أردوغان .. وفخ الإنتخابات المبكرة

mainThumb

30-08-2015 10:19 AM

دعا الرئيس التركي أردوغان إلى إنتخابات برلمانية جديدة وذلك في خطوة كانت متوقعة بعد فشل الجهود للتوصل إلى تشكيل حكومة إئتلافية، إذ فقد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا غالبيته الحكومية في الإنتخابات الأخيرة، ولم تثمر المفاوضات السياسية بين رئيس الوزراء أوغلو والمعارضة أي نتيجة، ليصبح الحل الوحيد هو إجراء إنتخابات مبكرة، والتي حدد موعدها في الأول من تشرين الثاني المقبل.
 
كانت خطة أردوغان منذ البداية هي إفشال تشكيل الحكومة الجديدة من جهة، وعدم إعطاء وقت كافٍ لتكليف شخص آخر ليحاول التشكيل من جهة أخرى، لذا تأخّر في تكليف من يشكل الحكومة شهراً بكامله، ثم عمل على تبديد الوقت في مفاوضات مع المعارضة، فلم يقترح عليها سوى إجراء إنتخابات مبكرة، لكسبها على الأقل بأغلبية مطلقة، تمكنه من تشكيل حكومة منفردة يسيطر فيها حزب العدالة على أمور ومقادير البلاد، وتمكنه من إعادة كتابة الدستور لتوسيع سلطاته.
 
السبيل الوحيد لتحقيق أهداف الرئيس االتركي هو إلحاق هزيمة كبيرة بالحزب الكردي الذي حصل فى الإنتخابات البرلمانية الأخيرة على أكثر من 13% من أصوات الناخبين ليصبح أول حزب كردي يدخل البرلمان على حساب مقاعد حزب العدالة، في إطار ذلك نجد الرئيس التركي اليوم وبعد سنوات طويلة من الأمن والاستقرار ينزلق الى حرب على جبهتين عسكريتين في مواجهة عدوين لدودين الأول كردي شرس، والثاني إسلامي متشدد عابر للحدود "داعش" والإنتصار على إحداهما، قد يحتاج الى زمن طويل وسيكون مكلفاً مادياً وبشرياً، ولا يخفى رغبته الكاملة فى تدمير الحركة الكردية بعد أن أعلن وقف كل جهود التسوية السلمية معها، فدخلت البلاد في إضطرابات وحروب مختلفة، وأصبحت المعارك شبه يومية، وردّ حزب العمال الكردستاني على الحرب ضده بالسيطرة على بعض المناطق وإعلانها خاضعة لحكم ذاتي، وبسط قوته على الأرض، فيما أعلنت الحكومة التركية بعض المدن والبلدات مناطق أمنية، ومن ثم فإن أكثر السيناريوهات توقعاً ان يحافظ الأكراد على المقاعد التى كسبوها في البرلمان التركي، ويزيد من فرص فشل أردوغان، هو حالة الاستقطاب الحاد التى تسيطر على الحياة السياسية فى تركيا والتي تلزم الأكراد بالإصطفاف صفاً واحداً ضد خطط الرئيس أردوغان ، كما تلزم أحزاب المعارضة التركية بالوقوف يد واحدة ضد رغبة الرئيس التركي فى الإستيلاء على كامل السلطة وتغيير دستور البلاد وتوسيع سلطاته وإقحام تركيا فى مزيد من المشاكل مع الدولة السورية والعراقية والأكراد وغيرهم من دول المنطقة.
 
في سياق متصل إن الإستمرار لفترة طويلة في سياسة التصعيد، من المحتمل أن تكون له مردودات سلبية على الدولة التركية، التي تعاني أزمات متعددة، فداخلياً، عادت مشكلات الأكراد للواجهة مرة أخرى، وتحولت قضايا الحريات والإعتقالات وحقوق الإنسان إلى منحنى آخر تتشابك فيها الأبعاد الداخلية مع الخارجية، أما إقليميا حيث تتعثر خطوات أنقرة على الساحة السورية، بعد إنقلاب الدفة لصالح نظام الرئيس الأسد، فضلاً عن الاتهامات التي تتردد بشأن علاقة أنقرة بتنظيم داعش، والتي وصلت لدرجة الحديث عن دعمه ومساندته، وغض الطرف عن إنتهاكاته في المناطق القريبة من الأراضي التركية.
 
في نفس السياق  إن الحرب في سورية لم تعد ذات مردود إيجابي للأنظمة والحكومات التي رعتها، كونها حرب معقدة ذات أبعاد دولية وإقليمية, والآن تطورت إلى حرب عابرة للحدود يأكل فيها كل طرف خارجي نصيبه من حصاد السم الذي زرعه على مدى السنوات الماضية في سورية، بالرغم من أن تركيا إنخرطت في مشروع إسقاط النظام في سورية، على أمل تحقيق إختراق في الخريطة الإستراتيجية في المنطقة، فإنها تشعر الآن إن إستثمار مليارات الدولارات ووضع ثقل السياسة التركية وراء هذا المشروع معرّض للزوال، على ضوء إعادة العديد من الدول مراجعة سياساتها حيال تطورات هذا البلد، إضافة الى ذلك ثمة تخبط واسع في داخل أنقرة حيال التعامل مع حقيقة تورطها في لعب دور سلبي في سورية, وإنطلاقاً من ذلك فإن حزب العدالة لم يعمل أي عمل من أجل تحسين صورته بحيث يكسب المزيد من الأصوات في الإنتخابات البرلمانية المبكرة، فأغلب الظن إن نتائج الإنتخابات المبكرة لن تغير كثيراً من صورة الموقف السياسي في البلاد، على العكس ثمة سيناريوهات قوية في أن يؤدي تكرار فشل أردوغان فى الإنتخابات القادمة الى تصدع كامل فى صفوف حزبه الحاكم وخاصة بعد تراجع شعبيته فى الإنتخابات الماضية، وهي فرصة لخصوم أردوغان للإجتماع مجدداً بعدما أثبتت التجربة السابقة أنه بإمكانهم حجز حصة مؤثرة في الإنتخابات وتغيير مسار البلاد السياسي، وفيما تتحضر تركيا لدخول مرحلتها الجديدة، يشير المتابعون الى أن سمة عدم الاستقرار قد تمتد الى ما بعد الانتخابات المقبلة بغض النظر عن نتيجتها، والمتوقع ان تشهد الساحة السياسية والمؤسسات الدستورية في البلاد تصفية حسابات  في حالة فوز حزب اردوغان بالأغلبية البرلمانية، لذلك يبدو أن تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات مرعبة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة، فإضطراب الأوضاع في تركيا مسألة وقت، وأن النار تحت الرماد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد