نهاية وصفي هي البداية

mainThumb

29-11-2015 11:25 AM

لم يكن لأحد عرف وصفي التل عن قرب ليتوقع له أقل من هذه النهاية، فهي نهاية ليست مأساوية بعرف القادة والمناضلين، فإن رجلاً عانق جبينه غبار المعارك وأزيز الرصاص أسماعه لا يمكن له أن يحلم بنهاية أقل شأناً من الموت شهيداً وهو يناضل لأجل قضية قومية دينية عليا هي فلسطين، التي كانت حلمه الذي لم يكن يفارقه تماماً في أن يراها حرة عربية، تماماً كحلمه بأن يكون الأردن يابان العرب. وصفي ليس حالة فريدة في العشق ولا في الانتماء، فهناك العشرات بل المئات مثله ويزيد، لكنهم جميعهم لم يكونوا بمستوى المرحلة في تقدير الخطوة ولحظة الإقدام، لذلك لم يصعدوا للمنصة ولم يكونوا على استعداد للنزول على المقصلة وقت الطلب.
 
وصفي غادر الأردن وعالم الدنيا بأسرها ليترك وراءه عبئاً ثقيلاً ينوء بحمله العشرات ممن حملوا نفس لقبه وجلسوا على كرسيه، لكن هل كانت جلستهم وألقابهم حرية بأن تخلدهم كما تخلد وصفي التل؟ الجواب: لا...فوصفي هو من جعل للكرسي أهمية، وللقب قيمة، وصفي لم يكن عبداً للكرسي ولا أجيراً للمنصب، بل كان حراً في رياسته كما كان مقداماً في عسكريته، يقول الحق، وينظر للأحداث في زمانها ومكانها بنظرة تنتج رؤيا ثاقبة تقرأ الواقع وتدرس المستقبل...وصفي عارض المشاركة الأردنية في حرب النكسة، لكنه لم يعادي من شاركوا، بل عاد مجددا يرمم ما كسرته الهزيمة وخلفته العجلة...وصفي كان بمنطقه الحر يأبى العبودية لكن العديد ممن يسمون بالرجالات الآن يستعبدون منطقهم لأجل أن يحبسوا الحرية بعيداً عن أنوفهم فلا يشمون إلا روائح الأغلال التي تمثلها المميزات المنوطة بالمنصب والمحفوفة بالكرسي...وصفي طار صيته كما تطير الصقور في السماء، وحلق عالياً، استشهد لكنه ظل حياً يرزق بين العالمين....لم يكن وصفي مجرد صورة ولقب بل كل وطناً يتحرك في كل أورقة الذات ويسكن كل الحنايا...وصفي هو وجه أردني بقلب حوراني وخشونة كردية وفخامة عراقية، وصفي هو مزيج عربي كردي، حوراني وعماني، جنوبي وشمالي، فلسطيني وأردني، عربي وإسلامي، لم يكن ملكاً لأحد ولن يكون إلا لله الواحد الأحد...مضى وصفي وبقيت وصفياته ...أعماله التي يروق للمواطن أن يسمع عنها من أي جنسية كان...وصفي مدرسة سياسة وملحمة عاطفية، روحه ستبقى حالة فريدة بين أرواح المناوئين له أو المتعاطفين أو المحبين...سيبقى هو مغناطيس جذب وميزان تقييم الرجال في زمن تعدى زمن وفاته بعقود طويلة...فقد دخل عقده الخامس في الرحيل ولكن الرياح التي جاءت بعده لم تنهك الحروف التي نقشها على جدران الوطن...
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد