قصيدة الموصلي المزعومة - د. سامي عطا حسن

mainThumb

02-10-2015 02:29 PM

هذه قصيدة لابن يوسف الموصلي المسعودي.. ( انتشرت على بعض مواقع الاتصال الاجتماعي ) حيث طلب منه تلامذته نصيحه ، فأجابهم بهذه القصيدة التي تنبأ فيها ماذا سيحدث في العراق والشام والذي كتبها سنة ٧٤٥ هجرية ، وقد تحقق جزء كبير منها – حسب زعم ناشرها - .... والعجيب انه اشار فيها لأحداث تجري اليوم وتحدث ايضا عن خروج "عائش" الذي يقتل منهم كثيرا:...                
 
 تقول القصيدة :
 
تعيشونَ دهراً ترونَٓ الرِّيَبْ
 
ولا يدفعُ المرءُ هَولَ الخُطَبْ
 
ويستَعمِرُ الشآمَ سفَّاحُها
 
ويجني رؤوسَ الورى كالعنبْ
 
ويبقى بها خمسةٌ كامله
 
سنينا طوالا يجُزُّ العربْ
 
وآهٍ على موصلٍ والعراق
 
يجيءُ ظلامٌ شديدُ الرَّهَبْ
 
ويفترقُ الناسُ فيهِ افتراق
 
كموجٍ تلاطمَ ثُمَّ اضطربْ
 
ويخرجُ "عائشُ" من بينهم
 
ليقلبهم وهْوَ فيها انقلبْ
 
ويقتلُ منهم مِئاتُ المِئات
 
وضيعا حقيرا رفيعَ النسبْ
 
ويسطو على كعبةِ الله في
 
ثلاثٍ ، ويملؤها بالذهبْ
 
ويسلبُ من حجَّ فيها وطاف
 
ويحرقُ فيها صحيحَ الكُتبْ
 
وتغرقكم فتنَةٌ جامِعه
 
فتأكُلُكُم مثل نارِ الحطبْ
 
وترمي اليهودُ عليكم سهام
 
من النارِ فيها شديدُ العطبْ
 
وتنحركم مثل نحرِ النعاجْ
 
وانتم جلوسٌ فَيا للعجبْ
 
وكسرى من الشرق يأتي لكم
 
وقد كاد كيدا شديد الغضب
 
هو الرأسُ والسمُّ في شدقِهِ
 
ويتبعهُ الموتُ مثلُ الذَّنَبْ
 
ويزداد فيكم سواد السنين
 
تهيمون وسط الغنا والطربْ
 
وفيكم سَيَكثُرُ نسلُ البنات
 
ويحلقُ كلُّ الذكور الشَّنَبْ
 
فلله نبرأُ من وقتكم .....ولله نبرأُ منكم عربْ.
 
 
وقفات مع قصيدة الموصلي المزعومة
قال الاستاذ محمد غالب العمري : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه , وبعد: فقد انتشرت قصيدة منسوبة إلى ابن يوسف الموصلي المسعودي تحكي حالا يكون في مستقبل الأيام, نشرها جمع من الناس على أنها قصيدة تنبأ صاحبها فيها بما يكون في الشام والعراق, وبعد النظر والتأمل تبين أنها قصيدة مكذوبة في النسبة والتأريخ.
وقبل بيان بطلان صحة القصيدة وبطلان وجودها في القرن الثامن ....لا بد من بيان أن علم الغيب وما يكون في مستقبل الأيام لا يؤخذ من الشعراء والأدباء والمفكرين بل هو مما استأثر الله بعمله.
 
فمن أول أوصاف المؤمنين ما جاء في قوله تعالى "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة : 3]",
 
وإذا كان الأنبياء والرسل وهم من اصطفاهم الله تعالى من بين العباد لايعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله تعالى عليه, فمن باب أولى غيرهم من الصالحين فضلا عن غيرهم.
 
الغيب لا يعلمه إلا الله، لا يعلمه الرسل ولا غيرهم، الغيب لا يعلمه إلا الله، وإنما يعلم الرسول ما أوحي إليه، قال تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل : 65]، وقال: (فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : 26 ، 27]، فقد يخبرهم بعض المغيبات، كما أخبر الله نبينا عن أشراط الساعة وعن بعض أمور الجنة والنار، إلى غير ذلك، فالغيب لا يعلمه إلا الله، لكنه سبحانه يطلع بعض أنبيائه ورسله على بعض الغيب". 
وعلى هذا فما جاء في هذه الأبيات مما يخبر عن أمور غيبيه لا يجوز تصديقه ونشره.......ولعل قائلا يقول: قد ذكرت فيها أمورا واقعة كما هو حاصل في الشام والعراق, ..فيقال : هذا من زيادة التعمية والكذب, حتى يصدق الناس أن هذه القصيدة أبانت شيئا من واقع الناس منذ ما يقارب سبعة قرون !! وأما بيان كذبها فيتضح فيما يلي :
 
▪...أولا : لم نجد خلال البحث في طبقات الشعراء والأدباء في القرن الثامن من يقال له :
 
(خويلد بن سعود الهذلي ) أو (ابن يوسف الموصلي المسعودي) فهو اسم لا وجود له في الواقع.
 
▪... ثانيا: هناك أمور ذكرت مخالفة للشرع, فمن ذلك :
 
قوله : وكسرى من الشرق يأتي لكم. .... وقد كاد كيدا شديد الغضب
 
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ،
و إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده و الذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله"
أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني .
 
تحديد أمور غيبية وذكرها بالوصف والعدد كقوله :
 
تعيشونَ دهراً ترونَٓ الرِّيَبْ ... ولا يدفعُ المرءُ هَولَ الخُطَبْ
 
ويستَعمِرُ الشآمَ سفَّاحُها... ويجني رؤوسَ الورى كالعنبْ
 
ويبقى بها خمسةٌ كامله ... سنينا طوالا يجُزُّ العربْ
 
فما هذا إلا ادعاء لعلم الغيب, واقتفاء لما ليس للشاعر ولا لغيره علم به.
 
▪... ثالثا: مما يدل على وضعها أن بها عبارات لا تعرفها العرب الأقحاح نحو :
 
الشنب, كما في قوله "ويحلقُ كلُّ الذكور الشَّنَبْ".
 
فإن المراد به عند الشاعر " الشارب" وهذا غير معروف في اللغة, فالشنب في اللغة حِدَّة في الأسنان, قال الجوهري :"الشَنَبُ: حِدَّةٌ في الأسنان، ويقال بَرْدٌ وعُذوبَةٌ. وامرأةٌ شَنْباءُ، بَيِّنَةُ الشَنَبِ.
 
قال الجَرْميّ: سمِعت الأصمعيَّ يقول: الشَنَبُ: بَرْدُ الفمِ والأسنانِ" الصحاح في اللغة (1 / 370).
 
جاء في كتاب "العامي الفضيح", من إصدرات مجمع اللغة :
 
"استعار المحدثون الشَّنَب للشّارب واستعملوه فيه حتى تناسَوُا الأصل".
 
وهذا مع ركاكة اﻷسلوب في القصيدة ، والأخطاء النحوية بما يمجه كل متذوق للشعر.
 
▪... رابعا : يلوح من وضع القصيدة وعباراتها مقاصد سيئة, من ذلك :
 
إضعاف النفوس عن قتال أحفاد الخوارج ( داعش وأتباعها ) وذلك بالتسليم أن ذلك واقع لا محالة...
فما مآل من يسمع هذه الأبيات ويصدقها سوى الخنوع لهذا الواقع, وتصديق هذه التنبؤات.
 
▪... خامسا : ذكر عائش في قوله : "ويخرجُ "عائشُ" من بينهم... ليقلبهم وهْوَ فيها انقلبْ".
 
فلو أن الشاعر ذكر داعش لضحك منه الأطفال , ولكنه ذكر عائش ليربط بعضهم هذا الإسم
بما قاربه وهو داعش !! ( كتلك القصائد التي كانت تظهر أيام صدام حسين !!)
 
القصيدة تنتقص من العرب .. ولعل القائل لهذه الأبيات شعوبي أعجمي ضاق ذرعا بالعربية والعرب, أو يهودي يتمنى زوالهم والقصيدة مُحدثة وضعها من وضعها ليمرر أمورا ويحقق أهدافا معينة.
 
⚫ ونصيحة أخيرة للقراء : لا تكن مقلدا في النقل, تتلقف ما ينقل لك بالتسليم , لا سيما فيما يظهر فساده ، ومصدره غير موثوق, بل الواجب النظر والبحث والتوثيق. قال سيدنا عمر – رضي الله عنه - : ( لست بالخِبّ.. ولا الخب يخدعني ) وفق الله الجميع لما فيه رضاه. .. وحفظ علينا نعمة الأمن والأمان ... إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد