الجيش العربي يزهو بزهرةالمدائن - عيسى محارب العجارمة ‏

mainThumb

12-02-2016 04:00 PM

دمرت اسرائيل القوة الجوية المصرية عشية حرب حزيران ‏‏1967ودحر الجيش المصري وأصبحت قادرة على التعامل مع ‏الجبهة الشرقية (سوريا والعراق والاردن) بسهولة .‏

 
وتحرك الجيش العراقي لساحة القتال من قواعده البعيدة في ‏العراق فبدأ حركته متأخرا وما كادت طلائعه تصل وادي ‏الاردن حتى انتهت المعركة .‏
 
وبما ان الحرب بدأت بالضربة الجوية الاسرائيلية القاصمة ضد ‏القوات الجوية المصرية فسنورد مفهوم العمليات الاردني بتلك ‏المعركة .‏
 
فالملك حسين بن طلال ملك الاردن السابق – رحمه الله –  كان  ‏طموحا في تطلعاته نحو بناء جيش قوي قادر على الدفاع عن ‏الارض ، والمساهمة في تحرير الجزء المحتل من فلسطين ، ‏ولكنه كان ( كجده الاكبر الحسين بن علي ) متأثرا بالاعتبارات ‏السياسية والنفسية في تحديد مهمة الجيش ووضع مفهوم ‏استراتيجي يرتكز اساسا على عوامل عسكرية منطقية .‏
 
لذلك فقد استبعدت أي خطة مبنية على عوامل عسكرية محضة ‏لا سيما وقد مر الجيش العربي الاردني بتجربة قاسية عندما ‏استولى الاسرائيليون على شريط الحدود ( المثلث العربي ) بعد ‏انسحاب الجيش العراقي عام 1949 وردود الفعل السياسية التي ‏نجمت عن ذلك .‏
 
لهذا السبب ادرك الحسين أنه لا يستطيع – لأسباب سياسية ‏ونفسية – التخلي طوعا عن أية قرية أو تلة في الضفة الغربية ‏للقوات الاسرائيلية عام 1967 .‏
 
وتفرض المبادئ العسكرية على الجيش الصغير في الحجم الذي ‏يدافع عن جبهة واسعة ، ان يختار مناطق حيوية ( مرتفعات ‏وعقد مواصلات ) ، يدافع عنها ويحتفظ باحتياط مناسب للقيام ‏بهجوم معاكس على اي موقع مهم يحتله العدو ، ولتطبيق هذا ‏المبدأ كان المفروض في الجيش العربي ان يترك القرى ‏والمواقع غير التعبوية الواقعة على الحدود ويدافع في سلسلة ‏مرتفعات نابلس والقدس – الخليل (كما ورد بتحليل العميد الركن ‏المتقاعد سيد علي العدروس / الجيش الباكستاني - مستشار ‏سابق للقيادة العامة للقوات المسلحة الاردنية بمنتصف عقد ‏السبعينات ) .‏
 
الذي يتابع : - ولكن من يعفي الجيش العربي  من المسؤلية لو ‏قام باخلاء قرية قلقيلية او طولكرم وتراجع الى الخلف تطبيقا ‏لقاعدة عسكرية .‏
 
فلقد بقي الجيش العربي في تلك المواقع ودافع عنها حسب ‏قدراته المتواضعة ، ومع ذلك لم يسلم من الاتهام بالتخلي عن ‏مواقعه رغم ان هزيمة الطيران والجيش المصري كانت هي ‏السبب .‏
 
كانت قوة الجيش العربي المؤلفة من تسعة الوية مشاة ولوائي ‏دروع تدافع في الضفة الغربية وتمسك المناطق الامامية الممتدة ‏من شمال جنين – في مرج بني عامر – الى جنوب الخليل ‏قوات الحرس الوطني ( سابقا ) وعناصر من الجيش ، وتنتشر ‏خلفها كتائب المشاة التي تدافع على طول المرتفعات في قطاع – ‏نابلس – القدس – الخليل التي يتراوح ارتفاعها ما بين 2500 ‏‏– 3500 قدما وأهمها جبال عيبال وجرزيم في نابلس وبدو ‏والنبي صمؤئيل في القدس ومرتفعات الخليل المنحدرة جنوبا ‏حتى بئر السبع وتطل شرقا على البحر الميت .‏
 
ركز الجنرال مردخاي هود قائد سلاح الجو الاسرائيلي على ‏التدريب القاسي في الليل والنهار وأساليب القصف القريب ‏والبعيد (في العمق) وتجنب وسائل الانذار .‏
 
وقال هود بعد حرب حزيران : انه كان يتوقع ان تقل كفاءة ‏الطيارين الاسرائيلين في الحرب عن التدريب بنسبة 25% ‏ولكن ما حدث كان العكس ، وبرهنت القوة الجوية الاسرائلية ‏وقوامها 350 طائرة على انها كانت مستعدة لحرب حزيران ‏وأنها الذراع الفولاذية الطويلة للجيش الاسرائيلي .‏
 
وبالنسبة للحرب البرية على الجبهة المصرية  فقد بالغ ليدل ‏هارت – المؤرخ المفضل لدى الجنرالات الاسرائيلين – ‏بوصف حملة سيناء بأنها كانت افضل تطبيق ناجح للهجوم غير ‏المباشر في الحرب الحديثة .‏
فقد كان الجنرال جافيش شجاعا واسع الافق في وضعه مفهوم ‏الخطة وتنفيذها معتمدا على مبدأ التعرض كأساس للعمليات ‏الاسرائيلية .‏
 
بالنسبة للجبهة الاردنية ونظرا لضعف القوة الجوية الاردنية ‏‏(21 طائرة هوكر هنتر) وأنتشار القوات الاردنية بشكل رقيق ‏على طول الجبهة فقد قدرت اسرائيل ان الاردن لن يخوض ‏الحرب ضدها بشكل فعلي .‏
 
كان من المتوقع ان يقوم الاردن بدفاع نشيط لشل جزء من ‏القوات الاسرائلية ومنعها من المشاركة بالجهد الرئيسي ضد ‏مصر والجهد الثانوي ضد سوريا .‏
 
حددت القيادة الاسرائيلية للقوات التي ستقاتل في القطاع الاوسط ‏‏– اذا هاجمت القوات الاردنية – هدفين يجب احتلالهما : القدس ‏القديمة والمناطق المحيطة بها .‏
 
ومواقع المدفعية الاردنية الثقيلة التي تستطيع قصف المدن ‏والمستعمرات والمطارات الاسرائيلية ، علما بأن احتلال تلك ‏الاهداف بتعرض محدود قد يستبعد اي تعرض عام لاحتلال ‏الضفة الغربية .‏
 
قدرت الاستخبارات الاسرائيلية القوات الاردنية وتوزيعها في ‏الضفة الغربية بستة الوية مشاة ولوائي دروع وكما يلي :‏
اربعة الوية مشاة ولواء دروع في قطاع نابلس ، ولوائي مشاة ‏للدفاع عن قاطع مدينة القدس القديمة والخليل ولواء دروع في ‏منطقة اريحا .‏
 
اما القوة الجوية الاردنية كما قدرها الاسرائيليون 21 طائرة ‏مقاتلة ( سرعتها اقل من سرعة الصوت في مطاري عمان ‏والمفرق ) ولا تشكل اي خطر او تهديد جدي لهم .‏
 
تم توقيع اتفاقية الدفاع المشترك في 30ايار1967 مما ادى الى ‏اشتراك الاردن الفعلي بتلك الحرب وهو ما حدا بتعديل مهمة ‏الجيش الاسرائيلي لتصبح احتلال الضفة الغربية كاملة .‏
 
وتشترك في العملية القيادات الثلاث : القيادة الشمالية وتتولى ‏المسؤلية من قرية سنجل شمال رام الله والى الشمال .‏
القيادة الوسطى من جنوب سنجل وحتى بيت لحم والقيادة ‏الجنوبية منطقة الخليل والى الجنوب . وقد كانت القيادة ‏الاسرائيلية غير موفقة في تقسيم مسؤولية احتلال الضفة الغربية ‏بين القيادات الثلاث .‏
 
فقد خلقت مشاكل عديدة اقلها التنسيق والارتباط والاتصالات ، ‏كما حدث عند احتلال القدس القديمة ، الا ان النصر السريع ‏والسيطرة الجوية المطلقة التي حققها سلاح الجو الاسرائيلي ‏جمدت المشاكل وافقدتها اهميتها .‏
 
نجح الاسرائيليون في تحديد الاهداف حسب اهميتها في مسرح ‏عمليات الضفة الغربية ، وحقق الخرق للجبهة الاردنية في جنين ‏، والاندفاع عبر محور طوباس ثم الالتفاف على نابلس من ‏الشرق والغرب ، واستثمار الفوز حتى جسر الامير محمد في غور ‏الاردن وبالتالي سقوط قطاع نابلس في ايديهم .‏
 
وفي القطاع الاوسط تقدم الاسرائيليون على طريق بدو – رام ‏الله – القدس ثم احتلوا مرتفعات النبي صموئيل – بيت حنينا – ‏شعفاط – التل الفرنسي من الشمال ، وفصل قطاع القدس عن ‏قطاع نابلس ومنع اي تعاون بينهما .‏
 
كما ادى الهجوم على منطقة القدس من الشمال والجنوب ‏واحتلال المرتفعات المحيطة بها ، الى حصار القوات الاردنية ‏المدافعة عن القدس القديمة ، وعزلها تماما وقطع الاتصال بينها ‏وبين اللواء المدافع عن الخليل .‏
 
بالاضافة لذلك فان احتلالها لقيادة الجبهة الغربية ( في بتين ‏قرب رام الله) شل القوات الاردنية وجعلها تتخبط كالجسد بلا ‏رأس .‏
 
وبالعودة لمفهوم العمليات للجيش الاردني فقد كانت مدن نابلس ‏وجنين وطولكرم ورام الله والقدس والخليل مناطق حيوية في ‏الضفة الغربية ويعتبر احتلال اي منها مفتاحا للعمليات العسكرية ‏في المنطقة ، كما ويؤدي احتلال القدس ورام الله الى فصل ‏المنطقة الشمالية ( نابلس) عن المنطقة الجنوبية (الخليل) .‏
 
بالاضافة لوجود ما يزيد على 180 نقطة حيوية في الضفة ‏الغربية يؤثر احتلال اي منها تأثيرا كبيرا على دفاع الجيش ‏العربي وهناك المنطقة الشمالية من الضفة الشرقية التي تؤدي ‏اليها محاور بيسان ( جنوب طبريا) ، وميناء العقبة المكشوف ‏ومنطقة وادي عربة والبحر الميت – غور الصافي – الكرك ، ‏وكلها تؤدي الى العاصمة (عمان) التي لم يكن يوجد قوات كافية ‏للدفاع عنها .‏
 
بعد تحليل الارض وجه القائد الاعلى الحسين رحمه الله انه لا بد ‏من الدفاع عن المناطق التعبوية المهمة : جنين – نابلس – رام ‏الله – القدس – الخليل وكذلك الدفاع عن محور بيسان - اربد ‏وميناء العقبة في الضفة الشرقية .‏
 
وقد اخذ الملك حسين في الاعتبار العامل السياسي والنفسي في ‏تخطيط الدفاع عن الضفة الغربية ورفض التخلي عن اي جزء ‏من الارض العربية بصرف النظر عن اهميته العسكرية ‏‏(التعبوية) بدون قتال .‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد