحل أن نقف مع العدو عليها فهذا حرام في كل حال، ولكنه في التحاور معها في قضايا المصالح والمفاسد، وبيان أخطائها ولو أدى ذلك إلى هجرها والتنفير منها. انتهى عن الشيخ سفر الحوالي .
 
و جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية: وَأَمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَن الْحُرْمَةِ، وَالدِّينِ، فَوَاجِبٌ إجْمَاعًا. فَالْعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا، ولَا شَيْءَ أَوْجَبَ بَعْدَ الْإِيمَانِ مِنْ دَفْعِهِ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ شَرْطٌ بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. اهـ
 
و الشاهد هنا قوله رحمه الله : الذي يفسد الدين و الدنيا . فليس أي نازل بساحة المسلمين اليوم يريد إفساد دنياهم و دينهم .
 
و قبل الختام وجب أن أذكر بفتوى الشيخ سلمان العودة بتشجيع شباب أهل السنة في العراق للانضمام للجيش و الشرطة العراقيين بعد الغزو الأمريكي للعراق لدرء الفتنة و لمنع استفراد أتباع إيران بمواقع السلطة و القوة ، و التي للأسف لاقت استهجان عامة الفاعلين على الأرض السنية العراقية و رفضهم  ؛ و ليتهم سمعوا له إذا لكفي الناس شرورا كثيرة ؛ و لكن أبى الناس سماع صوت العقل ؛ فهل من معتبر ؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد