الحوار .. خيمتنا الأخيرة !! ‏

mainThumb

16-12-2015 11:31 AM

‏_ 1_‏
 
قال الشاعر الراحل محمد درويش بيروت خيمتنا الأخيرة !!!‏
 
‏ أخيراً .. وصل الفرقاء السودانيون لمحطة الحوار الوطني ... بعد أن تعب كل الاطراف من الحرب التي لا تؤدي ‏الى نصر حاسم في قتالهم الأهلي المتطاول قبل استقلال السودان عام 1956م . ‏
 
إبتدار الدعوة للحوار الرئيس عمر البشير في يناير 2014م ، ولأن الهوة بين الفرقاء واسعة استغرق إنعقاده كل ‏هذه المدة التي تبدو طويلة للكثير من المراقبين . ‏
 
الحكومة بدأت الدعوة في بداية الأمر   بإعتصام موارب حول رؤيتها ثم رويداً رويداً ألزمت نفسها بتعهدات ‏رئاسية ليطمئن حملة السلاح على سلامتهم الشخصية ، حتى لو لم يكمل الحوار غاياته ، ويصل المتحاورن الى ‏تفاهمات حول مواضيع النقاش التي حُددت بستة موضوعات( الحكم، الحرية، الاقتصاد، السياسية الخارجية، ‏السلام ،الهوية)‏
 
على جنبات قاعة الصداقة الواسعة ، إنتظم الحوار الوطني بمنْ قبل الدعوة بشكلها الحار والواضح من الرئيس ‏البشير ، الذي أعلن أنه سيقبل مخرجات الحوار بكاملها وبدون مواربة او تردد أقبل المجتمعون بجدية  وفاعلية ‏نحو الحوار ، رغم المقولات التي تتناولها الصحف ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، عن تجاوز الأحزاب الكبيرة مثل ‏‏( حزب الأمة جناح الصادق المهدي ) والحركات المسلحة الفاعلة  في دارفور ، وقطاع الشمال للحركة الشعبية ‏، بمعنى آخر أبرز المعارضين لهذه الحكومة ، وأكثرهم لؤماً وعناداً وفاعلية على المسرح السياسي والعسكري ، ‏مما يعني نقصاً مريعاً في مكوناته السياسية حسبما يقال  . ‏
 
يبدو ظاهرياً أن هذا الحديث واقعي الى حد ما ، ولكن بالنظر الى معطيات أخرى ، تتضح الحقائق مثل سقوط ‏مشروع " السودان الجديد " سقوطاً داوياً ، بدءاً بإنفصال الجنوب ، ثم الفوضى والدمار و الفشل الذريع المخيب ‏للامال ، مروراً بالتعثر المربك في امتحان الديمقراطية لاختيار رئيس الجبهة الثورية مؤخراً . ‏
 
اذا دققنا قليلاً في العوامل التي أفضت الى انفصال جنوب السودان ، تجدها كثيرة ، ولكن إذا ركزنا على مشروع ‏السودان الجديد ، الذي روّجت له الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ورسمت منه صورة زاهية لبلد ينعم بالسلام ‏، والامن ، والعدالة الاجتماعية ، الا ان ذات المشروع ( الحلم ) إنتهى الى رؤية عنصرية إنفصالية ، منعزلة ، ‏أدت الى فصّل الجنوب بعقلية رجعية هزمت كل الشعارات التقدمية التي كانت تدعو لها الحركة الشعبية ابان ‏نضالها الثوري ( المزعوم ) ذاك . ‏
 
بعد انفضاض العدو ( المتوهم ) وهو حرب الشمال ، اقبل الثوريون على كرسي الحكم يتنافسون الى درجة ‏اضرمت النار بينهم ببأس شديد ، احرقت الأخضر واليابس وتحرك شعب الجنوب ، عارياً ، مريضاً ، لاجئاً ، بعد ‏فشل الحكومة في إقامة دولة ديمقراطية ، أو ديكتاتورية ، بمعنى أن نموذج السودان الجديد السياسي ، هُزم ‏هزيمة قاسية من رواده الاوائل الذين اختلفوا اختلافاً مريراً غُذي بالدماء والهلاك والعنف . ‏
 
الارتباط العضوي والمعنوي للحركة الشعبية قطاع الشمال ، عطّل مفاوضات السلام في كلا المنطقتين جنوب ‏كردفان والنيل الازرق ، إضافة لمحاولات دمج أزمة دارفور التي قطعت اشواطاً في السلام والاستقرار بعد وثيقة ‏الدوحة ، وإنحسار التمرد إنحساراً لافتاً في جميع مناطق العمليات ، وأستبدلت نعيماً واستقرار الى حد كبير  . ‏
هذه المحاولات المستميتة التي سميت بالجبهة الثورية التي تصل بين شتات الحركات المسلحة و احزاب أخرى ‏محدودة تريد إسقاط الحكومة تناهض الدعوة للحوار الوطني ، برغبة من أعضاء بارزين بالحركة الشعبية سابقاً ‏
هذا التوصيف للحالة ، لا يسُر ابداً ، لان موبقات هذا السلوك ، يُعرض السودان لموجات هائلة من اللجوء الذي ‏يؤدي الى نقص مريع في الثمرات . ‏
 
هذا حال المعارضة المسلحة سواء في المنطقتين أو دارفور ، حيث تعاني تلك الحركات المسلحة محقاً كبيراً في ‏إمتدادتها على الأرض ، والرجال ، والسلاح . ‏
 
أما المعارضة السلمية فحالها ليس بأحسن من المسلحة ، الا بوجودها و مشاركتها في الحوار بالحسنى ، وذلك ‏لاسباب لوجستية تتعلق بإجتماعاتها ومؤتمراتها التأسسية ، حتى الحزب الحاكم الذي يعتبر الأفضل ، يحتاج هو ‏الآخر الى أصلاحات جوهرية ، انتبه لها مؤخراً ، وأصدر أورقاً للمعالجة العاجلة والفورية . ‏
 
إذن الحال يستدعي هذا الحوار الهام بين مكونات اللعبة السياسية ، إضافة الى مؤسسات المجتمع المدني ، ‏ليفضي الحوار معالجة قضية السودان . ‏
 
إذن بدأ الحوار الآن جاداً وإنضم له أحزاب سياسية عديدة وكثيرة ، بالأضافة لحركات مسلحة ، نفضت يدها من ‏السلاح في التو و اللحظة، واتت لقاعات الحوار هذا يعني الكثير ، بالرغم من وجود حركات مسلحة كبرى ، ‏وأحزاب كبيرة مثل حزب الامة جناح الصادق والمهدي والحزب الشيوعي لم توافق لحضوره  الا ان تمثيل هذا ‏الطيف من الوسطيين او اليساريين تجده حاضراً في الحوار بوجوه أخرى ، وطريقة ثانية في التخاطب . ‏
 
قد تبدو فكرة الحوار الشامل لكل الناس مستحيلة والاقرب للواقع جمع اكبر من مكونات السياسة والمجتمع ‏للتحاور لاجل غدٍ أفضل للسودان . ‏
 
بعد تجارب صعبة ، وصادمة ، ومؤلمة على الاقل مطلوب منه ، ان يعمق لغة الحوار بدلاً من استخدام لغات ‏اخرى ونبذ ثقافة الإقصاء ، و تعلية مفهوم السودان يسع الجميع ، فضلاً عن تأسيس مجموعة من المخطورات ‏الوطنية التي لا علاقة لها بحزب او فئة ، او طائفة ، او عرق ، او لون ، لإنتمائها للسودان الوطن  ، ثم حزمة ‏أخرى من افكار تُعزز من الحرية دون افراط او تفريط ، ثم محاولة الخروج  بخطوط حمراء تجتمع حولها كل ‏الفئات الوطنية ، وخطوطاً خضراء اخرى لإعلاء مساحة للتنافس وابراز العضلات الذهنية لاجل الارتقاء بالوطن ، ‏فتجد الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي يعملان لاجل مصلحة امريكا اولاً وأخيراً  . ‏
 
في تقديرنا أن الحوار إنعقد بقناعة راسخة من الحكومة ، ورغبة مُلحة للكثير من المعارضة ما عدا القليل ، ‏لأسباب خارجة عن إرادتهم ، وأخرى شخصية جداً لكراهية الاسلاميين  . ‏
كل سنوات الاستقلال قد افرزت ضرورة الحوار بعد مخاض عسير وجارح . ‏
 
في اعتقادي ان ما يحدث في العالم من حولنا ، خاصة العربي منه ، يجعل حتمية اساسية للحوار ، لايجاد بدائل ‏ومنافذ ، غير الاقصاء ، او الغاء الاخر او الاستبداد والتهميش  . ‏
 
هذا يعني بشكل مباشر لا رجوح لكفة على الأخرى ، فالميل والتمييز ، وعلو الكعب يعني الطوفان ويغرق الجميع ‏‏!!! ‏
 
 
* كاتب وصحفي سوداني


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد