أثارت قضية الرسائل المتبادلة بين رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب الأردني حفيظة المواطنيين واستيائهم، وذلك من جانبيين الأول: المضمون الذي تحمله هذه الرسائل، والثاني: الأسلوب الذي كتبت فيه هذه الرسائل، وذلك بحسب ما تداولته الصحف ومواقع التواصل الإجتماعي.
ومن المعلوم أن مجلس الوزراء ومجلس النواب من السلطات الوطنية الرئيسية في الوطن، ويعتبران من مقومات وأصول الإنجازات التي يفخر بها المواطنون من حيث التأسيس والدور الذي كلفا بالقيام به وفقاً لما نص عليه الدستور الأردني، لا من حيث الأشخاص الذين يتولون هذه المناصب ولا من حيث الأداء للأشخاص، لأن الأشخاص وأدائهم متفاوت ومختلف فلا يتساوون في الإنجاز، فالاعتزاز المتفق عليه بلا شك بين المواطنيين هو بوجود هذه السلطات لا بالأشخاص الذين يتولونها ولا بأدائهم فالأشخاص وأدائهم ليسا محل اتفاق وقبول عند المواطنيين.
والواجب على من يتولون ويعملون في هذه السلطات أن يحفظوا هيبتها ووقارها من الإهانة والإزدراء والسلوكات والتصرفات التي قد تفقدها هيبتها عند المواطنيين، وذلك لأن ما تم تداوله من رسائل تنسب لرئاسة السلطتين لا ترقى للمستوى الذي يليق بالسلطتين.
وإن المضمون الذي حملته تلك الرسائل يعتبر استفزازاً للمواطنيين وهم يرون كيف تتم التعينات بطريقة المحاصصة خارج الأصول القانونية المعروفة للتعينات، خاصةً وأن بعض النواب نشروا على صفحاتهم في مواقع التواصل الإجتماعي أن لديهم مستندات ووثائق وأسماء ومعلومات عن مخالفات في التعينات، ولعل المثل الشعبي الذي يقول:" ما شافوهم وهم يسرقون، وشافوهم وهم يتقاسمون" ينطبق على مثل هذه القضايا.
فلماذا الصمت من أصحاب العلاقة في قضية الرسائل المتبادلة بين السلطتين؟ ولماذا لا يكون هناك تصريح يكشف بوضوح ملابسات هذه الرسائل؟ احتراماً لمشاعر المواطنيين المعنيين بالقضية، حتى وإن كان التصريح دبلوماسياً، فأعرافنا تتطلب تصريحاً ولو مجاملةً وتطيباً لخواطر المواطنيين، جانباً من الذوق ومراعاة المشاعر.
ومن السلوكات التي من شأنها أن تؤثر على هيبة تلك السلطات ما حدث من تصرفات بعض ممثلي الشعب من حلبات مصارعة وحلبات ملاكمة وتبادل للشتائم فيما بين الأعضاء في الكثير من الجلسات التي كانت تعقد والمواطن يشاهد ويتأفف لما يراه من النخب الذين يفترض بهم أن يكونوا على قدر من الاتزان وحسن الحوار يرقى للمنصب الذي يمثله إن لم يكن يرقى لطبيعة الشخص ذاته، فنائب يشتم زميله وآخر يصرخ وآخر يقول مخاطباً لهم " أنتم أكاليين نكاريين" وآخر يقول أنتم كذابوان وأنا أكذب واحد فيكم" وغيره يقفز عن من خلف المنصه وآخر يمد يده بالضرب وغيرها من التصرفات التي شاهدها وسمعها المواطنون ونقلتها وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي.
فسقا الله الممثلين السابقين للمواطنيين الذين كانوا هيبةً ووقاراً واتزاناً في الشخصية وقوةً في الأداء، فعلى سبيل المثال من المجالس النيابيه التي تعتبر نموذجاً للاتزان الشخصي والوقار لذوات النواب وكذلك القوة والأداء ( مجلس النواب الحادي عشر والرابع عشر) حيث الشخصيات المتزنة والأداء والقوة من كل الدوائر الإنتخابية على مستوى الوطن الذين كانوا يصلحون وجاهةً لقضايا عالمية فضلاً عن القضايا والأعراف الأردنية ولكن للأسف نواب بعض المجالس اليوم لا يصلح لأن يقود جاهةً شعبية لأبسط القضايا.
فلا تدخلوا المواطنيين في مشاكلكم الشخصية على تقاسم مناصب ووظائف الوطن، ولا تستفزوهم بتصرفاتكم على أنه مزرعة تتقاسمونها بينكم وبين أبنائكم، فالمواطنون يكفيهم ما هم فيه من الشدة والصبر، حلوا مشاكلكم واتركوا الوطن والمواطنيين بحالهم وكفوا عن الاستفزاز وإفقاد السلطات هيبتها، فالوطن يواجه العديد من التحديات المحيطة به، والتاريخ يسجل ولا يرحم والمواقف تحفظ لأهلها.
فأملنا بقيادتنا الهاشمية الحكيمة أن تضع حداً لمثل هذه التجاوزات، وإذا رأوا الجدار ينقض أقاموه بلا أجر.