مستقبل الحركة الإسلامية في الأردن

mainThumb

04-08-2015 11:54 AM

جماعة الإخوان الأم في الأردن هل تصارع الموت الآن، أم أنها في تزايد لقوتها على الأرض ؟ ، هل  سنجد مراقب عام جديد في الربيع القادم أم أن مراقبها الحالي هو آخر المراقبين ؟ ، هل الحركة معرضة لمزيد من التفتت والانشقاق أم أنها في طريقها لتوحيد الصف وازدياد تماسكها  ، هل سيتراجع النظام ويعيد الاعتراف بوجودها أم انه سيستمر في سياسة تهميشها وإنهاء وجودها بنسختها القديمة   .
 
(1) واقع الحركة اليوم  
 
 رئيس الوزراء الأردني يسحب الاعتراف بالجماعة رسميا بالقول أن حكومته لا تتعامل إلا مع جمعية جماعة الإخوان المرخصة سبقه في ذلك وزير التنمية السياسية في هذا الملف  يقول بأنه ليس أمام الحكومة رسميا إلا جهة واحدة تمثل الإخوان المسلمين وهي إدارة جمعية جماعة الإخوان المسلمين – الأردن ، وقبل ذلك اصدر وزير الداخلية على اثر منع احتفالية السبعين بيان وصف به جماعة الإخوان الأم بعبارة "ما يسمى جماعة الإخوان " تصريح نفى به الصفة القانونية للجماعة وشرعية الوجود الرسمي .
 
ميدانيا تم قبول تأسيس جمعية جماعة الإخوان باسم الجماعة الأم وتم نقل أملاك الجماعة الأم إلى جمعية الجماعة المرخصة وهناك  تطورات قضائية قد تصل حد رفع قضية جزائية بجرم إساءة الائتمان خلال شهور ضد قيادة الجماعة الأم تفضي للحبس ،في ذات الوقت تتمدد الجمعية داخل قواعد الجماعة الأم بشكل بطيء جدا وان كانت أعلنت تأسيس شعبة اربد وشعبة العقبة وفي طور إنشاء شعب أخرى في مدن الأطراف كما هو متوقع ، يترافق ذلك مع  وجود كثير من أنصار التيار الإصلاحي مترددين وفي المنطقة الرمادية لم يحسموا موقفهم بالذهاب للجمعية رغم قناعتهم بذلك خشية الفشل .
 
في المقابل فان ماكنة جماعة الإخوان الأم لا زالت تعمل بكل طاقتها وظهر ذلك على نتائج الانتخابات الطلابية والنقابية وان الجماعة الأم لا زالت تثبت حضور واحتضان شعبي واضح ظهر ذلك من خلال الافطارات الرمضانية التي تمت بأسماء مختلفة عشائرية أو تحت يافطة الحزب وكان يشرف عليها المكتب التنفيذي للجماعة الأم مباشرة ، بالإضافة إلى حجم التفاف القواعد حول القيادة الحالية - رغم تعثرها وتحفظ البعض على شرعيتها وقدرتها - لا زال عالي جدا وخاصة في مدن الوسط .
 
تطورت قيادة الجماعة الأم في إدارة الصراع وأدركت طبيعة المعركة القانونية فوجهت إنذار عدلي باسم المراقب العام الشخصي للجماعة الأم د همام سعيد تنذر به مراقب عام جمعية الجماعة المرخصة لإعادة الأملاك وعدم انتحال اسم الشخصية المعنوية للجماعة الأم  وان كان تصرف قانوني مشوب بالعوار من طرف المنذر و المنذر إليه ومحكوم بالعدمية القانونية إلا انه مؤشر على أن قيادة الجماعة الأم بدأت تخرج من مربع الخطاب العاطفي إلى مربع العمل القانوني وان كان بشكل ضعيف، بذات الوقت  تعمل من اجل لقاء رأس النظام الأردني في خطوة إن تمت ستكون بمثابة إلغاء كل تلك الإجراءات القانونية التي اتخذتها الجمعية بحق الجماعة بتسهيل حكومي لكن يبدو أن قيادة الجماعة الأم غير واثقة من إمكانية اللقاء فلم تعلن عن طلبه إلا  بتسريب لموقع عربي 21  ورد في معرض مقال عن الأزمة،  طلب أن رفض فهو يبعث برسالة أن رأس النظام متخلي عن الجماعة ويتركها تصارع مصيرها المحتوم  .
 
الواقع الحالي يقول بان جمعية الإخوان المرخصة تملك الشرعية القانونية وتستأثر بالأملاك وتملك ذراع خيري جمعية المركز الإسلامي وتتحضر لإنشاء حزب سياسي ، وان قيادة الجماعة الأم تمتلك الحاضنة الشعبية والتفاف الكثير من القواعد حولها وتحاول تجاوز إجراءات الحكومة بحقها من خلال إعادة علاقتها برأس النظام مباشرة  .
 
(2) أزمة الانتخابات القادمة 
 
 
رغم حجم الضغط  الخارجي الذي يمارس على القيادة الحالية للجماعة الأم إلا أنها  تضع ملف إعادة السيطرة على قيادة الجماعة في المرحلة المقبلة الأهمية القصوى،هذا يبدو واضح من خلال طرح الإصلاحات على النظام الأساسي على القواعد الاخوانية في عمل أشبه ما يكون اقرب للحشد والضغط  لتمرير تلك التعديلات وضمان الذهاب إلى الانتخابات في ربيع العام القادم ومحاصرة لطرح التيار الإصلاحي في مجلس الشورى الذي يرى ضرورة وجود قيادة مؤقتة مرحليا تضم كفاءات استثنائية في إدارة الأزمة .
 
جلسة مجلس الشورى الأخيرة التي تمخضت عن رفض الشورى إجراء انتخابات مبكرة بالإجماع جاءت معللة من احد قيادات تيار الحكماء في صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي أن الذهاب إلى الانتخابات في هذا الجو المشحون والذي مارس فيه التيار المحافظ كل أنواع التحشيد ومنع أي وجهة نظر أخرى تصل للقواعد يجعل الانتخابات ذات نتيجة عدمية وغير متكافئة ومحكومة النتائج سلفا ، طرح يؤشر بشكل واضح بان التيار الإصلاحي قد لا يريد انتخابات مبكرة ولا يريد انتخابات بعد انتهاء ولاية المراقب العام الحالي في الربيع القادم كون الانتخابات لن تعتبر عن الواقع في هذا الاستقطاب الحاد بل أنها تعمق الأزمة وتزيدها ، وان التيار الإصلاحي يرى الحل بداية بقيادة مؤقتة من أهل الرأي والخبرة تدير الأزمة وتخرج منها وتعيد ترتيب الأمور الداخلية كمقدمة  إلى إجراء انتخابات قادمة تفرز قيادة للمستقبل .
 
بالمقابل التيار المحافظ يرى بان الظروف مواتية له للذهاب للانتخابات بعد انتهاء ولاية المراقب العام الحالي للجماعة الأم ويجدون أنفسهم أمام فرصة لإعادة تدوير إدارتهم القيادية بعد أن تهشمت في الأزمة الأخيرة وإعادة إنتاج خطابهم بصورة أخرى من خلال وجوه جديدة تأتي بها الانتخاب لاستكمال برنامجهم في إحكام سيطرتهم على الداخل الاخواني  .
 
في هذا السياق عمد التيار المحافظ إلى إلقاء التعديلات التي ظلت حبيسة الأدراج على القواعد في شبه تحشيد لها لإحراج التيار الإصلاحي في مجلس الشورى الذي يرى أن المرحلة والأولوية هي لإدارة الأزمة الخارجية وليس ترتيب البيت الداخلي وان ترتيب البيت الداخلي يكون بعد التخلص من شبح الطوفان الخارجي الذي يتهدد وجود الجماعة وينزع عنها الشرعية التي تحتاجها للاستمرار في الحياة والوجود قبل أن تتحول بشكل معلن إلى جماعة محظورة  .
 
 
(3) كيف سيكون المشهد  خلال الشهور المقبلة  ؟
 
 
الأمور يبدو أنها ستكون محصورة بعدة سيناريوهات  في الداخل والخارج الاخواني .
 
 
 السيناريوهات المحتملة 
 
 
السيناريو الأول :-  نجاح القيادة الحالية في الاجتماع برأس النظام وإعادة ترسيم العلاقة معه وترميم العهد السابق مع مؤسسة القصر بما لهم من شرعية شعبية وما تملكه من قواعد على الأرض ، لقاء يخرج الجماعة الأم من عنق الزجاجة الذي أدخلتها به الحكومة بمنح ترخيص لجمعية الإخوان المرخصة ، لقاء إن تم سوف يعني نسخ كل الإجراءات الحكومية السابقة بحق الجماعة وانتهاء وجود جمعية الجماعة المرخصة  تلقائيا وتركها تذوي وتموت .
 
 
السيناريو الثاني :- قبول التيار المحافظ بالذهاب إلى مصالحة مع الجمعية تكون المصالحة بالاتفاق على رحيله عن قيادة الجماعة الأم مقابل رحيل مكتب الجمعية عن قيادة الجمعية المرخصة وقدوم قيادة توافقية لمدة مؤقتة تدمج التنظيم الأم بالجماعة المرخصة وتعيد صياغة خطاب الجماعة الداخلي والخارجي وهيكلة الجسم التنظيمي وإجراء إصلاحات داخلية واسعة والترتيب لانتخابات بعد ذلك  .
 
 
السيناريو الثالث :- حظر الجماعة الأم رسميا وبقرار قضائي والتعامل معها على أنها تنظيم غير مشروع  يتم ملاحقة كل من يعمل من خلاله آو يخترق الحظر القانوني المفروض عليها تمهيدا لإضعافها وتصفيتها بعد ذلك .
 
 
السيناريو الرابع :-استمرار الضغط الخارجي على الجماعة الأم بصيغته الحالية مع تقدم جمعية الجماعة المرخصة ببطء في أوساط القواعد يتزامن ذلك مع إجراء انتخابات شورى للجماعة الأم في ربيع العام القادم  ومشاركة التيار الإصلاحي بها .
 
خامسا :- استمرار الضغط الخارجي على الجماعة الأم بصيغته الحالية يتزامن مع مقاطعة التيار الإصلاحي  وقواعده  لانتخابات مجلس الشورى انتخابا وترشحا مقاطعة قد تصل لرفض الهيئات الإدارية  التي يسيطر عليها التيار الإصلاحي المشاركة في تنظيم عملية الاقتراع.
 
 
ترجيح السيناريوهات 
 
 
يبدو أن لقاء  قيادة الجماعة الأم مع رأس النظام هي القيادة نفسها غير واثقة من تحققه فهي تدرك جيدا أن  الإجراءات الاستثنائية التي تم اتخاذها بحق حركة عمرها أكثر من سبعين عام  ما كانت لتتم لولا وجود ضوء اخضر من رأس النظام بذلك  وان النظام لا يرى مصلحة لإعادة ترميم العلاقة  واحتضان الجماعة الأم  كالسابق إذ أن مبرر الاحتضان السابق كان لمواجهة خطر المد اليساري الذي لم يعد موجود  وان استمرار وجود  الجماعة الأم بصيغتها الحالية التقليدية سياسيا ستكون عقبة أمام مشروع العهد الجديد الذي بدأت تظهر معالمه وان رهانه بهذا الملف هو إعادة إنتاج الخطاب الإخواني من خلال الجمعية وتأهيلهم للمشاركة في العهد والجديد .
 
 
فيما يبدو أن السيناريو الثاني بالذهاب إلى مصالحة قد يبدو هذا الخيار أمنية يتمناها الجميع في القواعد  والتيار الإصلاحي وقيادة الجمعية لكن من يتابع  طريقة تصرف التيار المحافظ يدرك بأنه ذاهب بقرار  مبيت إلى حرق المراكب وقطع كل طرق العودة مع الجمعية وقيادتها ، فمستوى الهجوم  كبير ولا صوت يعلو فوق الصوت الإقصاء والتخوين ووجود مثل هذا السيناريو أشبه ما يكون بالمعجزة  التي يتمناها الكثير من خارج التيار المحافظ لكنها لن تكون وفق المجريات العادية للأمور على الأرض.
 
أما ما يتعلق بالسيناريو الثالث  فهو غير وارد  حاليا فالنظام غير متعجل في حظر الجماعة بعد أن مرر  المرحلة الأولى بسحب الشرعية بهدوء لكن هذا الأمر يكون سيكون أسهل  في المستقبل  إن الجأتها تطورات الموقف إليه، فالحكومة تدرك انه كلما كانت نارها أكثر هدوء تحت كعكة الخلاف الاخواني كلما انتفشت أكثر  وأصبحت الجماعة الأم أسهل في الابتلاع والهضم ، ويبدو أنها تفضل وتراهن على أن التحلل الذاتي بعد أن سحبت شرعيتها هو الخيار الأسلم في التعامل مع هذا الملف.
 
 
فيما يتعلق بالسيناريو الرابع من الواضح أن الخيارات التي جعلها التيار الإصلاحي أو تيار الحكماء  مفتوحة في بيان سابق له تؤشر إلى أن التيار الإصلاحي أصبح في حالة إحباط كبيرة من الإصلاح من الداخل وان فرصته في أن يكون في سدة القرار عبر الصناديق في هذا الواقع المشوه والاستقطاب الحاد  غير واردة لحد كبير إذ أن ممارسات التحشيد من قبل القيادة وتيارها داخل الصف والطعن بكل توجه لا يؤمن برؤيتهم مصحوبا بحملة اغتيالات سياسية منظمة لقامات في تيار الحكماء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبأسماء وهمية لضمان إخراج الجميع من حلبة المنافسة متزامن مع دعم إعلامي عبر الوسائل التي تسيطر عليها القيادة، كل ذلك يجعل التيار الإصلاحي يدرك بان ذهابهم للانتخابات لا يمثل أكثر من إعطاء شيك على بياض للتيار المحافظ لمزيد من الإخفاق لسنوات أخرى إن  بقيت الجماعة مما يجعل مشاركة التيار الإصلاحي في الانتخابات  القادمة أمر مستبعد تقريبا .
 
 
 يبقى السيناريو الخامس هو الأكثر قربا للتحقيق مما يعني بان التيار الإصلاحي بالغالب سوف يقاطع الانتخابات إن جرت وسيتمسك بخيار الإدارة المؤقتة لدفع الخطر الخارجي بما يملكه من قدرة على إدارة الصراع مما يعني مزيد من الانشقاقات  في جسم الجماعة الأم  في ظل تمسك التيار المحافظ ورغبته في إجراء الانتخابات وتجديد إمساكه بقيادة الجماعة لفترات أخرى، الانشقاقات سوف تخرج على شكل انضمام للجمعية بشكل كبير وخاصة في مدن الأطراف وتمتد لمدن الوسط  أو وجود جسم ثالث  كحزب الحكماء الذي تم الحديث عنه سابقا والذي  يبدو أن الحكماء لم يعودوا متحمسين له في ظل دراسة الواقع السياسي الذي تنعدم به أي فرصة لنجاح الأحزاب السياسية ، سيناريو إن جرى وهو الأغلب وقاطع التيار الإصلاحي الانتخابات القادمة سيسرع إنهاء أمد الصراع وسيعيد خرط كثير من قواعد وقيادات كوادر الجماعة الأم  في الجسم الجديد ويدفع بقيادة جديدة للجمعية من أسماء لها وزنها في نفوس الكثير تتجاوز كل هفوات القيادة الحالية  وسيطلق مشروع الإخوان من جديد وبهيكل وثوب وخطاب جديد  وان كان  يحتاج  مدة أطول لتعافيه وعمل ماكنته بكفاءة عالية وبشكل منتج ويؤتي ثماره أما ما تبقى من الجسم القديم سوف يتحلل لأشكال متعددة منها العزوف عن العمل ومنها العمل السري ومنها البحث عن اسم وترخيص جديد.
 
هذه سيناريوهات وفقا لما هو موجود على الأرض إلا أن طبيعة الخلفية الفكرية للإخوان ومنهجهم الأيدلوجي  يجعل أزمتهم أحيانا لا تخضع لمنطق حسابات الموجود على الأرض وقد تتطور نحو الحل بشكل ايجابي ومفاجئ يذهل الجميع .... ويبدو هذا ما يتمناه الكثير لهم داخليا وخارجيا .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد