حقيقة التدخل الروسي في سوريا - المحامي محمد ابداح

mainThumb

05-10-2015 09:51 PM

تمضي الأزمة السورية في خط مستقيم نحو  هاوية التصعيد الإقليمي والدولي  ، وخصوصا بأن الرهان السياسي والعسكري ، على نفاذ صبر الولايات المتحدة في اتخاذها موقف المتفرج ، يتوقف على مدى دقة حسابا جنرالات روسيا ، في التدخل العسكري المباشر في سوريا، فلم يعد سراً بأن روسيا تعمل حالياً على بناء قوة برية مشتركة للتدخل السريع تشمل قوات من روسيا وإيران وسوريا ولبنان ، وذلك لشن ضربات عسكرية  مجولقة (جو-أرض )في عدة محافظات سورية ، وأهمها اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص وآدلب وعلى طول الساحل الشمالي الغربي، الامر الذي يتجاوز بكثير نطاق الدور الذي لطالما أعلنت روسيا اقتصاره على الدعم اللوجستي والفني.
 
وإذا ما تم بناء هذه القوة العسكرية ، وهو مايتم العمل عليه حاليا، فحتما سوف تتغير موازين القوى اقليمياً، وأول بشائر هذا التغيير الحد من قدرة إسرائيل على شن عمليات جوية فوق كامل التراب السوري واللبناني، وثانيا تقزيم الدور الذي تقوم به دول مايسمى بالتحالف الدولي والذي يضم كل الأردن والأمارات وإسرائيل وبريطانيا وغيرها بزعامة الولايات المتحدة ، وخصوصا في شن هجمات جوية ضد أهداف مختارة في سوريا  وشمال شرق العراق بزعم وقوعها تحت سيطرة تنظيمات ارهابية .
وفي ذات السياق ، فإنه وعلى غرار السيناريو الأوكراني ، فمن غير المتوقع أن يتعدى رد الفعل الأمريكي عن أدوات الخطاب السياسي الإعلامي  ، والذي بالكاد يحفظ ماء الوجه.
 
 غير ان التساؤلات التي قد تثار هنا ، هي أنه وعلى الرغم من إمكانية وقوع خسائر بشرية  في صفوف القوات الروسية نتيجة لتورطها في الحرب السورية، علاوة عن احتمالية وقوع تصادمات أو حتى مواجهات جوية مباشرة بين الطائرات الحربية الروسية من جهة والطائرات الأمريكية وحلفاءها من جهة ثانية ، إلا أن موسكو تحث المسير نحو التصعيد العسكري ،  فهل يستحق الرئيس السوري او حتى اي زعيم عربي آخر ، مثل تلك المغامرة ؟؟
 
قد تستدعي الإجابة على هذا السؤال وغيرها من الأسئلة ذات العلاقة ، معرفة بعض الحقائق واستحضار الأحداث ، تستند الخطوات الروسية في سوريا على استراتيجية جغرافية وسياسية واقتصادية وعسكرية أكثر خبرة وأعمق هدفا مما يعوّل علىه صناع القرار الأمريكي ، وهذا ماقد يُفسر التخبط الأمريكي في التعاطي  مع المسألة السورية ، مقارنة بالتدخل الروسي العسكري في سوريا ، والذي يبدو جليا أنه أكثر واقعية وحسما وجرأة ، في انقاذ النظام السوري  والذي فشل بعد كل هذا الدعم الأقليمي من لبنان وإيران في استعادة السيطرة على سوريا.
 
 وهنا يجب التذكير بأن التدخل العسكري الروسي في سوريا ،يحمل أهدافا، تتجاوز حماية نظام بشار الأسد ، على رأسها حماية المنافذ البحرية والجوية التي تعتمد عليها روسيا لبسط نفوذها في الشرق الأوسط، حيث توفر لها سوريا الفرصة لتحقيق أهدافها في أي تسويات أو مساومات أو حتى مفاوضات دولية ، على مستوى أكبر مما قد يدور في خلد أي زعيم عربي يقُدم على إبادة شعبه بدم بارد كي يبقى بالحكم.
 
إن السيناريو الروسي في سوريا ، هو ذاتهالذي اعتمدته روسيا للسيطرة على شبه جزيرة القرم عام 2014 م ، ففي البداية، تتّخذ روسيا خطوات استباقية مشفوعة بتصريحات محددة الأهداف، مقرونة ببناء تدريجي للقوات، ومستفيدة من الغطاء الذي تؤمنه لها النشاطات والمنشآت الروسية الموجودة سابقاً في المنطقة المستهدفة ، وفي الحالة السورية استعانت موسكو بسفن الإنزال البحري ، إلى جانب طائرات النقل العملاقة (طراز أي إن- 124/الكندور) من أجل إرسال أسلحة وقوات عسكرية للعمق السوري ، تحت غطاء بعثات المساعدات الإنسانية.
 
وحتى تاريخ كتابة هذه السطور ، أعلنت موسكو عن تمركز عناصر لواء المشاة البحرية الروسية رقم 363 في سوريا ، والذي يضم أربعة آلاف وخمسمائة جندي روسي !! ، كما تسعى روسيا أيضاً إلى نقل نظام صواريخ أرض-جو متطوّرة من طراز أس أي - 22  إلى سوريا. 
 
وعليه بإمكان القوات الروسية منح النظام السوري ميزة حاسمة في القتال ضد قوات المعارضة القادرة على هزيمة النظام السوري تحت ظروف معيّنة، إلا أن ذلك الاحتمال يبدو بعيداً في ظل التدخل الروسي .
 
 
المحصلة
 
 
قد لا يكون من الحكمة التسرع في إصدار الأحكام المسبقة ، غير أنه من الممكن توقعها ، وفي ذات السياق فإن التدخل العسكري الروسي في سوريا قد يكون نتيجة توافق دولي على ازاحة بشار الأسد من سوريا ، وخصوصا بعد تصاعد أعداد اللاجئين السوريين لأوروبا وتداعياته الانسانية والاقتصادية والأمنية على تلك الدول ، ومن هنا أتى الرد الروسي السريع ، ليس بهدف إنقاذ نظام بشار الأسد ، وإنما لضمان حق روسيا في الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا والسيطرة على المنافذ البرية والبحرية فيها ، وذلك ضمن اي تسوية سياسية مقبلة ، ولا عزاء للشعب السوري .
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد