لعب - حياة ابو فاضل

mainThumb

26-11-2015 11:07 AM

 أنتِ على الهواء، قال، وسألت كاتي: ماذا تقولين في ذكرى الاستقلال؟ وتذكرت انني لمّا هاتفت صديقاً ذاك اليوم اجابني المقطع الاول من النشيد الوطني فظننت ان حب الوطن قد هبّ في وجدانه أخيراً. الاستقلال؟ سألت خائبة، فقالت مقدمة البرنامج: أجل، رغم ما يمر به الوطن.

 

 
لأول مرة نعرف الاستقلال الحقيقي منذ عام 1943. اليوم تحررنا ممن كانوا يملون علينا برامج حياتنا السياسية: من أمنا فرنسا التي نكبتنا باهتمامها، صارت اليوم منكوبة مثلنا، وخالتنا اميركا التي هلك سفراؤها سماءنا كلما حشروا أنوفهم في أدمغة نوابنا ووزرائنا وسلبوهم اسرار استقلالية الفكر والقرار، ومن أختنا سوريا التي دُمّرت وتهجّر نصف سكانها، تتهيأ الآن لفصل حياة جديدة بعدما استقبلت الرفيقة روسيا في ربوعها الدافئة.
 
وما بقي لنا من أقربائنا الا السعودية التي ما أسعدها أبداً الجزء الكبير من شعبنا الذي ما كان يوماً مذهبياً كما هو اليوم، بالاضافة الى مقاومة هي أحياناً مذهبية وأحياناً وطنية تدافع عن حق الجميع في الحياة ضد موجة تكفير مجرمة اجتاحت بلاد الشام وبعض أوروبا مموّلة من أوروبا ومن الاخوة وابناء العم الخليجيين. وكان من الصعب على قريبتنا الخليجية جمع الخلطة اللبنانية المتنافرة في قفص واحد كي تسيطر على قرارنا، رغم تدفق الاموال على بعض مسؤولينا، وما فهمنا بعد لغز تلك الهبة الملتبسة لتسليح جيشنا الاعزل، وقد استقرت في خزنة امنا فرنسا التي تخاف علينا من اللعب بالنار.
 
 
لأول مرة نحن في استقلال حقيقي، بلا رئيس للجمهورية، وبمجلس نواب غير شرعي ممدّد لنفسه مرتين، وبمجلس وزراء يضم أهل فن وابتكار مميز، انما كالعادة عقيم، مثل احتفال برفع "اكبر" علم لبناني في بيروت ليتسنى لبعض وزرائنا اتحافنا بآرائهم في حب الوطن والجيش، وانتقاد خصومهم الوزراء بعنف، وبلغة عربية ولفظ مضحك، مبك، منفّر... وأُرفق كل هذا بمقطع من موسيقى النشيد الوطني على كل هواتفنا مذكراً بأن ما نمر به لعب طفولي بلا لون وبلا رائحة. ومن الأعاجيب التي حدثت لنا بعد اصابتنا بالاستقلال، صمود اهل السياسة عندنا امام كل ما يصيبهم من انتقاد ورفض يدل على قدرة تتفوق على تحجر الحواس والضمير، فلا يتأثرون بكل ما قيل ويقال وسيقال عنهم في ابواب القدح والذم.
 
 
كل هذا لعب داخل وطن من احبه قليل قليل، رغم الأناشيد والأغاني التي تمجد جماله الذي قضى عليه انسانه ملوثاً الطبيعة ثم غطى وجهه بتلال النفايات التي تتجدد كل يوم. ولما الإنسان لاعب ادوار، ممثل: ارض الوطن هي خشبة المسرح التي تمنح بانتظام فسحات لمسرحيات جديدة. ومتى استفقنا يوماً على حب حقيقي للوطن يكون الشعاع الخفي الذي يربط القلب بنبض الأرض قد استفاق فأضاء.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد