سوريا في ضمير باب الحارة و دريد لحام

mainThumb

23-02-2016 10:50 AM

تثور زوبعة إعلامية هجومية حول الفنان دريد الحام وغيره لموقفهم من الأحداث في سوريا؛ وأخذ ‏عليهم المعارضون مساندتهم للنظام السوري، وبالرغم أن ما قالوه حق شخصي لهم يقع في ‏باب حرية الرأي، لكني أرى فيه أيضاً دعماً لوحدة سوريا وشعبها كذلك، باعتبار أن النظام ما زال ‏يقبض على خيوط الشرعية الدولية، وتتفاوض معه كل الدول من خلال مبعوثي الأمم المتحدة ‏وما زال يملك القدرة على التعاون وإبرام المعاهدات مع الدول الكبرى كروسيا.  وهذه المواقف ‏عبر عنها العديد من الفنانين وليس دريداً فقط.  وورد مثل هذا الدعم في الأعمال الفنية ‏الشهيرة كباب الحارة مثلاً.  فوحدة سوريا أرضاً وشعباً هي هاجس كل السوريين والحريصين ‏على هذا الطود العربي حتى لا يلحق بجاره العراق وإن كان هذا النظام  في سوريا يتحمل جزءاً ‏لا بأس به من المسئولية عن ما حدث للعراق.  ‏
 
لقد جَبَّتْ الأغنية التي ختم بها المخرج لمسلسل باب الحارة حلقته الأخيرة كل أخطاء ‏المسلسل الفنية فغفرنا له ما قد سبق.  أريد هنا أن أتوقف عند المشهد الأخير لباب الحارة ‏عندما جاء الضابط الفرنسي ليهدم باب الحارة؛ نظر أبو عصام إلى منافسه على الزعامة (أبو ‏ظافر) وسأله رأيه فقال أبو ظافر  ( على أرواحنا يا ابو عصام ) وجثوا جميعاً على ركبهم متحدين ‏للوقوف بوجه الفرنسي المحتل.  ثم جاءت الأغنية الختامية حارتنا كرامتنا لتسدل الستار على ‏مشهد وحدوي لجميع السوريين.  وفي الحقيقة لو لم يكن في هذا المسلسل إلا هذا المشهد ‏لكفاه، وهذه هي المرة الأولى التي أشعر بها أن هذا المسلسل قد قال شيئاً مفيداً ‏لمشاهديه.  ‏
 
ونعود  للفنان القدير الأستاذ دريد لحام فأوجه السؤال لكل من أخذ على الأستاذ دريد هذا ‏المأخذ:‏‎ ‎‏ أين يجب أن يقف غوار؟ ومع أي جهة؟ ومع أي فصيل يقاتل في سوريا؟ أيقف مع النصرة ‏أم الجيش الحر أم داعش أم أم أم.  سيقول المهاجمون يجب عليه الوقوف مع الشعب. هنا يجب ‏الملاحظة أن ما يحدث بسوريا يختلف عن كل أشكال ما يسمى بالربيع قبل سوريا. لا يوجد في ‏سوريا حراك واحد ضد النظام مطالباً بإسقاطه أو إصلاحه؛  إنما مجموعات تتقاتل لتبحث عن ‏موطئ  قدم لتصبح منطقة نفوذ لاحقاً في سوريا.  لهذا اختار الفن أن يبقى مع ما تبقى من ‏شرعية واضحة في سوريا وهو النظام والجيش.   ويعرف الاستاذ دريد صعوبة المركب الذي ركب ‏ولو أراد الإعلام وبريقه لاختار  الأسهل وهو الهروب من سوريا ويحل ضيفاً على إحدى القنوات ‏ويحصد الملايين حسب قوة شتمه للنظام؛ فالدفعات ترتفع بارتفاع وتيرة الشتم وكل شي ‏بحسابه.‏
 
لا أكتب فزعة للأستاذ دريد ولكني أتخوف من نفس الأصوات بخصوص  ما يجري في بلدي لا ‏سمح الله؛ فلو أننا في الأردن تعرضنا لما تتعرض له سوريا، فأين سنقف؟  أعيد التأكيد بأن ما ‏يحدث بسوريا مختلف عن مصر أو تونس.  هي مجموعات تتصارع فلا تعرف الشريف من الحرامي ‏فأين سنقف؟ وهل سيعاب علينا الوقوف مع النظام أو الجيش الذي سيكون من أولوياته محاربة ‏أعداء الداخل بنفس قوة محاربة أعداء الخارج.‏
 
لا أبرئ النظام وأحمله كامل المسؤولية عن تهجير هذه الملايين العديدة من السوريين الأبرياء ‏خارج سوريا، ولكن وبنفس القوة أتهم باقي القوى المعارضة للنظام بأنها كانت له عوناً رغم أنه ‏يحاربها بقوة وشراسة أينما تواجدت بغض النظر عن تواجد المدنيين أو لا.  فكل الأطراف لها يد ‏بهذا التهجير إضافة طبعا لسماسرة الهجرة التي تترعرع وتزدهر عادة في الحروب.  ‏
 
هذه الأيام أنا قلق جداً على وحدة سوريا أكثر من  قلق الأمين العام للأمم المتحدة: لقد كنت ‏ومن بداية الحرب الداخلية في سوريا أقول "ما لنا ولسوريا" وأقصد بهذا التعبير  التدخل بسوريا ‏خاصة بريا.  أما الآن فأجزم أننا يجب علينا شعباً وحكومة أن يكون لنا دور فعليٌ للحرص على ‏وحدة سوريا أرضاً وبلداً لأن فيه وحدة للأردن.  شخصياً لست مقتنعاً لا بربيع ولا بحقوق شعوب ‏تطالب بحريتها مروراَ بهذه الفوضى التي نعيش.  ما يجري في سوريا هو حرب إسقاط للبلاد ‏قبل الأنظمة، وتفتيت للدول وتقسيم للشعوب.  لا ننكر طبعا أن هناك الكثير من  الأمور التي ‏يجب أن تجلس الأطراف سوية لحلها ولكن ومع الأسف هذا التعنت الداخلي المدعوم خارجياً ‏كلٌ من جهته لا يقل خطراً عن بلدوزر الانتداب الفرنسي لهدم الحارة.  تأخذ كل طرف العزة ‏بالإثم بعد كل انتصار زائف فيتمترس خلف نشوة هلامية فيصر على عنجهية تجعله يظن نفسه ‏قاب قوسين أو أدنى من التربع على عرش الشام  أو القضاء على خصمه فيستمر في غيه، ‏ويستمر السقوط. ‏
 
فهل ستضع القوى المتصارعة كلها يدها بيد الآخرين على طريقة (أبو عصام وأبو ظافر بباب ‏الحارة) ليصيحوا  بصوت واحد  ( على أرواحنا يا ابو عصام ) لتقف العرب خلفهم داعمين مؤيدين ‏مباركين؟ أم هل تأخروا وتأخرنا عن طرحنا؟ إن ما يحدث في الشام إلى جانب الكثير من ‏الفوضى هو محاولة البعض من أبنائها الغيارى للوقوف ضد من يحاول تدمير الشام تاريخاً وحضارة ‏قبل النظام.  فلا يمكن لعاقل أن يتصور أن يكون وراء إصرار كل الأطراف على عدم التفاهم إلا ‏الإصرار  على تدمير الشام  نفسها.  ‏
 
حفظ الله الشقيقة الجارة سوريا ‏
 
حفظ الله الأردن حفيد الثورة العربية الكبرى من كل شر. ‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد