ويسألونك عن الموازي .. ‏- عمر العساف

mainThumb

14-03-2016 09:26 AM

في الرمق قبل الأخير من القرن الماضي، كنت أغطي قطاع التعليم ‏والتعليم العالي لصحيفة "الرأي" أيام عزها، (لقد هرمنا)، كنت في ‏المصعد صحبة رئيس الجامعة الاردنية آنذاك، سألته: هل ستطبقون ‏نظام البرنامج الموازي؟ سرح لبرهة قبل أن يجيب: "الموازي هو ‏انتهازية الدولة حيال أبنائها".. ثم نظر إليّ نظرة مغزاها.. (حكي ‏الأسانسير مش للنشر). ‏
 
بعد عام، لحقت الأردنية بـ"اليرموك" و"العلوم والتكنولوجيا"، وأقرت ‏برنامج الموازي ليرفد الجامعة بما يغطي جزءا من التزاماتها. ‏
 
كانت "الأردنية تطبق آنذاك "البرنامج الدولي" الذي يدر عليها دخلا ‏مقبولا، قبل أن تبدأ الحكومات المتعاقبة تنفيذ سياسات بعيدة المدى ‏لرفع أيديها عن المرافق الخدمية ورفع الدعم بمختلف أشكاله عن ‏المواطنين، بدءا من حكومة عبدالكريم الكباريتي التي رفعت عام ‏‏1996 الدعم جزئيا عن الخبز، مرورا بإنقاص الدعم تدريجيا عن ‏الجامعات الرسمية وتركها وحيدة تتناهبها المديونية والمشاريع المعطلة ‏وغير المكتملة (حكومات عبدالسلام المجالي (الثانية) وفايز الطراونة ‏‏(الأولى) وعلي أبوالراغب). ‏
كان هذا يجري فيما الأردن يسابق الزمن لدخول النظام (الرأسمالي ‏الأميركي) العالمي الجديد عبر بوابتي (الخصخصة) والانضمام ‏لاتفاقية منظمة التجارة العالمية (العام 2000) متكئة على مجالس ‏نواب هزيلة، غاية وجودها تمرير السياسات الحكومية  على حساب ‏المواطنين (حتى الآن). ‏
 
ومقابل تراكم مديونياتها (ليس هنا مقام تبيان أسبابها) كانت الجامعات ‏الرسمية تزيد أعداد الطلاب المقبولين على البرامج الموازية، بوصفها ‏المنجم الذي يدر ذهبا، مستغلة تحديد أعداد الطلاب المقبولين على ‏قوائم التنافس، والقوائم الاستثنائية (مكرمات الجيش والمعلمين ‏والمخيمات (مجموعها 25 بالمئة تقريبا من المقاعد المتاحة)  والبادية ‏والمدارس الأقل حظا (10 بالمئة).‏
 
وبذا، كانت مقاعد الموازي، والدولي، تأتي خارج الحسبة، بلا رقيب ‏ولا حسيب، وبعيدا عن إيلاء النظر إلى تأثير ذلك على مستوى التعليم ‏الجامعي الذي بدأ يتراجع لأسباب عدة، منها إتخام التخصصات بأعداد ‏كبيرة من الطلبة، وهي المعضلة التي واجهتها، وما تزال، هيئة اعتماد ‏مؤسسات التعليم العالي، التي صدر قانونها عام 2007 مع الجامعات ‏الرسمية، وتحديدا في التخصصات المطروحة قبل ذلك التاريخ.‏
 
تساؤلان كانا يطلان آنذاك على استحياء الأول: هل كان الطلبة ‏المسجلون في البرنامج الموازي سيضطرون إليه لو ألغيت ‏الاستثناءات؟ والآخر، وبحدة أقوى: بما أن الجامعات الرسمية قادرة ‏على استيعاب طلبة الموازي في تخصصاتها، فلماذا لا تتوسع  في عدد ‏الطلبة المقبولين تنافسيا لتشملهم، خصوصا أن معدلات جميع المقبولين ‏في الثانوية العامة، هي فوق الحدود الدنيا المقررة للقبول، بل إنها ‏صارت تنافسية داخل إطار الموازي ذاته. ‏
 
التساؤل الأول كان يدخل في باب المحرمات، لأن التهم جاهزة في ‏وجه كل من يفكر في طرحها (التخوين والتنكر لتضحيات أفراد الجيش ‏العربي والنفس الإقليمي). ‏
 
وهنا، لا خير فينا إن لم نقُلها، وإن كان الأجدى طرق هذا الموضوع ‏لوحده، لكن، درءا لنوايا المتصيدين الذين يزايدون ويخونون بالمجان، ‏أقول: افراد الجيش العربي والاجهزة الامنية، وكذلك المعلمون، هم ‏حبات العيون، وأهلنا ابناء المخيمات الفلسطينية مكانهم سويداء القلب.‏
 
غير أن "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق ‏والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين".. كما أنه "تكفل ‏الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ ‏الفرص لجميع الأردنيين"‏‎.‎‏ وفقا لمنطوق الدستور وروحه.‏
 
وعلى هذا، لا يفترق ابن العسكري أو رجل الأمن عن ابن عامل ‏النظافة أو ابن المزارع او الممرض ... وأي أردني شريف (أنثى ام ‏ذكرا) يعمل من موقعه في بناء هذا الوطن الذي نعشق في الحق ‏بالمساواة في التنافس وفقا لمعدلاتهم في امتحان الثانوية العامة (وهذا ‏الأخير يحتاج وقفة مطولة).  ‏
 
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال انه يجب ان يُترك أبناء العاملين في ‏الجيش والأجهزة الأمنية (ملح الأرض) هكذا، وكلنا يعلم أن ما يتقاضاه ‏آباؤهم بالكاد يكفيهم مؤونة العيش، فيما هم يبذلون أرواحهم على مذبح ‏الوطن، في زمن  تضخم دور دعاة "الخصخصة" و"العولمة ‏الأميركية" و"أصحاب البزنس واقتصاد السوق" و"العيارين ‏والشطار".. ولن أقول "الفاسدين".‏
 
يجب على الدولة أن تؤمن جميع أبناء المقبولين في الجامعات من أبناء ‏العسكريين والمعلمين بمنح دراسية، تفي ولو جزءا من أفضال آبائهم ‏علينا جميعا وعلى الوطن، وتحمل عنهم الأعباء والكلف المالية ‏لتدريسهم.‏
 
هذا رأي شخصي، لا علاقة له بالحراك الطلابي (الذي لم يطرح هذه ‏المسألة أبدا) ولا بأي جهة كانت، وحتى لا يتخذه أحد حجة للطعن ‏والمزايدة، فلنضعه جانبا، لأنه يحتاج الكثير من الدراسة والبحث ‏ومناقشة البدائل والطروحات الممكنة. ‏
 
اما أبناء العشائر والمدارس الأقل حظا، فأتساءل.. كيف إلى الآن ما ‏يزال أبناء بوادينا يعانون من عدم  تلقي التعليم الكافي المساوي في ‏الجودة لأبناء المدن والحواضر.. بعد نحو تسعين عاما من عمر هذه ‏الدولة التي علم أبناؤها أبناء دول الخليج العربي، التي تقدمتنا لاحقا ‏بأشواط في جودة التعليم، وإلى متى تبقى هناك مدارس أقل حظا؟ ومن ‏المسؤول؟ .‏
 
 
للعلم، مكرمة المدارس ذات الظروف الخاصة (أو الأقل حظا)، أقرت ‏عام 1995، على ان يتم تصويب أوضاع تلك المدارس لتساوي ‏نظيراتها في البنى التحتية والتعليمية والكوادر البشرية، خلال خمس ‏سنوات، إلا أن واقع تلك المدارس بقي على حاله، لتلحق بها ايضا ‏مدارس أخرى وتصنف بأنها أقل حظا.‏
 
عودا إلى الموازي.. وعلى رغم عدم رغبتي في دخول لعبة الأرقام، ‏التي هي وجهات نظر، إلا أن الواقع يقول أن طلبة "الموازي الذين ‏يشكلون 30 بالمئة من أعداد الطلبة، يضخون لجامعاتهم 500 مليون ‏دينار سنويا، ليسدوا الكثير من العجز المالي لدى هذه الجامعات، في ‏الوقت الذي تنسحب الدولة من أداء التزاماتها حيالها. ‏
 
لو أن ما تجبيه الحكومة من رسوم وضرائب باسم الجامعات يصل ‏إليها، لكفتها مؤونة رفع الرسوم من آن لآخر. ولو أن هذه الجامعات ‏بما تمتلكه من خبرات وإمكانات، تبتدع أساليب ومشروعات ‏واستثمارات، لخففت على الطلبة وآبائهم وابتعدت عن سياسة "الرفع ‏النسورية".. لو!.‏
 
لست من طبقة الأغنياء، وإنما الوسطى المنحدرة بتسارع نحو الفقر، ‏بفضل سياسات حكومتنا الرشيدة التي تبتدعها في الإفقار، ولا أعرف ‏طالبا يدرس ضمن "الموازي" إلا ووالده "مسخمط" يلهث ليل نهار ‏يبيع ما تبقى له من إرث، ويستدين، ليحقق حلم فلذة كبده ويؤمن له ‏تعليما جيدا.. ‏
 
طلبة الموازي الذين أعرفهم، آباؤهم ليسوا أغنياء، لكنهم كما ‏آباؤنا"بدوا وزنوجا وفلاحين"، قدموا كل ما يستطيعون ليؤدوا واجبهم ‏حيالنا.. فلنتق الله فيهم وفي الوطن. ‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد