لا يكن أحدكم إمعة .. ‏

mainThumb

03-02-2016 02:46 PM

‏             يقولون : بأن السفر يسفر عن اخلاق الرجال ؛ وهذا ‏القول فيه جوانب كثيرة من الصدق  ؛ فالسفر وبما يتخلله من مشقة ‏وتعب ومفاجآت ، يمثل إختبارا” حقيقيا” لصبر وصدق وإيثار وحلم ‏وعفة وطهارة وشجاعة الإنسان المسافر ...‏
 
‏          كما أن ابتعاد المسافر عن عيون المعارف والأقارب ‏وغياب الرقابة المجتمعة عليه ؛ تمثل إختبارا” حقيقيا” لمدى قناعة ‏الإنسان المسافر بموروثه الأخلاقي الذي تشربه ودرج عليه ، وهي ‏مقياس آخر لمدى ثباته على صفاته وعلى أخلاقه التي اعتاد وتربى ‏عليها  ، فكثير من المسافرين يتجردون من القيم والعادات والثوابت ‏الموروثة ، ويبتعدون عن الأخلاق والفضائل عند غياب رقابة ‏المجتمع والأهل عنهم  ...‏
 
‏            عندما يظهر إنسان معين كرمه بين الناس الكرماء ‏والأسخياء ، فهذا خلق حسن وجميل ، ولكن الأختبار الحقيقي لجود ‏ولأصالة هذا الإنسان تكون لحظة شيوع آفة البخل وانتشار الحرص ‏والشح ، وعندما غياب الناس الكرماء عن المجتمعات ...‏
‏       يقول الشاعر ابن ابي مرة المكي  :‏
 
‏      ألم تعلمي يا عمرك الله   أنني  كريم على حين الكرام قليل
 
‏            ‏
 
 
‏ وأن يظهر شخص معين شجاعته وبطولته وهو برفقة  الشجعان ‏والأبطال فهذا شيء حسن وجميل  ،  ولكن الأختبار الحقيقي ‏لشجاعة ولبطولة هذا الإنسان تتجلى عندما يتقاعس الجميع عن ‏نصرة الحق وعندما يجبن غالبية الناس   ...‏
 
‏          يقول الشاعر طرفة بن العبد :‏
 
‏  إذا القوم قالوا من فتى خلت        أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
 
‏               إن الاختبار الحقيقي والمقياس الجدي لمدى الإلتزام ‏بالثوابت والأخلاق يظهر لحظة ابتعاد غالبية الناس عنها ، ‏فالشخص العظيم هو الذي يتشبث بمبادءه وبأخلاقه عند شيوع ‏الفساد ولحظة انعدام الأخلاق في المجتمعات ... وفي مثل هذه ‏الحالة تتجلى البطولة وتسمو الأنفس الرفيعة وتختبر الأخلاق  ...‏
 
‏         وسأذكر مثالا  لنوضيح هذا الأمر :‏
 
‏          قبل عدة سنوات ونتيجة لظروف معينة ، انتشرت عادة ‏الغش العلني في امتحانات الثانوية العامة الأردنية  ؛ وللأسف ‏الشديد ؛ شاع هذا السلوك المدمر للمجتمعات عند الغالبية الساحقة ‏من طلابنا ، وبدا للكثيرين من الطلاب والأهل بأنه البطولة ‏والشجاعة ، ومع مرور الوقت بدا الغش وكأنه حق للطلاب ، وبأنه ‏لا يقبل الجدل ولا النقاش ... وفي مثل هذا الجو المنفلت والبعيد ‏عن النقد والرقابة والغرابة  ؛ وجدت فئة ملتزمة من طلابنا ‏الأردنيين ، وهذه الفئة ابتعدت عن ممارسة الغش نهائيا” ؛ وآثرت ‏الإعتماد على نفسها  ؛ والشيء الذي منعها عن ممارسة الغش هو ‏خوفها من خالقها الذي يرقبها ، بالإصافة إلى ثوابتها الدينية ‏والأخلاقية التي درجت عليها ...‏
 
‏      وفي مثل هذه الحالة تجلت العظمة الحقيقية للإنسان ؛ وهذا ‏هو الإختبار الفعلي للقناعات وللقيم وللمباديء والمثل  ...  يقول ‏صلى الله عليه وسلم  : لا تكونوا إمعة ، تقولون إن أحسن الناس ‏أحسنا ، وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا أنفسكم ، إن أحسن الناس ‏أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا ...‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد