أردوغان .. يستدرج الناتو لهذه المصيدة

mainThumb

01-12-2015 08:54 PM

تقف العلاقات الروسية التركية على بحر من العداء التاريخي منذ سنوات، حيث تدور حرب بادرة بين الطرفين إتضحت ملامحها بعد تدخل روسيا المباشر في سورية، واشتدت بعد الدعم الروسي للنظام السوري وإقدام تركيا على اسقاط الطائرة الروسية الذي يعد بمثابة إعلان حرب على دولة عظمى كموسكو، قد تترتب عليه نتائج خطيرة كزعزعة الاستقرار والأمن، وإنهيار الإقتصاد، والدخول في مستنقع الحروب الإستنزافية، فإذا تمعّنا في ردود الفعل الروسية على إسقاط الطائرة، نجد أنها تدل جميعها بأن الإنتقام العسكري بات قريباً، خاصة بعد أن وصف الرئيس الروسي بوتين هذا الحادث بأنه طعنة في الظهر من متواطئين مع الإرهابيين وتوعد بهجمات صاروخية ضد تركيا التي تدعم القوى المتطرفة في المنطقة، لكن السؤال المطروح من قبل الجميع هو: ما هي السيناريوهات المتوقعة لما بعد حادث إسقاط الطائرة ؟ وما هي إحتمالات ردود فعل الناتو؟.
 
إن قيام القوات الروسية بنشر منظومة إس-400 في قاعدة حميميم في اللاذقية بعد إسقاط الطائرة الروسية من قبل المقاتلات التركية أشعر المسؤولين الأتراك بالقلق وجعلهم يتحرّكون، فقامت القوات التركية بنشر منظومة كورا المصنّعة محلياً، لكن الرئيس الروسي لا يزال يدرس كيفية الإنتقام من غريمه التركي أردوغان الذى تجرأ وأسقط المقاتلة الروسية على الحدود مع سورية، ثم إحتمى بالناتو، وإستدعى سفراء 28 دولة أعضاء في حلف الناتو لإطلاعهم على دوافع اسقاط الطائرة الروسية، وكأنه يستنجد بهم للوقوف الى جانبه في مواجهة أي إنتقام روسي محتمل في المرحلة القادمة، ولكن هل ستستجيب هذه الدول، وتدخل حرباً عالمية ضد روسيا؟.
 
تركيا عسكرياً مرتبطة بحلف الناتو، وأي حرب مع تركيا تلزم الناتو ودوله بالدخول كطرف فيها بموجب إتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين الطرفين، وهذا يعني أن الحرب لن تبقى  روسية- تركية، بل ستتحول إلى حرب عالمية تشمل دول المنطقة بأكملها، فإندلاع الحرب يعني توجيه ضربة قوية للإقتصاد التركي وبالتالي فقدان تركيا لأحد أكبر نقاط قوتها الحقيقية، "الازدهار الاقتصادي"، وهو الشيء الذي سيجعل الرئيس أردوغان سيفكر ملايين المرات قبل إتخاذ أي خطوة نحو التصعيد مع روسيا، لذلك وتحسبا لمنع تدهور الأمور لذلك الحد، فالمؤكد أن دولاً وقوى أخرى ستتدخل وتهدئ الوضع بين الطرفين، وبذلك فإن الرئيس بوتين لن يقع في الفخ الذي نصبه أردوغان لروسيا في إستدراج الناتو إليها بالتدخل عسكرياً في صراع مفتوح مع روسيا،  وصرف نظرها عن هدفها الرئيسي المتمثل في القضاء على داعش والمجموعات المسلحة الأخرى، لأن إعلان الحرب بين روسيا و الناتو  يصبح الكاسب الأكبر فيها هو تنظيم داعش ليبقى ويتمدد في أجواء حرب شاملة.
 
إن الرهان التركي على الناتو، سيتضح أمام القيادة التركية، التي ستشعر أنها تورطت في سورية أو أنها قادت حرب عبثية، وانها لن تستطيع التحكم مستقبلا بمفتاح نهايتها، خاصة في حال اتجهت روسيا جبهات حرب على الحدود، ستجد تركيا نفسها أمام حرب إستنزاف،هذا مما سيؤثر على دورها في المنطقة، وبالتالي فإن الحرب التي تقودها تركيا ضد سورية، كان من الأجدى لها أن تهب هذه العاصفة لتحرير فلسطين من براثن الاحتلال الصهيوني ومحاربة داعش، بدلا من تسخير تلك المليارات في إراقة الدماء والمصائب  والويلات، والنكبات ضد شعوب المنطقة، وإذا إفترضنا إن روسيا لن تقدم على إعلان حرب ضد تركيا، وتحلت بضبط النفس، وإستجابت للوساطات الدولية، فإنه يكفيها الإنتقام بتقديم الدعم العسكري والمالي لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل النظام التركي، ويطالب بإستقلال الأقاليم الكردية شرق البلاد، وهذا كفيل بإستنزاف النظام التركي، وتحويل تركيا الى صومال أخر.
 
مجملاً... إن الضغط الروسي ومحاولات تركيا عدم التصعيد والجهود الاوروبية لأحتواء الأزمة سوف يمنح روسيا حرية حركة أكبر في الساحة السورية اذا تمكنت من تحييد تركيا في هذا المجال، وهذا سيشكل مكسباً لروسيا لو بقيت تركيا وحيدة بلا مساندة إقليمية من الدول الخليجية والغربية ذات العلاقة بالشأن السوري والمتذمرة من الوجود الروسي في المنطقة.
 
لنكن أكثر صراحة ووضوحاً إن تركيا تلعب بالنار، ولكنها نار مختلفة هذه المرة وتزداد قوة وقد تحرق أصابع أخرى، وأمريكا كعادتها تهرب من المنطقة إذا وجدت إن الخسارة كبيرة، هكذا فعلت في الصومال والعراق، وهكذا ستفعل في سورية، والمأمول آن تدرك القيادة التركية حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، وتبادر الى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع  السوري، وأختم مقالي بالقول إن المنطقة مقبلة على تحولات وأزمات خطيرة، لأن روسيا لن تسمح لتركيا بالتدخل بالشؤون السورية مهما كلف الأمر، فالتوتر بين موسكو وأنقرة وصل ذروته في الأيام الأخيرة لدرجة أن روسيا هددت بقصف أي قوات تركية تجتاز الحدود مع سورية مستندة الى دعم الجيش العربي السوري، وهذا يعني إن التوتر الروسي التركي سوف يستمر، وسيزداد حدة وتعقيداً، فروسيا تريد الثأر لكرامتها وهيبتها الدولية، وبإختصار شديد يمكن القول إن الحقبة القادمة ستكون روسية بإمتياز، هذا رغم مخاوف أصدقاء أمريكا في المنطقة، وفي تقديري أن بداية عام 2016، سيشهد تدويراً للكثير من الزوايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد