سقوط الأقنعة .. ومأزق الحوار السوداني !!!

mainThumb

07-10-2015 10:19 PM

في يناير 2014م الماضي ، إبتدر البشير خطابه ( البليغ) الذي كُتب بلغة منتقاة إبتدره بضرورة الحوار بين الفرقاء المتخاصمين السياسيين ، من غير شروط مسبقة ، أو تهميش لأحد ، أو إقصاء للأخر الشرط الوحيد أن يتم الحوار في السودان ، وتقدم لأجله الضمانات المتعارف عليها في مثل هذه الأحداث خاصة ، للمتمردين الحاملين السلاح ضد الدولة .  
 
الهدف الوحيد من إجرائه داخل البلاد ، حتى لا تتدخل أيادٍ أجنبية عديدة لها أطماع ومصالح بعيدة عن روح الوفاق السوداني ، فتقعده حتى لا يؤتى ثماره ، ويعتصم المتخاصمون في مواقفهم ، خاصة أن التمرد له صلات خارجية لا تخفى على أحد .  
 
إتفاقية (نيفاشا) التي نفذت كاملة في عام 2005م بين الحكومة السودانية ، والمتمردين الجنوبيين والتي من المفترض أن تجلب وحدة عميقة بين الشمال والجنوب ، إنتهت الى إنفصال جارح للجنوب ، بعد تطبيق صارم للإتفاقية ، من تقسيم للثروة والسلطة ، وتنفيذ مخلص لروحها لدرجة التقديس ... حتى لمّا أجرى الإستفتاء في حق تقرير المصير كان السودان أول من إعترف بالدولة الوليدة ... هذا الموقف جعل قائداً ومفكراً إستراتيجياً عالمياً ، أن يصفه  (بالخطأ التاريخي) لأنه يعتقد الدولة لا تفي بوعودها ضد مصلحتها الوطنية العليا . 
 
الخطاب المشهود الذي سُمى بخطاب (الوثبة) ، جاء في ظرف سياسي دقيق وحساس شعرت فيه القيادة السياسية للبلاد ، أنه لا بدليل للحوار السياسي ، حتى لو قدمت له أثمان باهظة ، إلا أن المعارضة خائفة من فقد مكاسب الإرتماء في أحضان الأجنبي ، أو على أقل تقدير لا تستطيع قدر المعارضة الجادة في حالتي التفاوض والسلم !! 
 
بعض المراقبين يعتبر أن الحكومة السودانية تباطأت في الحوار ، ومددته لآجال حتى تحقق كسوب ( تكتيكيّه ) ، بينما يرى الكثير من المحللين أن التأخير أملته ، ضرورات سياسية مقدرة جداً ، منها أن بعض القوى السياسية المعارضة ، تأخرت في الموافقة للإنضمام لركب الحوار ، خاصة المعارضة المسلحة التي ما زالت رافضه للحوار ، برغم إنحسارها ميدانياً في مواقع العمليات العسكرية .  
 
الحكومة السودانية سعت للسلام في أطراف شتى من المعمورة ، داخل وخارج البلاد ، وهاجرت لمدن عديدة إفريقية وعربية وغربية ، لملاحقة السلام ، وقدمت تنازلات كبيرة ، ليستقيم السلام خاصة في مسائل الثروة والسلطة ... وتنفيذ النظام الفيدرالي الذي بسط السلطة لأفراد المجتمع في أدنى مستوياتها حتى أعلاها ، لكيلا يشعر المواطن بالتهميش و الأقصاء ، ودفعت ثمناً باهظاً من شهداء ومال و إنفصال لثلث البلاد ، حتى لا يُزايد أحداً عليها .
 
 وعمدت على مجموعة من الاصلاحات التشريعية و الإدارية و السياسية العميقة و الاستراتيجية لأزالة الكثير من الإحتقان والتوترات . 
 
جدد الشعب السوداني في إبريل 2015م الماضي ثقته في الحكومة والرئاسة ، وفي عّز الإنتصار قدم الرئيس البشير دعوته للحوار مع المعارضة دون شروط ، أو أي سقوفات . 
 
من الواضح لمتابعين الشأن السياسي السوداني أن الحكومة جادة في دعوتها ، بل تعتبر إنجاز الحوار مع المعارضة ، وكل فصائل المجتمع المدني فيما سُمي ( الحوار المجتمعي ) كسباً تاريخياً في الخمس سنوات المقبلة . 
 
 ليس هنالك برنامجاً للحكومة غير الحوار المفضي للسلام ، ووضع البندقية جانباً ، وتحصيل كل إيرادات الدولة للتنمية والرخاء ، بدلاً منْ إنفاق مئات الملايين من الدولارات ، على حرب لا تبقى و لا تذر ، من الممكن تفاديها بالحوار البناء المفضي لمعالجات مهما كانت قاسية أفضل بكثير من الحرب . 
 
يعتقد بعض المحللين السياسيين ، الذين استنتجوا أن الحكومة قد أدركت مآلات الواقع التي تعيشه دولاً عديدة في العالم العربي ، أو الحوار الأفريقي للسودان ، من مظاهر عنف وفوضي وتمزيق لها بسبب التجاهل أو إقصاء الآخر ، أو الإستبداد لذا لجئت لخيار الحوار الذي يؤدي للتهدئة والسلام ، لكن هناك منْ يرى غير ذلك ، أن الضغط على الحكومة بإشعال الأطراف سيسقطها في ظروف إقتصادية حرجه ، ومجتمع دولي متأمر ضد الحكومة ولذا تتمادى المعارضة في طريقتها لإعتبارها دعوات الحكومة للحوار ما هي فقاعات هواء ، وإضاعة للوقت . 
 
يبدو من قراءة الواقع السياسي أن دعوة الحكومة للحوار أكثر من ملحة .   
 
فمن الحقائق التي يبذل الإعلام الخارجي جهداً خرافياً ، على إدامة جذوتها كذباً ، حالة التمرد في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ، كل التقارير المحايدة الواردة من تلك المناطق أن دارفور أصبحت آمنة وخالية من التمرد بنسب عالية ومرتفعة و لا يكاد للمتمردين موقع قدم الا في منطقة أو منطقتين معزولتين ووعرتين ، ولذا يأتي الحوار لأجل بناء الوطن من غير عزل لأحد .  
 
من المؤكد أن الحكومة السودانية راغبة وجادة للحوار ، وكذلك المعارضة ، التي أرهقتها العمليات العسكرية ، وسقط القناع عن وجهها بدعوة الحكومة المتكررة للحوار ، وإنكشاف ظهرها تفتيت أنظمة داعمة لتمردها ، إضافة لسقوط مريع لكل مبررات في معالجة ملف الثروة والسلطة ، وفشل مشروع السودان الجديد الذي أنتج دولة ضعيفة بكل المعايير بعد إنفصال جنوب السودان ، المولود الشرعي لكل حاملي السلاح والمعارضين للحكومة !!!  
 
مطلوب من المجتمع الاقليمي والدولي ، أن يدفعا الطرفان ، دون الانحياز لفئة دون فئة  فقد أفسدت سياسات الاحتواء ، والدعم ، والتدخل في شأن الأخر ، ذائقة التسامح الإنساني السوداني الفسيح. 
 
 في اعتقادي أن الحوار بين نقيضين للتوصل إلى نقطة ثالثة أو أخرى ، لا لعبة لتسجيل أهداف سواء في مرمى الحكومة أو المعارضة بل مطلوب من الطرفين إبداء المرونة الكافية لأجل تسوية تاريخية !!! 
 
 
* كاتب وصحفي سوداني 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد