‏ أنظمة الاستبداد والفساد والاستعباد ومصيرها‎ ‎

mainThumb

24-04-2016 07:26 PM

تمتد رقعة العالم العربي في موقع استراتيجي لا غنى لقوة عظمى عنه، لذلك فقد تنازعته ‏القوى الاستعمارية وسيطرت كل منها على جزء منه، وصار ما يعرف بحروب التحرير الوطنية ‏لنيل الاستقلال بدل الاحتلال، وبخاصة في الخمسينات والستينات من القرن العشرين .‏
 
ولكن المأساة التي يعانيها العرب هو ان أنظمة الاستقلال التي قيل لنا انها عربية وطنية او ‏قومية، انما هي أنظمة اذلال بدل الاحتلال، واستعباد وفساد واستبداد حتى صار المتنورون ‏المقموعون يتمنون الحرية مع الاحتلال على العبودية مع الاستقلال‎ ‎‏ .‏
شنت الأنظمة الجديدة حروب تطهير عرقية لفئتين من العرب: فئة المفكرين وفئة النخبة ‏المثقفة، بحيث صار كل شعب عربي خاليا منهما، ليتغنى بالأموات من رموزه لان الأنظمة لا ‏تسمح بالأحياء منهم ان يبقوا على قيد الحياة او التواصل مع الناس، وصار أكبر مفكر مشغولا ‏بتوفير رغيف الخبز لأولاده ولا يجده، فهرب كثير منهم الى أوروبا والغرب وأبدعوا بينما لقي ‏الكثير منهم حتفهم جوعا او تحت التعذيب‎.‎
‎  ‎وفي السنوات الأخيرة دخلت صفة ‏الإرهاب على كل من يعارض السلطان ‏وبالتالي يستحق هذا الإرهابي البريء ‏أصلا، ليس القتل بيد السلاطين فحسب بل ‏القتل بأسلحة الدمار الشامل لدى القوى ‏النووية، التي وقعت في فخ وخديعة ‏الأنظمة في العالم العربي، وهي أنظمة ‏صنعت الإرهاب وصارت تخوف الشرق ‏والغرب منه لتحمي نفسها وتقمع أصحاب ‏الفكر والثقافة، وتجد مبررا لها بالاستمرار ‏بالقمع والاستبداد والفساد والاستعباد ‏والقتل والتهجر والتطهير العرقي‎.‎
 
ولو تفحصنا أساليب الحكم في العالم ‏العربي على اختلافها وتباينها، لوجدناها ‏نسخة واحدة وان اختلفت انماطها وبلدانها، ‏وكما انه هناك ولايات أمريكية متحدة فهناك ‏ولاة امريكان متحدون همهم واحد وهدفهم ‏واحد، حيث يتحول الحاكم الى طاغوت يعبد ‏من دون الله وان من يعبده يحصل على ‏امتيازات منفردة له ولأولاده، ونضرب على ‏منهجهم الموحد امثلة‎:  ‎
‎1= ‎الاحتفاظ بالحكم إلى الأبد. ولو كلف ذلك ‏الى التطهير العرقي وقتل مئات الالاف ‏والملايين , المهم الاحتفاظ بالحكم حتى ولو ‏بقي الحاكم وحده بعد إبادة وتشريد شعبه , ‏فالتوريث حل لمشكلة الموت عندما يحين ‏اوانها , لتبقى الأبدية والسرمدية ( حاشا ‏لله ) متحققة للحاكم وذريته لأنهم وزبانيتهم ‏مخلوقات عجيبة ليس مثلها الانس والجن , ‏ويحصلون على  ما يسمونه بالشرعية ‏الزائفة عبر ما يسمونه مفاهيم : البيعة بلا ‏هيبة ولا بيعة  والولاء والانتماء بلا ولاء ولا ‏انتماء والإجماع بلا اجماع   والعطاء بلا عطاء ‏والمكارم بلا كرامة ولا مكارم , ومنع  النقاش ‏السياسي والاجتماعي , وانما القبول بهذه ‏كلها على انها من المسلمات الإلهية‎ ‎‏.‏
 
‎2 = ‎‏ - وصف المعارضة بالإرهاب والعمالة ‏للخارج اما إرهاب الدولة وعمالة النظام ‏للخارج فهو من مقتضيات المصالح الوطنية ‏لان مصلحة الوطن هي مصلحة النظام , ‏مُسجّلين بالمقابل  ان أي فكر تنويري انما ‏هو نمط من الردة الموجب لقتالهم على ‏عقال البعير فكيف يكون القتال على البعير ‏والجمل ما حمل , انه قتال الإبادة , وإغلاق ‏أبواب المستقبل، وان الماضي هو ماضي ‏النظام والتاريخ هو تاريخه والواقع هو واقعه ‏والمستقبل هو مستقبله  , واما الشعب ‏والوطن فهم نكرات ولا يعرفون الا بالحاكم ‏العربي الذي يسخر الأموال للدعاية لنفسه ‏على انها دعاية للوطن‎  ‎‏.‏
 
‎3 = ‎‏ - ولهذا الجوهر تعبيرات معلومة تدل ‏عليه، منها عبادة الحاكم، وتماثيله الخفية او ‏العلنية، وصوره وصور ورثته او عصابته التي ‏تغطي كل مكان وزاوية وتسمية كل شيء ‏في البلاد باسمه واسم اسرته على انهم ‏ملهمون عباقرة وان سائر الناس ليسوا الا ‏عبيدا اغبياء‎.‎
 
 
‎4 = ‎‏ - ومن التعبيرات لتمجيد الأنظمة: ‏الأغاني والاهازيج والدبكات والمسيرات ‏الممنهجة المجبرة بحجة انها عفوية، التي ‏تهتف باسمه وتستنفر لتنظيمها ودفع ‏الناس إليها أجهزة الدولة كلها، والهتاف ‏الصباحي لتلاميذ المدارس ببقائه حاكما ‏إلى يوم القيامة‎  ‎‏.‏
 
‎ - 5 = ‎تصميم وترسيم كل شيء وقانون ‏وتوجيهات وتعليمات وأنظمة، بحيث تعطي ‏الشرعية لكل ما يفعل السلطان   وينهب ‏ويسلب ويعذب ويقتل وهو فوق المساءلة ‏وفوق السياسة والسيادة بل هو فوق ‏الوطن والشعب والدولة وقائدا لكل شيء ‏ولا يحاسب عن فعل أي شيء، بل انه فوق ‏المرتبة البشرية والزمان والمكان أيضا. من ‏حقه التصرف المطلق بكل شيء وتملك كل ‏شيء ومصادرة كل شيء ونهب كل شيء ‏لأنه اعلى من كل شيء والمالك لكل شيء ‏؟؟؟؟؟، مما يبدو معه ان الاحتلال ارحم من ‏هذا الاستقلال‎ ‎‏.‏
 
‎6 = ‎‏ - وعندما يتكلم فهو وكلامه مقدس وما ‏سواهما مدنس بل ان كلام السلطان في ‏العالم العربي اعلى من القانون والدستور ‏والشرائع، لان كل شيء هو مزرعته ‏الخاصة لا يحق لاحد منازعته عليها، فالحلال ‏ما يحله السلطان والحرام ما يحرمه ‏السلطان، انه دين من نوع خاص ما انزل ‏الله به من سلطان، لكنه سلطان انزله ‏السلطان وعلى الجميع السمع والطاعة‎ ‎‏.‏
 
‎7 = ‎‏ - هيمنة وتكريس مبدأ البقاء للسيئ ‏والصعود للأسوأ لكل من يعبدونه من دون ‏الله سبحانه من اجل تشكيل زمرا خرقاء ‏تمسك له البلاد ويجلس على جبال من ‏الجماجم وبحور من الدماء وبساط من ‏الاشلاء وهو غير مسؤول.  لذا يجب سحق ‏الجميع من غير زمرته التي تقوم بهذه ‏المهمات الاجرامية على انهم يفعلون ذلك ‏لتحقيق الامن والأمان والامساك بالبلاد‎ ‎‏.‏
 
فالأبرياء خطيرون على السلطان، والحزبيون ‏خطيرون وكذلك المستقلون، اما أصحاب ‏الفكر والتنوير الثقافي فان لهم الموت كما ‏قلنا أعلاه. والمعارضون الذين يتعذر ‏ترويضهم يُستأصلون اجتثاثا من فوق الأرض ‏بينما يجري بالمقابل ترقية الحمقى والبلهاء ‏من الأتباع والموالين والعبيد والسحيجة ‏والفاسدين واللصوص والجواسيس ‏والمافيات والمجرمين، وهم الأقل كفاءة، ‏ويدينون بفرص ترقيهم لولائهم وتزلفهم، ‏الي ولي نعمتهم السلطان وتتم ترقيتهم ‏وتهميش وتهشيم أصحاب الكفاءة والوطنية، ‏هذا إذا لم تتح للأكفاء لهم فرصة الهجرة من ‏بلادهم‎ ‎‏.‏
 
‎8 = ‎‏ - زرع الجواسيس في صفوف الشعب ‏الذي ينظرون اليه انه قطيع متوحش من ‏الأعداء، ودعم الوشاة والمخبرين وكتبة ‏التقارير، والعمل الدؤوب على تحطيم ‏مجتمع العدو (أي الشعب) بكل السبل، فقد ‏اقترن ذلك بالتحول من رعاية وترقية أصحاب ‏الكفاءة، الى رعاية وترقية الموالين ‏والانتهازيين، ومحاباة عديمي الكفاءة من ‏اللصوص والمهربين والقتلة والمغتصبين، ‏على حساب الوطنيين‎.‎
 
‎9 = ‎‏ - صنع التخلف، والدمار الوطني ‏والحرب على المستقبل ومنعه من القدوم. ‏وحين يأتي الموت للحاكم، فان التوريث ‏يُلغى مفعوله التغييري، فيكون ما بعد ‏الموت كما الحال من قبل الموت، أي انه لا ‏يوجد مستقبل لغير النظام وازلامه، الا ان ‏يأتي الله بامر في خزائنه‎.‎
 
‎ - 10 = ‎فالنظام في العالم العربي لا يتغير ‏طواعية وانما انتزاعا، وهو لا يفاوض ولا ‏يحاور ولا يعطي الحقوق لأصحابها وانما ‏ينتزعها، لأنه لا يؤمن الا بشيء واحد ان له ‏حقوف، ولا واجبات عليه وعلى الشعب ‏واجبات وليس له حقوق اللهم الا المكارم، ‏ولا يقدم الانظمة تنازلات سياسية ولا ‏يرضى أي منهم ان يكون جزءا من الشعب ‏او الوطن بل مالكا للشعب والوطن وانه ‏هبط اليه من عالم الغيب والتميز والفوقية. ‏فإما ان يكون النظام او لا أحد يبقى سواء ‏في السلم ام الحرب، فالمبدأ الذي تطبقه ‏الأنظمة العربية: المسجد للعبادة، والحاكم ‏للقيادة والسيادة، وجيشه للإبادة! .‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد