الفاتورة النفطية .. بكائية لا تنتهي !‏

mainThumb

30-01-2016 02:02 PM

 منذ عقود وفاتورتنا النفطية تشكل ما يشبه حائط مبكى تمارس عليه الحكومة عادتها في ‏التباكي وتريدنا معها بشكل دائم في هذه البكائية التي لا تنقطع.‏

جسدت الفاتورة دائما مثالا صارخا لإنتفاء الثقة بين المسئول الأردني والمواطن حيث يتوقع ‏المسئول من المواطن أن يمارس التأييد الدائم ويعلن الرضا حتى عندما تُضيّق عليه الحكومة ‏حياته أو تُضيف عليه الضرائب والتي لكثرتها لم يعد باستطاعة الحكومة نفسها أن تجد لها ‏مبررات أو مسميات.‏
في سنة 2008 وصل سعر برميل النفط قمة سعرية تاريخية لم يصلها من قبل (147 ‏دولار) احسسنا حينها أن الحكومة تكاد تعلن الحداد وأن خطباء الجمعة تصدوا لمسئولياتهم ‏بدعوتنا للتحمل والصبر وقد احزنتنا الحكومة عندما أعلنت أن الفاتورة تكاد تأتي على  ‏دخلنا القومي بكامله وتعاطفنا معها أنذاك  حيث أن موالاة المواطن البسيط للوطن هي ‏فرض عين امّا المسئول فعليه فقط أن يوجهنا لما علينا أن نتحمله بل ليته لا يقع في الفساد.‏
في نهاية العام نفسه هبط السعر إلى 40 دولار وتفائلنا خيرا لكن البكائية بقيت مستمرة ومنذ ‏ذلك الحين صعدت الاسعار وهبطت مرارا لكن حكوماتنا المتعاقبة حافظت على نهج ثابت ‏في عدم اتاحة الفرصة للمواطن أن يخلع عنه نظارة التشاؤم.‏
في عقد التسعينيات كانت الحكومة تحصل على منحة نفطية من العراق وكميات أخرى ‏بسعر تفضيلي ومع ذلك لا تقرالحكومة بذلك وتدعونا للحداد فالفاتورة النفطية ترهقنا ‏واسعار المشتقات تحرقنا وعلى المواطن أن يصبر.‏
وقد ثار يوما جدلا علنيا بين الحكومتين الأردنية والسعودية عندما أعلنت الأولى أنها تشتري ‏النفط بالسعر العالمي لتعلن الثانية بإن ذلك غير صحيح ولكم أن تحزروا مع من كان يقف ‏المواطن الأردني!‏
أيضا لم تبخل دول شقيقة أخرى بتقديم المنح النفطية بأزمان متفاوتة وربما تذكرون قصة ‏المنحة الكويتية وما حصل من تراشق إعلامي عن فساد طالها ومع كل ذلك فقد تحمل ‏المواطن الأردني سعر المحروقات على السعر العالمي أو يزيد. ‏
المهم بعد جدل الحكومات حول الفاتورة النفطية مع الداخل والخارج انبثقت الذهنية ‏الاقتصادية في الأردن عن تحريراسعار المحروقات وربطها بالسعر العالمي هبوطا ‏وصعودا عندها تفائل المواطن بأن يتم التعامل معه بإنصاف لعل اللطمية المعتادة فيما ‏يخص الفاتورة تتوقف.‏
لكن هيهات أن ينصف المواطن من حكومة أو حكومات ترى في جيب المواطن بئر نفطها ‏ولا تسمح براحة بال المواطن مهما تبدلت الأحوال.‏
اليوم وقد هبطت الاسعار إلى أدنى مستوى منذ ما يقارب العقد من الزمن وليس من المتوقع ‏أن ترتفع في وقت قريب واثار ذلك حفيظة الدول المنتجة وبدأ بعضها بإتخاذ إجراءات ‏تحسبية لكن الحكومة حذرتنا من التفاؤل بل طلبت منا عدم الفرح بما هو آت ...لكن لمَ ‏وكيف؟ الا ينبغي لنا حكومة ومواطنين أن نفرح بهبوط الأسعار بنسبة عالية حيث أننا دولة ‏مستهلكة لا منتجة؟
حكوماتنا المتعاقبة وضعتنا بمعادلة ليس لها حل فإن ارتفعت الاسعار أو هبطت فالأمر ‏سيان يعني احتار دليلنا مع هذه الحكومة وغيرها من قبلها ومن بعدها واليكم تفسير الحكومة ‏الموقرة.‏
إن ارتفعت الاسعار ستزيد الفاتورة لتضغط الميزانية الا يستدعي ذلك القلق؟
وإن هبطت الاسعار ستخسر الميزانية المساعات الخارجية الا ينبغي لنا أن نحزن؟
إن وطنيتنا تتطلب منا القلق الدائم بجميع الظروف والاحوال فلا الرفع يسرنا ولا الخفض ‏يعجبنا وما على المواطن الا أن ينفض جيوبه إلى الخارج تضامنا مع حكومته.‏
اما الربط مع الاسعار عالميا فاوقعنا أيضا في متاهة فاذا ارتفع السعر قليلا ارتفعت الاسعار ‏لدينا كثيرا وإن حدث العكس أي انخفض السعر كثيرا هبطت الاسعار محليا بما يثير ‏السخرية.‏
اليوم أيضا يتفائل المواطن بإنخاض السعر عالميا وبنسبة كبيرة لينعكس ذلك على اسعاره ‏محليا وعلى نشاطات أخرى في الحياة لكن هيهات أن يحل التفاؤل فاليوم تأتي الحكومة بما ‏لم تاتي به الأوائل فتخبرنا بأن سعر المشتقات لا يرتبط بسعر البرميل عالميا ثم تفطن إلى ‏أن سعر التكلفة والتشغيل مرتفع باختصار تتحايل علينا بما لا يسمح أن نودع القلق ولو قليلا ‏أو أن نحس بإنفراجة ولو احتشدت لها كل المبررات.‏
إن من حق المواطن الأردني أن يشعر أنه جزء من هذا العالم يتأثر بما يدور فيه إيجابيا وإن ‏سداد الفاتورة والمديونية ودعم الموازنة والرضوخ لسياسة صندوق النقد لا يجب أن يتحمله ‏فقط جيب المواطن علما بأنه لا يجد مبررا لانفلات المديونية ولا يحس بأثر المنح ‏والمساعدات الخارجية وعلى الحكومات أن تستعيد ثقة المواطن من خلال مكافحة الفساد ‏وخطاب يتميز بالشفافية . ‏
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد