المهر المؤجل بين الإفتاء والقضاء الشرعي

mainThumb

11-04-2016 09:15 AM

فجَّرت الفتوى بجواز مطالبة ورثة المرأة للمهر المؤجل للزوجة في حالة وفاتها بعد سؤال وُجه ‏لدائرة الإفتاء بهذا الخصوص التساؤل عن ماهية المهر المؤجل وحالته بين الشرع والعُرْف؛ ‏وأقصد بالعُرف هو ما تعارف عليه الناس أنه يُدفع للمرأة في حالة الطلاق فقط؛ فلم نسمع ‏بمهر مؤجل دُفع للزوجة في حالة وجودها في بيت الزوجية أو في حالة وفاتها بوجود الورثة ‏المباشرين من زوج أو أولادٍ.  ‏
 
الجديد في الأمر هو في حالة مشابهة لموضوع السؤال الموجه لدائرة الافتاء عندما تذهب ‏العائلة كلها صغيراً وكبيراً والعائل والمعال ولم يبقى إلا الورثة من بعيد.  فجاء الجواب على ‏جواز المطالبة به من قِبَل الورثة الذين ربما لم يزوروا هذه الزوجة حتى بالعيد.  وعندها تذكرتُ ‏هذا الكرم الحاتمي الذي يقوم به العريس أو بعض الحضور  في الاستجابة لطلبات أهل ‏الزوجة في موضوع المهر المؤجل.  أعتقد جازماً أنه لو أدرك المعنيون هذا الموضوع وأبعاده ‏لسارعوا بإتمام  المهر كاملاً دون ما يسمى المؤجل؛ وعندما كانت تثار الاسئلة عن ارتفاع ‏المؤجل يجيبك الحضور بمن فيهم أهل الزوجة بأنه ( الله لا يجيب خلاف) ولن يحتاج الزوج ‏للمؤجل وكله كلام على الورق. ‏
 
هنا يبرز السؤال حول المثل القائل ( قاعد للي بموت جوزها) ونُحَوِره (قاعدين لما تموت ‏بنتهم) فيطالب القاعدون أهل الزوج الميت ليقوموا بدفع المهر المؤجل للورثة حتى لو ‏اضطرهم الأمر لبيع الممتلكات.  وهذا طبعا ينسحب على كل من تتوفى زوجته إذا لم يوجد ‏الزوج أو الأولاد؛ وإذا كان الوالدان أو أحدهما على قيد الحياة وخلفهم من يحفزهم للمطالبة ‏سيجعل  من مقولة (الله لا يجبب خلاف) في مهب الريح. ‏
 
أريد هنا الانتقال لموضوع القضاء الشرعي  ولا أدري إن كان عادة يأخذ بالفتوى أو بالعُرْف كما ‏سمعت مرة ببرنامج أسألوا أهل الذكر مع الدكتور نسيم أبو خضير على لسان أحد القضاة ‏الشرعيين بوجوب أخذ العُرف بعين الاعتبار حيث قال كثيراً ما نسمع بالمطالبة برفع المؤجل ‏حتى لا يُطلق الزوج الزوجة.  وأعتقد أنه يجب الأخذ بهذا الأمر طبعاً أو تنبيه الناس للتوصل ‏لطريقة معينة تنهي هذا القضية بحيث تذكر بالعقد عند إجرائه؛ وكذلك بضرورة أن يكف ‏الحضور عن التبرع من جيب غيرهم. ‏
 
لم نسمع بدفع المؤجل لا في الحياة أو الموت وهذه الفتوى هي الأولى التي أسمع بها ‏فعلاً.  ولكن الحذر أننا يجب أن نتدارك هذا الأمر قبل أن تنفتح شهية النائمين على جنوبهم ‏بالمضافات لدفع الناس لأن تقوم على بعضها مطالبة بمؤجل بناتها المتوفيات.  وهنا تذكرت ‏سؤالاً مهماً : ماذا لو كانت تركت الميت لا تغطي المهر المؤجل الذي وضع بلحظة كرم ‏حاتمي؟ هل يغرم الورثة ويستدينوا  لسداد هذا المؤجل؟ ‏
 
لا نتدخل بعمل الافتاء أو القضاء ولا بالشرع طبعا ولكنني أدق ناقوس الحذر من مشاكل ‏اجتماعية قائمة يمكن تداركها.  وبمناسبة العُرف يطيب لي أن أتذكر موقفاً وضعنا فيه الشيخ ‏محمود غريب رحمه الله في أحد دروسه بعد صلاة الجمعة؛ فاجأنا الشيخ بالسؤال التالي ‏باللهجة المصرية : ( واحد آل لمراته إن طبخت لحما على الغداء فأنت طالق، وعندما حضر ‏الغداء وجدها قد طبخت سمكاً.  فهل تطلق  زوجته فقلنا  جميعا لا تطلق.  فضحك وذكرنا ‏بالآية الكريمة "وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ‏وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.  النحل 14".   فقلنا إذا تطلق؛ ‏فضحك وقال لا تطلق لأن العرف لا يعتبر السمكَ لحماً.)  وعلى هذا الأساس يعتبر الناس ‏المؤجل استحقاقا عن الطلاق فقط.‏
 
‏  وعلى العموم القضية الآن أضعها بين أيديكم للخروج من هذا المأزق الحقيقي الذي يقع ‏فيه الأزواج من حيث لا يشعرون: واقصد بوضع بند في العقد حول هذا المؤجل بكيفية ‏استحقاقه أو تغيير  مسمى هذا المبلغ لتخرج من كونه مهراً كأن يكون شرط جزائي يستحق ‏عند الطلاق.  زمان كان المهر ديناراً والمؤجل خمسة ألاف والآن تضاعفت ومن وقع تحت ‏سكين الطمع  فالله وحده أعلم بالنتيجة. ‏
 
ختاماً  يجب علينا الأزواج أن نحسن خطنا ونساير زوجاتنا لأننا كلنا مدانون لزوجاتنا وإذا غضبت ‏الزوجات فالويل للأزواج المساكين. ‏
 
الأمر بين أيديكم سماحتكم.‏
 
Alkhatatbah.blogspot.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد