السيناريو الخطير

mainThumb

07-02-2016 11:28 AM

 كنا ونحن في الصفوف الإعدادية والثانوية نتعلم في مدارسنا بأن الوطن العربي هو الوطن الواحد والجامع لكل الشعوب العربية؛ إلا أن الإستعمار قد قسَّم هذه البلاد العربية وجعل منها دويلات صغيرة وضعيفة ومسلوبة الإرادة، ونصَّب في الكثير منها من ينوب عنهم أو رضوا بمن يحقق لهم مصالحهم ويحمي مكتسباتهم فيها واستمر هذا الحال إلى أيامنا هذه.

-
وعندما نتدارس الخارطة الجغرافية للبلدان العربية التي تم تقسيمها وتجزئتها، نرى بأن بلاد الشام كانت مستهدفة بشكل خاص في هذا النهج الخطير؛ لأن الصهاينة قد استوطنوا قلب بلاد الشام فلسطين، ويقتضي الأمر حمايتهم من أي قوة تهدد كيانهم الهزيل، فكانت بلاد الشام على ما هي عليه الآن.
-
في عهد الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله قويت شوكة العراق، وأصبح بعد أن شكم ولجم إيران الصفوية الفارسية قوة لا يستهان بها، فارتعدت فرائص الصهاينة، وألبوا عليه الشرق والغرب بما لديهم من خبث ومكر وسلطة في دول عظمى وإعلام قوي، فشيطنوا صدام ونظامه حتى اقتلعوه من جذوره، وصار العراق ضعيفاً هزيلاً تابعاً لإيران من جهة العقيدة ونظام الحكم، ولأسياد الحكام الجدد الأمريكان سياسياً واقتصادياً؛ فهم من أتى بهم ليحكموا العراق باتفاق مع الدولة الصفوية.
-
الآن أصبح العراق مأمون الجانب ولا يُخشى منه أبداً، ومحكوم من الشيعة الذين لا يعتبرون قضية فلسطين من أولوياتهم، بل إنهم يقيمون علاقات خفية مع الصهاينة باتت تظهر جليه في الآونة الأخيرة، وأصبح من السهل جداً تقسيم العراق لدويلات عرقية وطائفية، ولذلك عندما كانت طائرات النيتو تدك قوات القذافي المقبور وقامت الثورة في سوريا قال "ساركوزي" الرئيس الفرنسي : (على الذين ثاروا ضد نظام البعث في سوريا بأن لا ينتظروا منا تدخلاً لصالحهم كما تدخلنا لصالح الثورة في ليبيا) ... لأن ليبيا بعيدة عن دولة الصهاينة ولا يخشى من أي نظام سيأتي بعد زوال القذافي، وكذلك فإن النفط والغاز في ليبيا سوف يغطي تكاليف تدخلهم، وسوريا ليس فيها كما في ليبيا ثروات من النفط والغاز، وأيضاً هم يعلمون جيداً بأن النظام السوري البعثي العلوي لا نظير له في التبعية وفي حمايته للصهاينة، وأن أي نظام سيأتي من بعده سيكون مزعجاً للدولة العبرية في كل حال، ولن يعطيهم ما أعطاهم إياه بشار الأسد وأبيه المقبور من قبله.
-
بعد صمود الثورة في وجه اجرام النظام وحلفائه، واتضاح الأمور أكثر من خلال الوقائع على الأرض، وبفعل التدخل الروسي والإيراني الإجراميين بات السيناريو المعد كالآتي حسب التحليلات وكلها أخطر من بعضها إلا إذا انتصر الثوار ونجحت ثورة الشعب السوري:
-
أولاً: إذا نجح النظام وحلفائه لا قدر الله من هزيمة الثوار وإخماد الثورة فإن تفريغ سوريا من السنة سيكون على قدم وساق كما يُفعل الآن في العراق، لتصبح سوريا دولة علوية وسيُجلب علويّو تركيا وشيعة من لبنان وإيران والعراق ليحلوا مكان السنة وتجنيسهم ليستتب الأمر لهم، وفي ذلك راحة للصهاينة الذين لا يخشون إلا من المسلمين السنة.
-
ثانياً: إذا لم ينجح النظام في إخماد الثورة فإنه سوف يتعلق بقشة الدويلة العلوية المزعومة، وسيقوم بإنشائها على الساحل السوري حتى دمشق ودرعا، وما يؤكد ذلك هو تفريغ المناطق السنية بعد محاصرتها وتجويع أهلها ليجبرهم على الرحيل وتوطين الشيعة والعلويين مكانهم.
-
ثالثاً: سيستغل الأكراد وجود الدولة العلوية، وسيعملون على إنشاء دولتهم بحجة أنهم أصحاب قومية وقضية، وأنهم أحق من غيرهم بإنشاء دولة قومية لهم وبالتوازي سينفصل شمال العراق ليتحد مع شمال سوريا في دولة كردية موحدة، وهذا ما يقلق تركيا؛ لأن قيام دولة كردية من شمال العراق وشمال سوريا سيتيح لأكراد تركيا المطالبة بالانفصال والانضمام للدولة الكردية القومية الجديدة.
-
رابعاً: لن يُسمح للعرب السنة في العراق وسوريا بالاتحاد في دولة واحدة، وستعمل القوى الكبرى لمنع ذلك بإنشاء دولة درزية عاصمتها السويداء تفصل العرب السنة في الأنبار عن العرب السنة في وسط سوريا؛ لأن من يهمه الأمر يخشى من أي قوة سنية بعد أن رأوا أن من قاوم الإحتلال في العراق ببسالة، ومن قاوم الإحتلال في أفغانستان بشراسة، ومن ثار ضد بشار ونظامه، ومن قاوم الدولة العبرية ويقاومها إلى الآن هم المسلمين السنة وبالتحديد العرب السنة.
-
لست متشائماً! فكل المعطيات والوقائع على الأرض تشير إلى ذلك، والأمل الوحيد هو صمود الثوار في الشام، وطرد النظام المجرم ومن معه من شذاذ الآفاق، وجلاء الاحتلال الروسي والإيراني، وإقامة نظام ديمقراطي تعددي يحترم القوميات والأقليات والحريات في البلاد، ويحفظ حقوق الجميع، فالنظام البعثي الطائفي قد أثقل كاهل السوريين ودول الجوار بفساده وإجرامه ولا يصلح للقيادة بعد كل ما فعل.
-
وعلى الدول الإسلامية السنية التي تؤيد مطالب الشعب السوري وعلى رأسها تركيا والسعودية، أن تقدم كل ما بوسعها لإنجاح ثورة الشعب الكليم في الشام، وأن لا تتوانى عن تقديم أي دعم من شأنه دحر الغزاة عن أرض الشام ومن جلبهم إليها، وكان الأوجب تقديم ذلك قبل دخول الروس لصالح الطاغية، تماماً كما فعلت السعودية والتحالف العربي في اليمن ونصرتهم للشرعية، ولكن أن تفعل ذلك متأخراً خير من أن لا تفعل ذلك أبداً، وإذا ترك الشعب السوري يواجه إرهاب النظام وإيران وروسيا والمليشيات الشيعية الطائفية وتنظيم داعش الإرهابي، فإن الكل سيندم؛ لأن السيناريو القادم خطير جداً وباتت إرهاصاته تتضح شيئاً فشيئا.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد