نخبويّة البروستّات

mainThumb

31-08-2015 02:06 PM

نحتاج الى رقية شرعية لكي نُطهر القارئ الأردني من رجس الكثير من النصوص الأدبية (على صعيد الاسم) التي أمست تشكل مأزقاً حقيقياً في مشهدنا الثقافي الأردني، فالكلام ذاته مُنذ أن بدأ الأديب الكهل بالكتابة وحتى الآن. حتى أمسى المشهد الثقافي بحاجة ماسة لدار للمسنين، فلو دقق المرء في أعمار هؤلاء الكبار (عمراً) لوجد أن الأردن الذي يعتبر بلد الشباب وهم يسيطرون على أعلى نسبة سكانية فيه، في ذروة الشيخوخة وقمة الرجعيّة.
 
يعرفُ عن الأردن -تحديداً- أنه بلد يفتقد للآباء ابداعياً، وبحكم علاقات شخصية مع عدد كبير من الأدباء الأردنيين والفلسطينيين، لم أسمع من أحدهم أن فلان قدوته أبداعياً أو أن الطائفة الفلانية استلمّت زمام المشهد الابداعي من الطائفة التي سبقتها، وإن سألتَ أحدهم من مثلك الأعلى؟ سيقول لك: أنا، وإن سألت أيضاً من أثر بك وجعلت منه موطئاً لك؟ سيقول لك:  لا أحد، أتحدث عن جيل التسعينيات وبعض الثمانينيات الذين عاصروا قامات إبداعية سامقة لا مندوحة من نسيانها، فكيف سيكون الحال اليوم ونحن نرى المشهد رخيصاً جداً والقامات فيه زهيدة؟ وكيف سيكون حال القادمين من الشباب وسط مرض البروستات المُسيطر على النخبة التي تحكم المشهد الأدبي.
 
 
هل أنتَ من النخبّة؟
 
لنعرف النخبّة: هم كتاب وكاتبات غلب على أكثرهم الثراء باعتبارهم أصحاب أعمال، لأن كتبهم غير مقروءة ولا تدفع تكاليف الطباعة، وبحكم صداقات عميقة مع العديد من الأكاديميين وأصحاب دور النشر فيبدو المشهد مخجلاً عندما نقرأ عشرات الدراسات النقدية لرواية أو ديوان شعري ضج به فضاء الأردن رغم أن مبيعاته لم تتجاوز 100 نسخة، فمن قرأ وعلى أي أساس ثار مثّار النقاد لهذه الأعمال إنصافاً وتصفيقاً وتملقاً؟، والسبب الرئيس في هذا أنهم نُخْبّةْ بكامل علاقاتهم مع دور النشر والبرامج الاذاعية والتلفزيونية والمجلات والصحف اليوميّة، وغيرها.
 
أهل هذه النخبّة لا يقدمون أي تنازلات لسمّاع شاب جاء من نهايات الحدود والبوادي والأرياف الأردنية طمعاً بلقاء أهل القلم - الذكر- وحباً لمخالطة الكُتّاب الذين سمع عنهم وتمنى لو مر بهم، ولأنهم نخبّة وهو لا يملك فاتورة العشاء في مطاعمهم الفارهة ولا مركبّة طويلة أو اسم عائلة ثريّة ذات أصول نابلسيّة أو كركيّة، لن يكون كاتباً حتى لو كان كاتباً جُبِلَّ على الابداع وبوسعه أن يمتحنهم امتحان مستوى في الثقافة العامة ويرسبوا أسفل مخزونه... لكنه ليس من النخبّة.
 
هذه النخبّة لها نقادها وفاكهة جلساتها واقطاعها (بعضهم شيوعيون نادوا بالبروليتاريا وآخرون بعثيون من زمن المنح المجانيّة) وجيوش الترشيح للجوائز والولائم في العواصم العربيّة بالاضافة إلى فريق التصوير المتأهب دائماً لرصد عيونهم المليئة بالشاعريّة والسرد.
 
من هم النخبّة؟
 
كتبٌ لا تبّاع، وفكرٌ قديمٌ رث يشبه السلاح الروسي وروافد الحزبيّة العراقية والسورية وحديث عن الحداثة بنهج كلاسيكي، وكلهم أصدقاء محمود درويش وسميح القاسم وحنا مينا وأدونيس وجبرا ابراهيم جبرا وأنسي الحاج وناصر الدين الأسد وإحسان عباس، كأنهم خلقوا هكذا دون المرور بمرحلة الشباب التي جعلتهم إقصائيين حدّ رفض حيويّة الشباب وطاقات المولعين بالتقنيّة والكتب الرقميّة والترجمات والأدب العالمي ووسائل الاتصال بالعالم الخارجي وربط الأدب بالعلم والتقنيّة.. انهم يرفضون الحداثة.
 
المرضُ تحت إمرة الحميّة والوراثّة ومقابله العلاج والعمرُ المتقدمُ بأمر الله، لكن أن يقود المريض معافى وأن تتقدم الكهولة جحافل الشباب فهذا مأزق محرج يضع التردي القائم في عنق الكبّار الذين لا يراعون زهورهم ويشنقون ابداع الشباب على حبّال اقصائهم ومحسوبياتهم وتملقهم لبعضهم البعض، فقد أمسى المشهد -بالمجمل- محض دائرة ضيقة لنفر من المتقاعدين من وزراة التربيّة وأمانة عمّان وسائر الدوائر الحكوميّة دون تدخل الآخر، وما زال القارئ هارباً من كحَة الطاعنين في العمر والرجعيين العجزّة.
 
قال الشاعر المصري الفحل أحمد عبد المعطي حجازي للقلعة الفكرية العقاد: أخرجوا من زمننّا ..! ونقول بعلو الصوت أخرجوا من زمننّا، نود أن نقول فكرتنا وأن ندمج التقدم بالفكرة، نريد أن نحرق الفاكس والهاتف الأرضي ومركبّات الغيّار اليدوي والتلغراف، نحن في زمن السرعة وفي عالم القريّة الصغيرة والمعرفة المشّاع ... أخرجوا من زمننا... جميعاً.
 
*شاعر ومترجم من الأردن.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد