التقاعد المبكر في مشروع قانون الضمان الاجتماعي

mainThumb

30-03-2008 12:00 AM

ضمن اطار الحوار الوطني الجاري حول مشروع قانون الضمان الاجتماعي المعروض ‏حالياً على ديوان التشريع لدراسته تمهيداً للسير بالمراحل الدستورية لاقراره، اود ان اشير ‏الى بعض الآراء، التي قد تجد بعض الاهتمام من قبل صانعي السياسات ومتخذي القرار، ‏حول التعديلات المتعلقة بالتقاعد المبكر الذي اصبح ينظر اليه على انه الداء الخبيث الذي ‏سيفضي الى انهيار نظام الضمان الاجتماعي برمته ما لم يتم معالجته بصورة جذرية حتى ‏وان كانت هذه المعالجة مؤلمة وقاسية وتفتقر الى ابسط مبادىء العدالة في التعامل مع حقوق ‏المشتركين في الضمان الاجتماعي بحجة الحفاظ على ديمومة تلك الحقوق مستقبلاّ.‏

وبداية ارجو التأكيد على انني من اكثر المؤمنين باهمية وضرورة اصلاح هذا النظام من ‏خلال تعزيز مواطن القوة ومعالجة مواطن الضعف للحيلولة دون تعرض هذا النظام لاوضاع ‏مالية صعبة في المستقبل، وبالتالي الحفاظ على استدامة موارده المالية حتى يظل قادراً على ‏خدمة المنتفعين منه بكفاءة وفاعلية. كما انني على قناعة تامة بان القانون المعمول به حالياً ‏يشتمل على العديد من الحوافز المشجعة على التقاعد المبكر مثل انخفاض الحد الادنى لسن ‏التقاعد المبكر والبالغ (45) سنة، وانخفاض الحد الادنى لسنوات الخدمة لغايات التقاعد ‏المبكر والبالغ (18) سنة للذكور و(15) سنة للاناث، الامر الذي ادى الى تزايد ظاهرة ‏التقاعد المبكر، بدليل ارتفاع عدد المتقاعدين مبكراً من (58.1%) من اجمالي عدد متقاعدي ‏الشيخوخة الجدد فى عام 2000 الى (73.2%) في عام 2006.‏ واستناداً الى ذلك، يمكن الجزم بان كافة المواطنين، او على الاقل كافة المشتركين بالضمان، ‏لديهم الحرص الكامل على استمرار سلامة الوضع المالي لنظام الضمان الاجتماعي على ‏المدى البعيد بما يمكن مؤسسة الضمان من الوفاء بالتزاماتها وتقديم خدماتها بكفاءة، وذلك من ‏خلال إتخاذ الاجراءات والتدابير الهادفة الى اصلاح هذا النظام ومعالجة التحديات والثغرات ‏التي يعاني منها.

وعليه، فان عملية اصلاح هذا النظام من حيث المبدأ لا يختلف حولها اثنان، ‏ولكن تنفيذ الاصلاحات المطلوبة يجب ان يستند الى مبدأ العدالة والحفاظ على حقوق ‏المواطنين كما كفلها الدستور والقانون. ‏ فعلى الرغم من ان تعديل شروط التقاعد المبكر من خلال رفع الحد الادنى لسن التقاعد المبكر ‏وسنوات الخدمة المطلوبة لغايات التقاعد المبكر سيكون لها انعكاسات سلبية على خطط ‏المشتركين حالياً والانتقاص من حقوقهم الواردة في القانون الحالي، الا انه يمكن القبول بها ‏من حيث المبدأ لضمان استدامة نظام الضمان الاجتماعي، من جهة، والاستفادة من خبرات ‏وكفاءات مشتركي الضمان لفترة اطول، من جهة اخرى.

وعليه، فانه الممكن تعديل الحد ‏الادنى لسن التقاعد المبكر ليصبح (50) سنة وسنوات الخدمة المطلوبة لغايات التقاعد المبكر ‏لتصبح (25) سنة، ولكن بصورة تدريجية وبواقع ستة اشهر سنوياً وليس بصورة فورية ‏ومباشرة، كما جاء في مشروع القانون، وذلك اسوة بالتعديلات المماثلة التي اجريت على الحد ‏الادنى لسنوات الخدمة الخاضعة لاحكام قانوني التقاعد المدني والعسكري في عامي 2002 ‏و2003. ‏

وتجدر الاشارة هنا الى ان مشروع القانون قد حاول التقليل من حدة تعديلات شروط التقاعد ‏المبكر من خلال التعديل الفوري والمباشرة للحد الادنى لسن التقاعد المبكر ليصبح (48) سنة ‏وسنوات الخدمة المطلوبة لغايات التقاعد المبكر لتصبح (23) سنة، على ان يتم بعد ذلك ‏التعديل التدريجي وبواقع ستة اشهر سنوياً حتى يصل الحد الادنى لسن التقاعد المبكر الى ‏‏(50) سنة وسنوات الخدمة المطلوبة لغايات التقاعد المبكر الى (25) سنة، علماً بان مثل هذا ‏التعديل التدريجي لا يسمن ولا يغني من جوع بالنسبة للمشتركين في ضوء رفع سنوات ‏الخدمة بواقع خمس سنوات بصورة فورية ومباشرة، في حين ان اكتمال التعديل التدريجي ‏يحتاج الى اربع سنوات فقط.

وكان الاجدر بمشروع القانون ان لا يتذاكى على المشتركين او ‏المواطنين بهذه الطريقة وان يتبنى تعديل شروط التقاعد المبكر بصورة تدريجية على كامل ‏المدة المقرر تعديلها، سواء لسن التقاعد المبكر او الخدمة المطلوبة للتقاعد المبكر. ‏ ان التطبيق التدريجي لهذه التعديلات يضمن تحقيق نوعاً من العدالة النسبية بين المشتركين ‏الحاليين تبعاً لاعمارهم وسنوات خدمتهم، وذلك خلافاً للتطبيق الفوري والمباشر الذي يفتقر ‏الى ابسط مبادىء العدالة بين المشتركين او المواطنين، حيث ان المشتركين الذين تنطبق ‏عليهم الشروط الحالية للتقاعد المبكر لغاية 31/12/2008 لن يتأثروا بالتعديلات المقترحة، ‏في حين ستطبق هذه التعديلات على كافة المشتركين الذين لن يتمكنوا من تحقيق الشروط ‏الحالية بعد التاريخ المذكور ولو بيوم واحد، وبالتالي فان هؤلاء المشتركين يجب عليهم ان ‏يخدموا سبع سنوات اضافية جراء تـاخرهم يوماً او اسبوعاُ او شهراً او سنة عن تحقيق ‏الشروط الحالية للتقاعد. وعليه، فهل يجوز التمايز بين المواطنين بهذه الطريقة المجحفة لسبب ‏خارج عن ارادتهم وهو انهم لن يتمكنوا من تحقيق الشروط الحالية للتقاعد المبكر خلال عام ‏‏2008. ناهيك عن ان التطبيق التدريجي لهذه التعديلات لا يلغي الاهداف المرجوة من وراء ‏التطبيق الفوري والمباشر، وخصوصاً المتعلقة بالحد من تزايد اعداد المتقاعدين مبكرأ ‏وبالتالي الحفاظ على استدامة نظام الضمان الاجتماعي. ‏ وفي ضوء ما تقدم، يمكن التساؤل حول مبررات اعتماد التعديل الفوري والمباشر لشروط ‏التقاعد المبكر رغم ان التعديل التدريجي يحقق الاهداف المنشودة ويضفي المزيد من العدالة ‏في الحفاظ على حقوق المشتركين بالضمان الاجتماعي والذين هم مواطنون اردنيون يتطلعون ‏الى العيش بكرامة في ظل راية ابي الحسين اطال الله عمره. ‏



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد