‎ ‎غياب الدولة وهيمنة السفيرة الأميركية‎ ‎

mainThumb

21-04-2016 11:26 AM

كما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، كذلك السياسة لا تقبل الفراغ ‏أيضا، وفي الأردن فراغ واضح لكل ذي بصر وبصيرة، ‏يلازمه قمع واعتقال وتهميش ورفض للحوار ووأد ‏للديموقراطية والحرية بحجة توفير الامن والأمان، ولم يبقى ‏منها الا العناوين للاستهلاك الإعلامي والخارجي فقط التي لا ‏تسمن ولا تغني من جوع‎.‎

 
فراغ كبير يعززه الغياب الدائم للمسؤولين بالسفر بحجة مؤتمر ‏هنا او لقاء هناك ومباحثات هنا او وساطة هناك، واتخذوا من ‏الأردن محطة للتزود بالوقود والنقود ليس الا، وكأن بلادنا ليس ‏لها سفراء، ونرى كل مؤتمر وحركة تحتاج الى هذه الطوابير ‏من السفر والانفاق والمياومات والمصروفات والنقاهة والتنزه ‏والاستجمام والتمتع بملذات الحياة واتعاب السفر خارج القانون، ‏على حساب الاردنيين ودافع الضرائب الغربي والعربي الذي ‏تقدمه دولهم مساعدات مادية الى الدولة بالأردن والتي لا يستفيد ‏الشعب منها شيئا؟ ما يجعلنا نسأل: ترى لماذا يتم تعيين سفراء ‏في الخارج وهم يكلفون خزينة الشعب ما لا طاقة لنا به .‏
 
إزاء هذا الفراغ ، تحركت السفيرة الأميركية السيدة اليس ويلز، ‏لتملأ الفراغ ،وتتواصل مع الناس الاطلاع على حاجاتهم ‏والدوائر والمشاريع والمحافظات وهي لا تتحرج من كثرة او ‏قلة اعداد من تلتقيهم او يستقبلونها ولا تحيط نفسها بحرس مدجج ‏‏.‏
 
‎       ‎بعكس ما هو عليه حال المسؤولين بالأردن الذين ‏يشترطون عند اللقاءات دعوة اشخاص بعينهم يتم انتقاؤهم على ‏الفرازة شريطة الا يكون منهم معارضا او متنورا او صاحب ‏فكر او راي حصيف، وانما يجب ان يكون من فئة التنابلة ‏الموافقون على كل شيء (لا اريكم الا ما أرى وما اهديكم الا ‏سبيل الرشاد).‏
‎  ‎
‎ ‎ورغم تحفظنا على نشاطات السفيرة الأميركية السيدة أليس جي ‏ويلز ، الا انها استطاعت ان تبرهن وتثبت وجودها وان تنضم ‏الى قائمة سفراء مهمين في تاريخ الأردن ساهموا في تغيير ‏تاريخه كثيرا لأنهم كانوا يفعلون مثلما تفعل السفيرة بالانفتاح ‏والتواصل التلقائي مع الأردنيين في ظل غياب المسؤولين ‏‏(بالأردن) عن الساحة‎.‎
 
‎    ‎كما انها تظهر بملابس محدودة ، وهذا ما يجعل الكثير ‏يحترمها لأنها جاءت لتعمل ، فهي ليست ممن لا تظهر باللباس ‏الا مرة واحدة مهما غلا ثمنه، لأنه من مالها وليس من دماء ‏الشعب وضرائب الدول المانحة‎. ‎
 
‎    ‎كما ان تظاهرها بالتواضع والبساطة يتفق مع طبيعة ‏الأردنيين في انهم شعب طيب وبسيط لكنه عميق وذكي وراقي، ‏فهي لا تأتي بالكلاب البوليسية لإرهاب الأطفال واتهامهم سلفا ‏انهم أعداء ومخربون وارهابيون، بل نراها تقف مع الجميع ‏وتتحدث إليهم وقفة الواثقة وحديث الواثقة وكنت أتمنى ان يكون ‏في بلدي شخصية بتواضعها ومصداقيتها‎.‎
 
اعود للقول ان هذه السفيرة انضمت الى كوكبة من السفراء ‏السابقين بالأردن، الذين نحتوا لأنفسهم مكانة في ذاكرة التاريخ ‏الأردني، ولتذكير الأجيال الحاضرة نذكرهم على النحو التالي
‎1 = ‎العقيد فريدريك بيك (بيك باشا) قائد الجيش الأردني ‏والشرطة والدرك فيما بين   1411923- 351939 -، ‏وهو مؤلف كتاب تاريخ شرق الأردن وقبائلها‎ Jordan   ‎History and Tribes    ‎نقله إلى العربية بهاء الدين طوقان ‏‏(القدس، 1935 م‎)  ‎
‎2= ‎الفريق كلوب باشا استلم قوة البادية الاردنية عام 1930 ثم ‏قائدا للجيش الأردني فيما بين     2561939 - 131956 ‏خلفا للبيك باشا وهو صاحب كتب عديدة ومنها: قصة الجيش ‏العربي‎ The Story of the Arab Legion (‎ترجمناه للعربية) ‏وكتاب جندي بين العرب‎ Soldier Among   Arabs ‎وكتاب ‏الفتح العربي الكبير‎ Great Arab Conquest، وقراتها جميعا، ‏وانا كمؤرخ أقول ان كلوب باشا كان أفضل من تسلم قيادة ‏الجيش الأردني يليه ثم حابس باشا المجالي ثم المشير الركن ‏فتحي باشا أبو طالب (19/12/1988 – 4/5/1993 م‎). ‎
‎3= ‎دولة المعتمد البريطاني اليك كركبرايد الذي مكث موظفا ثم ‏معتمدا للحكومة البريطانية بالأردن منذ عام 1917   -1952 ‏وذكر في كتابه (خشخشة الاشواك‎ A Crackle of Thorns) ‎الذي ترجمته شخصيا إلى العربية إن الاتفاق قد تم   لتأسيس ‏امارة في شرق الأردن، لتكون الاردن مستودعا للهجرات ‏الفلسطينية القادمة من فلسطين ليحل اليهود مكانهم في فلسطين ‏‏(أي أن تكون الاردن وطنا بديلا للفلسطينيين وتكون فلسطين ‏وطنا بديلا لليهود).‏
 
كان كركبرايد يدون يومياته وأسماء الشخصيات العميلة له ‏‏(واطلعت على نسخة من بعضها في وثائق جامعة كامبريدج ‏البريطانية)، أقول الشخصيات العميلة التي يمكن لبريطانيا ‏الاعتماد عليها والوثوق بها في الأجيال القادمة، وارتقى أولئك ‏العملاء وابناؤهم واحفادهم اعلى المناصب والمراتب في تكريس ‏للوراثة في المواقع السيادية والسياسية والاجتماعية وغيرها التي ‏لا زلنا نعاني منها‎.‎
 
‎    ‎وهم يعرفون تاريخيا باسم (قائمة كركبرايد) أي العملاء الذين ‏كرسهم كركبرايد في العمالة لبريطانيا الى ان دخلت أمريكا على ‏الخط بشكل كبير وصار مهيمنا في مطلع القرن الحادي ‏والعشرين وجاءت السفيرة الأميركية الحالية لإتمام المشروع ‏الأمريكي ووضع حد لقائمة كركبرايد والقوائم البريطانية لتحل ‏محلها الولايات المتحدة وقائمة اليس ويلز‎.‎
 
‎4= ‎‏ سعادة السفير السعودي السابق الشيخ احمد الكحيمي الذي ‏كان يتواصل مع الأردنيين بجميع فئاتهم وكان بابه مفتوحا لهم ‏جميعا ويلبي حاجاتهم وكان صلة الوصل بينهم وبين دولته في ‏الرياض، فأحبه الأردنيون ولا زالوا يذكرونه بكل خير ‏واحترام، وقد استطاع ان يستميل الأردنيين نحو السعودية وبذلك ‏حافظ على امن الجبهة الشمالية لبلاده من خلال الباب المفتوح ‏والعلاقات الطيبة مع الأردنيين وبأفضل النتائج واقل التكاليف‎.‎
 
‎5 = ‎السفيرة الامريكية الحالية السيدة أليس جي ويلز التي تم ‏تعيينها بالأردن في 28 تموز، 2014‏‎  ‎
استطاعت هذه السيدة ان تنضم الى السفراء المذكورين أعلاه ‏وهي السيدة الوحيدة بين هؤلاء الرجال، وان تحقق ما عجز عنه ‏سفراء بلادها بالأردن من قبل عبر عشرات السنين، وان تكرس ‏الهيمنة الأميركية على حساب الهيمنة البريطانية والأوروبية ‏والعربية في البلاد، اذ لا يجرؤ ولا يستطيع أي سفير عربي او ‏أجنبي ان يمارس نشاطاتها‎.‎
 
‎    ‎ونراها هيمنت على كل مفاصل الدولة والمشاريع ‏والمساعدات والاتصالات الأميركية في دليل واضح على عدم ‏ثقتها باهلية الدولة وامانتها في استخدام المساعدات في مساقها ‏الصحيح، ولكي تضمن وصولها الى مبتغاها، وتتصرف بما ‏يفوق ما كان يتصرفه اليك كركبرايد والبيك باشا وكلوب باشا ‏واحمد الكحيمي،كما انها عالجت اخفاق السفراء الامريكان ‏السابقين ولم تتحرج من دعم المثليين والشواذ ولا من تشكيل ‏المجلس البديل لمجموعة من حملة الجنسية الأميركية المجهولين، ‏وهي ان قالت فعلت وان تحركت اختفت الدولة بالأردن وكأننا ‏في بلاد لا دولة فيها؟؟؟؟؟‎ ‎
 
‎   ‎فالمسؤولون بالأردن يعرفون ان ليس لهم شرعية وان رضى ‏السفيرة الأميركية عليهم هي الشرعية الوحيدة التي يحتاجونها ‏ويستجدونها، لذا فهم يهربون لواذا كما تهرب العصافير من ‏الصقر الحر الجارح. هذه حقيقة لا أستطيع كمؤرخ الا قولها ‏لأنني احترم نفسي ولا احترم هؤلاء المسؤولين‎.‎
 
من هنا، فهم الناس اللعبة والمعادلة في ان السيدة ويلز هي ‏الحاكم الحقيقي والمندوب السامي الأميركي وصاحبة الوصاية ‏والانتداب، وليس اليك كركبرايد ولا كلوب باشا ولا بيك باشا ‏ولا البريطانيين ولا غيرهم، وان سائر المسؤولين لا بد ويأخذوا ‏بركاتها وموافقتها والشرعية منها على كل شيء، لذا وجد الناس ‏ان الأفضل هو التعامل مع صاحبة القرار في البلاد مباشرة ‏وهي السفيرة الأميركية فأصبح استقبالها في المؤسسات والبيوت ‏بمستوى استقبال الرؤساء وأكثر درجة؟؟؟‎ ‎‏.‏
 
‎   ‎لذا فان ما يدور بين المسؤولين والطامعين بالمسؤولية ومنها ‏النيابية او العينية او من يرغب تعيينه سفيرا او مديرا عاما او ‏وزيرا، او صاحب دولة، فانهم يتسابقون لعمل علاقة او اتصال ‏معها او تبعية لها، لأنهم واثقون انها هي صاحبة القرار، وان ‏إشارة منها كافية ان ترفع او تضع من قيمة الشخص؟ كل ذلك ‏لان الطبيعة والسياسة لا تقبلان الفراغ، فانحسرت الدولة ‏وانسحبت وتقدمت السفيرة وهيمنت بجدارة على السفراء جميعا ‏ليس بالنقاط وانما بالضربة القاضية، وتفوقت على من كان ياكل ‏المناسف او يشترك في دبكة (تي رشرش).‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد