مدينة الجَلوة العشائرية وسؤال لدائرة الإفتاء

mainThumb

19-01-2016 11:36 AM

بما أنه ما زال بين ظهرانينا من يعتقد أن الناس تسكن بيوت الشعر، وكل رزقهم (شوية) غنم ‏وكم رأس من البقر أو الجمال؛ وهم أيضاً متأكدون بأن أولادهم ترعى الغنم ولا تدرس بمدارس أو ‏جامعات؛ وأصحاب العائلات لا عمل لها إلا الرعي نهاراً و(التعليلة) ليلاً بديوان شيخ العشيرة ‏بمجلس ما في نفوس ثقيلة؛ لذلك فهم معذورون بأن يطلبوا من أهل القاتل الجلوة عن مرابعهم ‏حتى الجد الخامس أو أكثر. إن الأمر جد سهل؛ فهو لا يتطلب إلا أن (نهد) بيت الشعر ونلجأ ‏لأقرب شيخ قبيلة كقُصَّر وتحت حمايته. لم لا؟ ولم الاستغراب؟  أنا لا أتحدث عن الأردن في ‏القرن الثامن عشر، وإنما عن  الدولة الأردنية الحديثة في القرن الحادي والعشرين. أجل يا ‏سيدي يحدث هذا بالأردن وفي عام 2016. ‏
 
هكذا بين عشية وضحاها تجد نفسك وأسرتك مطرودين من بيوتكم التي صرفتم عليها كل ما ‏جمعتم من مال (ربما عن طريق الاغتراب أو بيع ما تبقى من أرض) لتستركم؛   تتركوها عرضة ‏للسلب أو الحرق تحت تبرير فورة الدم  لمجرد أن أحد أقاربك قتل خطأ أو عمداً شخصاً من ‏القبيلة الأخرى أو ربما من نفس القبيلة.  نعم يا سيدي ولا تستغرب أيضاً، ففورة الدم تبيح لك أن ‏تحرق وتكسر على شرط أن تنجز ذلك ضمن الأيام الثلاثة الأولى التي تقع تحت الغطاء ‏العشائري. ‏
‏ ويفغر المرء فاه استغراباً عندما يجد (قوننة)  لهذا الأمر من الدولة؛ فعندما تندلع الأحداث نتيجة ‏حادثة قتل تعمد الدولة إلى تأمين خروج أهل القاتل وأقاربه حتى لا يتعرضوا للانتقام من أهل ‏القتيل.  نعم نعم  تؤمن خروجهم وليس حمايتهم ببيوتهم لأن هذا يتعارض مع قانون العشائر.  ‏
 
قبل أيام سمعت تصريحاً من الداخلية بأن الجلوة ستقتصر على أقارب القتيل للجد الثالث فقط؛ ‏والمفارقة رغم غرابتها تم نقضها بنفس الفترة بجلوة جماعة ممن يقربون القاتل حتى الجد ‏الخامس.  من يدري فربما لأن قانون الجد الثالث لم يمر بمراحل دستورية كموافقة مجلس النواب ‏مثلاً.  كنت أنتظر سماع خبر إلغاء الجلوة وكل ما يتعارض من أحكام قانون الدولة وليس تأطير ‏الجلوة وحصرها للجد الثالث.  شخصياً لا يهمني إن كانت للجد الثالث أو الخامس. أنا ضد الجلوة ‏كمبدأ. إنها تهجير قسري لأناس أبرياء.‏
 
ألا يصلح ما يجري من أحداث في هذا المجال مادة ضخمة لفلم سينمائي ينافس على جائزة ‏الأوسكار كالفلم " ذيب" مثلاً؟ وعلى فكرة ربما كان سبب نجاح مسلسلاتنا البدوية عموماً هو ‏أحاديث الغزو وخلافه؛ ولكن ومع احترامنا لهذا التاريخ الذي كان سمة المنطقة كلها وليس شرق ‏الأردن فقط ، إلا أنه من المحزن أن باقي المناطق وهي أكثر منا قبلية وعشائرية قد تخلت عن ‏هذا التاريخ واتجهت للحداثة بينما بقينا نحن نراوح مكاننا عندما تظهر مشكلة كالتي نسمع عنها.  ‏لقد عشت في سلطنة عُمان وبالتحديد  في محافظة ظفار ذات التركيبة القبلية كالأردن تماما ‏ربع قرن من الزمن ولم أسمع بالجلوة؛ بل على العكس فإن العشائر عون للدولة على تنفيذ ‏القانون بحذافيره. ‏
 
نتطلع إلى حال الأردن في بعض الأمور فنعجب هل هو دولة مدنية أم دينية أم عشائرية! فنجد ‏الجواب أنه كل هذه الأمور مجتمعة بالوقت الذي يجب أن تكون الحالة الأخرى.  فعندما نقول  ‏لمن يطالب بالجلوة أن لا تزر وازرة ورز أخرى يقال لك أن هذه عاداتنا؛ وعندما نقول (خلينا) ‏عشائريين يقال لنا أن هذا يتعارض مع الدولة المدنية، وعندما تطالب بالدولة المدنية تُطالب ‏باحترام الحقوق المكتسبة لكل أطياف المجتمع. ‏
 
حسناً يا سادة؛ إن كان ولا بد من الجلوة والعشائرية ومع التكلفة العالية للمجليين عن مناطقهم ‏وبما أن الدولة تنفذ القانون العشائري وتجلي المدميين عن مناطقهم فمن واجبها تأمين سكن ‏لهم أسوة بباقي ضيوفنا الأعزاء من باقي الدول العربية. وبما أننا أصحاب دار فإنني أراها صعبة ‏جداً أن يسكن ألأردني بمخيم فأقترح بناء مدن بمنازلها نسميها (مدن الجلوة) وتكون هذه المدن ‏مجهزة بالمدارس والمراكز الصحية وكافة الخدمات مجانا إلى أن تنتهي مشكلتهم؛ فمن غير ‏المعقول أن يتشردوا.  وهكذا تُرضي الدولة أصحاب القانون العشائري وتحمي المواطنين.  وبما ‏أن من شروط الجلوة هي الرحيل لمحافظة ثانية فسيترتب على الدولة أن تبني في كل محافظة ‏مدينة لتكون سكناً للمجليين من المحافظات الأخرى. ‏
وبما أننا مغرمون أيضا بالأردن في البحث عن غطاء ديني لكل شيء فإنني كحال الباقين من ‏أفراد هذا الشعب المسكين أتوجه إلى دائرة الإفتاء الكريمة لتصدر بيانا توضح فيه موقف الدين ‏من هذا التشرد القسري الذي يمارسه ابن العم على ابن عمه من أجل عادات ليس مجالها ‏القرن الحادي والعشرين أبداً.  أدرك تماما أن لسان حال الدائرة هي فقط الإجابة على أسئلة ‏المشاهدين أو المواطنين؛ وبناء عليه ها أنا أسأل ويسأل معي الكثيرون " هل الجلوة حلال أم ‏حرام؟ "  نريد جواباً صريحاً جداً بهذا الخصوص.  ‏
 
هل نسمع قريباً أو نقرأ تصريحاً من الإفتاء وسأبعث بهذا المقال لدائرة الإفتاء لمتابعته؟ أم أن ‏الدائرة ستصنف هذا السؤال ضمن البنود الستة التي لا تجيب عليها وهي موجودة على صفحة ‏الدائرة !!  من يدري  لعلنا نسمع جواباً وأنا واثق أن لجوابها سيكون صدى وأثرٌ طيبٌ لدى الجميع. ‏
 
رد الله كل مغترب عن دياره إليها سالماً غانماً يا رب.  أقصد بالمغترب المجلي عن دياره، أما ‏المغترب العامل فنسأل الله له التمديد. قولوا آمين.‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد