خطاب 5 نجوم - رامي علاونة

mainThumb

04-02-2016 11:18 AM

أصبحت الدعوة إلى "التفكير خارج الصندوق" خطاباً رائجاً في وقتنا الحالي يردده الكثير من مدربي التنمية البشرية و روّادها بالإضافة إلى بعض روّاد العمل العام السابقين ممن أُبعِدوا عن "لمبات" الساحة السياسية و"كراسي" صنع القرار.


أؤمن تماماً بمفهوم التفكير خارج الصندوق والحاجة إلى تبني مثل هذا الخطاب لتغيير المفاهيم وتنوير العقول وخلق جيل واعي ومدرك لمتطلبات العصر من جهة وحيثيات المنطقة التي نعيش فيها من جهة أخرى.


ما يزعجني في هذه "التقليعة" أن معظم الدعوات تُطلق من فنادق ال 5 نجوم التي لا يعرفها ولا يمتلك مهارة عد نجومها السواد الأعظم من الشريحة التي يجب أن يستهدفها مثل هذا الخطاب حتى يكون خطاباً مؤثراً يتجاوز مرحلة "صف الحكي".


لا تهمني دعوات مدربي التنمية البشرية و روّادها في هذا المقام، فخطاب "التفكير خارج الصندوق" خطاب رائج منذ فترة ليست بالقصيرة نسبياً، فهو حرفة تدرُّ الكثير من المال على من يجيدها و مصدر رزق يعتاش منه الكثيرون أولاً وأخيراً. فمن البديهي أن يطلق روّاد هذا الخطاب دعواتهم و يقيموا ندواتهم و حلقاتهم في فنادق 5 نجوم تليق بسمعتهم  كملهمين و "صنَّاع تغيير"، وأن يكون -أي الخطاب- متبوعاً بوجبة غداء 5 نجوم ترسِّخ مفهوم التفكير خارج الصندوق لدى متلقي الخطاب من جهة، و تسوِّق صاحب الخطاب في سوق التفكير الإبداعي من جهة أخرى بتكنيك تسويقي ذكي وهو "كلما زادت نجوم الفندق، زادت الثقة بصاحب الخطاب و بضاعته. فلا يعقل  مثلاً أن يدفع شخص أو تدفع مؤسسة مبلغاً كبيراً من المال مقابل الاستماع لخطاب شخص يتحدث عن التغيير و التفكير خارج الصندوق في سوق الحسبة المركزية او مجمع باصات طبربور! على العكس، قد يوصف صاحب الخطاب (مهما بلغت عبقريته) بمسحة من الخبل أو ضرب من الجنون، وقد يجود عليه من يلاحظ وجوده بنصف دينار أو سندويشة فلافل و يدعو له بالشفاء.


ما يعنيني فعلا في هذا المقام هو موضوع الدعوات و الخاطبات "المجانية" الصادرة عن روّاد العمل العام الذين أثَّر بُعدهم عن "الكرسي" على خطابهم بشكل جذري، أو ساهم في زيادة حدة نبرته (حتى لا نظلم بعضهم)، حيث أصبحنا نسمع و نقرأ مفردات جديدة في خطابهم مثل " التفكير خارج الصندوق"، "الفجوة بين الشعب و الحكومة"، "قوى الشد العكسي"، "محاربة الفساد"، "محاربي الاصلاح"، "الآثار الاجتماعية السلبية لسياسات الحكومة"، "وعي الشباب و ثقافتهم" وغيرها الكثير من المفردات التي طالما غابت عن خطابهم أثناء توليهم مقاليد الأمور.


أتوجه بالشكر لمن سحب الكرسي من تحتهم و للظروف الشرق أوسطية المعقدة التي نبَّهتهم  أن الأمور كلها ليست على ما يرام و أن الشباب في بلدنا بحاجة لفرص عمل و حياة كريمة و حرية ابداء الرأي و أن الكرة بملعب الدولة لضمهم تحت جناحيها.
بغض النظر عن ما في صدورهم، اشكرهم هم أيضاً إذ تنبهوا الى الشباب و الى الآثار الاجتماعية التي تهرول بنا اليها سياسة الحكومة الاقتصادية، والتي استشرفها كثير من عامة الناس و نبَّهوا اليها عبر وسائل الإعلام الاجتماعي قبلهم بكثير، عندما كانوا هم ينعمون بدفء كرسي السياسة و صنع القرار.


لا آخذ عليهم تعديل خطابهم أو حتى تبنِّي خطاب جديد يمكن وصفه بخطاب "ما بعد الكرسي"، فالصحوة مرحَّب بها حتى لو كانت متأخرة، و لكن أُذَّكرهم ان غاندي (الذي يعرفوه أكثر مني) دعا  أيضاً للتغيير و "التفكير خارج الصندوق" و نبذ التطرف و العنف، و الإصلاح الاقتصادي، ولكنه أطلق دعوته من محطات القطارات و حقول القطن و معامل الملح لذلك سمع جيلهم صدى خطابه و سمعه جيلي و سيستمر في التردد حتى تسمعه الأجيال القادمة.


أقول لهم بصفتي أحد الشباب الكثر الذين فكَّروا خارج الصندوق فقادهم فكرهم الى ترك البلد الذي باتوا يشعرون فيه بالغربة، و آثروا مكرهين "النطنطة" من بلد لآخر بحثاً عن حياة كريمة:


 أيها الإصلاحيون المفكِّرون "خارج الصندوق"، خلُّوا عنكم الفنادق و الصالونات إذا أردتم ان يصل خطابكم فئة الشباب. ابحثوا عنهم! إذهبوا اليهم في مدارسهم و جامعاتهم...في قراهم و بواديهم...في مخيماتهم و حاراتهم، و عندما تجدوهم، استسمحوهم أولاً على كونكم جزءا من المنظومة التي أوصلتهم الى ما هم عليه من يأس و انعزال  ثم خاطبوهم...علَّهم يسمعوكم!!!


 حدِّثوهم عن "الصندوق" و عن ما بداخله و خارجه. حدِّثوهم أيضا عن قُبَّعات التفكير الستة إذا أردتم، و لكن لا تُلَّبسوهم إياها، فتلبيس "الطواقي" لم يعد يجدي نفعاً. أما خطاب ال 5 نجوم فاستغِّلوه لموضوع آخر غير الشباب، فالمسافة بينكم و بينهم أشبه ما تكون بالمسافة بين الأرض و النجوم! 
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد