لماذا فشلت مشاورات الحل السياسي في سورية؟

mainThumb

27-04-2016 09:28 PM

 وفد الرياض يتهرَّب، مجدداً، وينسف المفاوضات السورية من خلال إعلان إنسحابه منها والعودة الى حلفاؤه ‏الخليجيين بانتظار التعليمات الجديدة، المتمثلة بمقاتلة الجيش السوري وحلفائه، كما تجاهلوا تأييد بيان للأمم ‏المتحدة بتثبيت الأعمال العسكرية رغم أن المجموعات المسلحة والقوى المتطرفة يخرقون الهدنة منذ أول يوم من ‏الإتفاق على وقف إطلاق النار، كما‎ ‎يرفضون مقترح الأمم المتحدة بوقف الأعمال العسكرية وكأنهم مستفيدون من ‏الصراع الداخلي، أو كأنهم تجار حروب وسيخسرون في حال توقف الإقتتال، وفي المقابل، فإن خروج بعض ‏الفصائل المسلحة من الهدنة العسكرية والالتحاق بجبهة النصرة، قد طرح أسئلة مهمة حول مدى جدية المعارضة ‏المسلحة في الالتزام بالهدنة ثم بالعملية السياسية.‏

 
من المؤكد أن أمريكا لا يهمها نجاح أو فشل المفاوضات السياسية لحل الأزمة السورية، بل كل ما يعنيها إطالة أمد ‏الصراع وإستمرار المشروع الأمريكي الهادف إلى تدمير وتفكيك سورية من الداخل، وفي إطار ذلك غير ‏معروف إلى الآن، هل ستعود المعارضة إلى المفاوضات في جنيف في العاشر من الشهر القادم، وهو الموعد الذي ‏حدده نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لعودة الوفد السوري إلى جنيف لإستئناف التفاوض؟ أم ‏أن وفد المعارضة سيظل على موقفه في أن استئناف المفاوضات لن يحدث قبل تغير المعطيات السياسية ‏والعسكرية؟.‏
وأمام هذا الوضع كان على دي ميستورا الاختيار بين موقفين، ولأنه لا يتحمل فشل المفاوضات أو حتى تأجيلها ‏بعدما تأجلت المرة السابقة، فقد أعلن أن المفاوضات مستمرة، لكن بشرط تدخل موسكو وواشنطن وبعض الحلفاء ‏سريعاً لاستمرار مفاوضات جنيف، وبطبيعة الحال، فإن وقف وفد المعارضة المفاوضات السياسية، لا يعني أنها ‏لن تعود، فهذا أمر خارج قدرتها لإنه قرار مرتبط بالمجتمع الدولي، ‏‎ ‎كون المعارضة لا تملك أي وسيلة ضغط ‏على المجتمع الدولي سوى الإنسحاب من المفاوضات أو التلويح بالإنسحاب، وفي إطار ذلك سيعود وفد المعارضة ‏المفاوض إلى جنيف، سواء الشهر المقبل أو بعده، فليس مهماً تاريخ معين، بل المهم هي آليات وأهداف التفاوض، ‏وبدون اتفاق المجتمع الدولي على هذه المسائل، ستبقى المفاوضات تراوح مكانها دون أي خطوة الى الأمام‎.‎
 
‏ اليوم  سقط عشرات الشهداء والجرحى في أعنف قصف من قبل المجموعات المسلحة على عدد من أحياء مدينة ‏حلب فضلاً عن التفجيرات التي حصلت في السيدة زينب، معظم الضحايا كانوا من بين الأطفال والنساء، ‏المواطنون بدورهم طالبوا الحكومة بحسم عسكري للقضاء على الإرهاب الذي يطال بلدهم سورية، وطالبوا ‏إستكمال ما بدأوا به الجيش السوري واجتثاث ذلك المد الإرهابي وتطهير سورية من تلك المليشيات التي عاثت في ‏البلاد وهددت أمن واستقرار المنطقة  بأكملها، هذه الخروق دلائل واضحة ان الطرف الأخر، وفد الرياض ‏وحلفاؤهم، لا يريد استقرار هذه التهدئة ويحاول قدر الإمكان أن يكون حجر عثرة امام هذه المفاوضات. ‏
‎ 
من الواضح بات السوريون يدركون جيداً أن صراع الأطراف الدولية والإقليمية في سورية، كان من أهم العوامل ‏التي أعاقت، ولم تزل، التوصّل إلى حل سياسي، فضلاً عن أن المجموعات المسلحة لم تخرج عن كونها أدوات ‏مرتهنة لمصادر التمويل،‎ ‎ففي هذا المشهد المركّب، تتعرض الدولة السورية لتدمير ممنهج، ومن هنا، بات الحل ‏السياسي متفاوت بين أطراف متناقضة ومتصارعة، فالمجموعات الإسلامية المتطرفة ترى أن الحل السياسي ‏ينحصر في إقامة دولة إسلامية، التي تحاول تعزيز وإرساء دعائمها الغريبة المختلفة عن تقاليد وثقافة السوريين ‏وتراثهم الإسلامي المعتدل، أما أطراف المعارضة الخارجية  فإنها تعاني من فشل سياساتها ورهاناتها الدولية، ‏وتلاعب الأطراف الدولية بمكوناتها وآليات إشتغالها السياسية، هذه الأطراف ومن يمثلّها من مجموعات مقاتلة، لا ‏تزال تتمسك بالآليات والأهداف السياسية نفسها التي أثبتت مجريات الأزمة فشلها، ومع ذلك، لا تزال تلك القوى ‏المعارضة  ترى أن المدخل إلى الحل السياسي ينحصر في إسقاط النظام، فيما بعض المجموعات المتقاتلة ترى أن ‏مصالحها تكمن في إستمرار الصراع، ولا يعنيها أي توافق سياسي، أما في ما يتعلق بتيارات المعارضة الداخلية ‏فإن بعض أطرافها تسعى للمشاركة في أي حوار سياسي، وتوافق على المشاركة السياسية أياً يكن مستواها ‏وشكلها ونتائجها السياسية للحفاظ على مستقبل سورية، وعلى الصعيد الآخر تلقت القوى المتطرفة وأعوانها دعما ‏عسكرياً من الدول الغربية وحلفاؤها العرب إذ زودتهم بصواريخ تاو الأميركية الصنع المضادة للدبابات والتي ‏ساعدتهم على صد هجمات الجيش السوري في بعض المناطق، وهناك بعض الدول خاصة واشنطن التي تلعب ‏لعبة مزدوجة في تعاطيها مع ملف الأزمة السورية إذ أنها في العلن تؤيد الحل السياسي، بينما تحت الطاولة تساعد ‏وتدعم المسلحين، والإختلاف الأساسي المتعلق برحيل الرئيس الأسد بين أمريكا والسعودية من جانب وبين إيران ‏وروسيا من جانب آخر، فمجمل هذه العوامل والمعطيات قد تؤخر الحل السياسي السوري وتزيد من تعقد التوصل ‏الى حل للأزمة السورية في القريب العاجل.‏
 
مجملاً... إن سبيل حل الأزمة السورية عند الإدارة الأمريكية وحلفاؤها أن تبقى أزمة ليتم إستخدامها في التهديدات ‏من الإرهاب وبناء تحالفات سياسية جديدة وإعطاء إسرائيل الوقت الكافي لكي تختبر الحقائق على الأرض، ‏فسياسة اللاحسم التي تمارسها واشنطن، تعكس سياسة مقصودة منها لإغراق الجميع في المستنقع التي صنعته ‏داخل سورية، وإنطلاقاً من ذلك أرى أن الحل معقد وشائك ما لم يتم الضغط على كل الدول الشريكة في سفك الدم ‏السوري وحلفاؤها في المنطقة كي يتوقفوا عن دعم الإرهاب والتدخل في الشأن السوري وأن يتركوا سورية  ‏للسوريين للخروج من هذه الأزمة، وبإختصار شديد يجب على الجميع بذل المزيد من الجهود لإنجاح هذا المؤتمر ‏المنتظر عقده لتعزيز الحل السياسي في سورية، فهذا المؤتمر قد يكون آخر فرصة لإنقاذ سورية والمنطقة بأكملها ‏من الفوضى والدمار،وإيصال سورية الى بر الأمان، والحفاظ على وحدتها وتعددية مجتمعها.‏
 
Khaym1979@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد