اللاجئون يريدون قبرًا - سوسن الأبطح

mainThumb

07-02-2016 10:43 AM

سنوات خمس، احتاجها المجتمع الدولي، كي يدرك أن حرب سوريا، يمكنها أن تُغرق العالم بؤسًا وفقرًا وأزمات منهكة.
 
 
للمرة الأولى، يغدق المانحون على السوريين، بحنان دفّاق، وسخاء لا غصة فيه ولا منّة. عشرة مليارات دولار، وفوقها حبة مسك، للاجئين السوريين، ودول الجوار التي تؤويهم، وعدت بها الدول المجتمعة «لمساعدة سوريا والمنطقة».
تغيرت اللهجة جذريًا بعد أن ذاقت أوروبا، طعم التسونامي البشري الذي يكتسحها، وفضيحة ترك الآلاف في العراء، دون أن يكون لها إمكانية إطعامهم أو إيوائهم. هذا عدا الذين يقضون كولائم لأسماك البحر، وأطفال بالآلاف يختفون على أرضها، دون أن يرف لأحد جفن.
 
 
 
التذمر الأوروبي من اللاجئين، يتطور حد كشف الأنياب. الأسبوع الماضي، طالبت فراوكه بتري، رئيسة «حزب البديل من أجل ألمانيا»، بإطلاق النار على اللاجئين إن احتاج الأمر، لمنعهم من دخول البلاد، سياسي آخر في بلجيكا، ارتأى منع الطعام عنهم لردع آخرين من التوافد، بمعنى آخر تجويعهم. رئيس تشيكيا ميلوش زيمان، بلغ به الأمر حد اعتبار اللجوء «غزوًا منظمًا وليس هجرة تلقائية»، أما رئيس وزراء سلوفاكيا، فقال في العلن، ما يقوله الآخرون سرًا، وهو أنه يعارض هذه «الهجرة الإسلامية» مذكرًا شعبه بأنهم «أمة كاثوليكية». ليست مصادفة، أن تظهر دراسة أميركية، في هذا الوقت تحديدًا، تعلمنا أن كتاب «صدام الحضارات» لهنتنغتون هو الأكثر تداولاً وقراءة بين الكتب في «جامعة هارفرد»، آتيًا في المرتبة الثانية بعد «جمهورية» أفلاطون الذي يحتل المكانة الأولى. وما بين «الجمهورية الفاضلة» ونظرية حتمية مقاتلة المختلف التي يروّج لها كل من أتباع «داعش» «هنتنغتون»، يذهب اللاجئون ضحايا بين المثالية القاتلة والعدوانية الهمجية.
 
 
 
جاء المانحون الأوروبيون إلى المؤتمر الذي عقد في لندن منذ أيام، متأخرين بسخائهم الاستثنائي عدة سنوات، طامحين إلى شراء راحتهم بحفنة من المليارات. صار الباحثون عن حل، للمعضلات الإنسانية بعد أن عزّ الاجتماع في جنيف، يطاردون الخلاص فيراوغهم. تعهد المانحون بدفع المبلغ المرقوم، الذي اعتبره بان كي مون، استثنائيًا، والأول من نوعه، منذ الحرب العالمية الثانية، يقرّ في يوم واحد، ولقضية واحدة».
 
 
 
تريد أوروبا، أن تدعم الدول المجاورة، لتتحمل العبء الأكبر، وتكبح تدفق اللاجئين، تتمنى لو أن تركيا توقف مراكبها، ولبنان والأردن يجدان الحلول السحرية للضيوف السوريين لإبقائهم بينهم.
 
 
وزير خارجية تركيا ذكّر الحاضرين، أنهم بينما هم يخططون لمساعدة من هاجروا، ثمة في اللحظة نفسها، ما يقارب سبعين ألفًا يهربون من حلب باتجاه حدود بلاده، ومحطات التلفزة تعرض مشاهد لسبعة آلاف آخرين يحاولون العبور بين اليونان ومقدونيا دون جدوى.
 
 
عاد رئيس وزراء لبنان تمام سلام من المؤتمر بخيبة كبرى، وبحصة من المبالغ لا تتناسب ومعاناة الوطن الصغير، بعد أن أصبح بين كل ثلاثة لبنانيين سوري. أعلن لبنان بوضوح أن توطين اللاجئين غير وارد، بعد تجربته المريرة مع الفلسطينيين، فحرم من مكافأة التشغيل والتوظيف، ونال مساعدة جلها للتعليم. الأرقام في هذا المجال، مدهشة، فالتلامذة اللبنانيون يقارب عددهم الإجمالي 250 ألفًا، فيما عدد التلامذة السوريين الذين يتوجب تسجيلهم مدرسيًا هو ضعف الرقم، ولا تستوعب المدارس، حتى الآن، سوى نصفهم.
 
 
رضخ الأردن، لما لا يحتمله لبنان - أي فتح أبواب العمل أمام السوريين، وإقامة مصانع بالقرب من مخيمات لجوئهم شرط توظيف عدد من الأردنيين، فنال ما أراد.
 
 
 
سوريا أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب الثانية، باعتراف كل المنظمات الإنسانية. 13 مليون إنسان سوري ينتظر مساعدة المجتمع الدولي، 8 ملايين طفل يستغيثون، والوعود بالمليارات تبقى، في الغالب، حبرًا على ورق.
 
 
 
من شيم الدول أن تنكث بوعودها. دفعت البلدان المانحة مجتمعة العام الماضي للاجئين، نصف ما التزمت به فقط، بينها من لم يسدد حتى الثلث، ومن هؤلاء أستراليا وفرنسا. عند بيع السلاح، تقوى العزائم وتشتد النخوة، وبعد وقوع الكوارث ينفض الجمع.
 
 
المبالغ المرصودة، هذه المرة، على حجمها الباهر، لا تكفي، للأسف، حتى ولو سددت جميعها. فهي مرصودة لأربع سنوات، ومخصصة لبؤساء الداخل السوري وخارجه، وأبناء الدول المضيفة، وما يطلبونه من مكافأة ودعم لصبرهم وتضحياتهم. الدول تسدد التزاماتها متأخرة، وتتآكل المبالغ وهي تمر بأقنية الفساد والاختلاس، قبل أن يصل فتاتها إلى الأفواه الجائعة. المشكلة مركبة والوعود الشفهية وحدها، من دون خطط ذكية، ستنتهي إلى حائط مسدود.
 
 
 
كان «يوم أمل» لأهالي سوريا، التبرع لهم من أجل التعليم والطبابة والتشغيل، كما قالت السيدة الطيبة أنجيلا ميركل وزميلها المتحمس ديفيد كاميرون. فالحاجة ماسة والسوريون لا يجدون ثمنًا لأكفانهم. وقبل أيام نشر إعلان مؤلم على صفحة للاجئين، يناشدون فيه «بذل مزيد من الجهد لشراء أرض تكون مدفنًا في لبنان في ظل الضغط الشديد والعقبات لتأمين مدفن للسوريين قد تصل إلى درجة الاستحالة». ويأتي هذا النداء المرير، بعد أن تكرر مشهد نقل الجثث من قرية إلى أخرى في رحلة البحث عن قبر، يؤمّن للاجئ راحته الأبدية.
 
 
 صحيفة "الشرق الأوسط"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد