هكذا تكلم ترامب - هشام ملحم

mainThumb

30-04-2016 09:15 AM

الجدل الواسع الذي أثاره أول خطاب عن السياسة الخارجية يلقيه المرشح الجمهوري لمنصب الرئاسة دونالد ترامب، والذي جاء بعد إحرازه سلسلة من الانتصارات في الانتخابات التمهيدية في بعض الولايات البارزة، عكس من جملة ما عكسه القناعة المتزايدة في أوساط الحزب الجمهوري من أن ترامب أصبح بالفعل، كما يدعي هو "المرشح المفترض" لحزبه. الخطاب المكتوب – وهو أمر نادر لترامب- حفل ببعض المواقف المعروفة له، مثل معارضته لاتفاقات التجارة الحرة، ورفضه للاتفاق النووي مع إيران، وتعهده بالقضاء على تنظيم داعش، وتشكيكه بجدوى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولكنه – كالعادة أيضا- كان يفتقر إلى الوقائع، وتميز بغياب الحلول والبدائل، والأهم وربما الأخطر حفل بالتناقضات، وعكس مفهوم ترامب المبسط للنظام العالمي الراهن، والدور المحوري لأميركا في بنائه.
 
 
 
 
بدأ ترامب خطابه بالتركيز على أن الشعار الذي سترتكز عليه سياسته الخارجية هو "أميركا أولا"، وهو الشعار الذي لوحت به شخصيات أميركية في عقد الثلاثينات من القرن الماضي لتبرير الانعزالية الأميركية ورفض التورط في النزاعات الأوروبية في وجه الحركات الفاشية والنازية التي زجت العالم في أكبر حرب في التاريخ. وبينما يدعو ترامب إلى انعزالية جديدة، فإنه يلزم نفسه في حال انتخابه بزيادة الإنفاق العسكري. ودعا ترامب للعودة إلى التماسك والوضوح الذي ميّز السياسة الخارجية الأميركية خلال فترة الحرب الباردة، ولكنه في الوقت ذاته يريد تقويض المؤسسات والتحالفات الدولية التي كانت أساسا لهذه السياسة وتحديدا حلف شمال الأطلسي (الناتو). وكأن ترامب لا يدرك أن المؤسسات الدولية والتحالفات التي بنتها أميركا أو ساهمت في بنائها بعد الحرب العالمية الثانية مثل الأمم المتحدة والناتو والبنك الدولي وغيرها، هي المؤسسات التي استخدمتها واشنطن لخلق نظام عالمي كانت هي المستفيد الأول منه.
 
 
 
وكرر ترامب انتقاداته المعروفة للرئيس أوباما من أنه يفتقر إلى سياسة خارجية واضحة وذات مغزى أو هدف، ولكن سياسته تجاه تنظيم داعش تفتقر إلى الوضوح، فهو يقول إن أيام داعش "محدودة"، ولكنه لا يريد أن يكشف عن خطته للقضاء على التنظيم، لأنه من الخطأ أن يتوقع الناس ما يمكن أن تقوم به أميركا.
 
 
 
كيف سيتعامل ترامب مع أكبر منافسين لأميركا في العالم: الصين وروسيا؟ عمليا يقول ترامب للأميركيين، ثقوا بي وأنا أعرف كيف أتصرف، وأعرف كيف أتحدث معهما. وما قاله ترامب عن هاتين الدولتين هو بمثابة موسيقى تؤدي إلى النشوة. ترامب أشار إلى أن روسيا عانت من رعب الإرهاب الإسلامي، ورأى أن أميركا القوية والذكية سوف تجد صديقا أفضل في الصين. وكأن ترامب يعتقد أنه من خلال شخصيته ونجوميته قادر على إقناع روسيا بوقف تدخلها العسكري في سوريا أو في أوكرانيا، أو إقناع الصين بوقف سيطرتها على جزر جيرانها وتطويرها إلى قواعد عسكرية.
 
 
 
 
واتهم ترامب الرئيس أوباما بالتخلي عن حلفاء أميركا، ولكنه يقول بأنه سيتخلى عن الحلفاء إذا لم يدفعوا ثمن الحماية الأميركية لهم. ترامب محق بمطالبة دول الناتو بأن تساهم بإنفاق 2 بالمئة من ناتج دخلها القومي لحماية نفسها، ولكنه يتطلع إلى حلف الناتو على سبيل المثال وكأنه مبني على اعتبارات منفعية فقط، ولا يمثل حلفا لدول ديمقراطية، ساعد واشنطن في التغلب على الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، وكأن الناتو لم يتدخل عسكريا في أفغانستان للمساهمة في مكافحة إرهاب تنظيم القاعدة. وهو لا يرى على سبيل المثال أن وجود قوات أميركية في كوريا الجنوبية قد ساهم في ردع كوريا الشمالية، وفي صيانة الاستقرار في منطقة هامة جدا للاقتصاد الأميركي. ترامب ينظر إلى أميركا، كدولة كبرى توفر الحماية لأصدقائها وشركائها مقابل ثمن معين.
 
 
 
 
ترامب محق في انتقاده لغزو العراق (قرار اتخذه رئيس جمهوري) والتدخل العسكري لإدارة الرئيس أوباما في ليبيا، ويرى أن ذلك كان مبنيا على الافتراض الخاطئ بأن أميركا قادرة على إقامة "ديمقراطيات غربية" في دول تفتقر إلى الخبرة أو حتى الاهتمام بأن تصبح ديمقراطيات غربية. ولكنه لا يوضح كيف سيدمر تنظيم داعش أو يحمي الأقليات المسيحية من الاضطهاد دون أي تدخل عسكري؟ ترامب ينتقد الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته السابقة، ومنافسته المتوقعة في السباق إلى البيت الأبيض هيلاري كلينتون لأنهما يتفاديان استخدام عبارة "الإسلام المتطرف"، وكأن استخدام هذه العبارة بحد ذاته سوف يحل مشكلة تنظيمات تلف أنفسها بغطاء إسلامي مثل داعش وغيرها. وخلال انتقاده لدور هيلاري كلينتون في ليبيا، بالغ ترامب، بل فبرك بعض "الحقائق" في ليبيا، مثل ادعائه بأن داعش "يجني الملايين والملايين من الدولارات في الأسبوع جراء بيعه النفط الليبي" ثم يتساءل لماذا لا تقوم أميركا بفرض حصار بحري أو قصف مواقع داعش في ليبيا.
 
 
 
تناقضات ترامب وصلت إلى ذروتها في خطابه حين دعا إلى خطة طويلة الأمد لوقف "تمدد وقدرات الإسلام المتطرف"، ثم يضيف "ويجب أن نعمل عن كثب مع حلفائنا في العالم الإسلامي لأن جميعهم مهددون من قبل عنف الإسلام المتطرف". هل يتحدث ترامب عن رعايا هذه الدول الذي يريد منعهم في الوقت الراهن من دخول الولايات المتحدة؟ ويبدو أن ترامب لم يكن واعيا للمفارقة التي صاحبت خطابه، لأن الذي قدمه للجمهور وعرفه كان السفير الأميركي السابق في العراق وأفغانستان والأمم المتحدة زالماي خليل زاد الأفغاني الأصل، والذي يعتبر أعلى مسؤول أميركي مسلم.
الولايات المتحدة التي يريد ترامب أن يقودها، تختلف جذريا عن أميركا التي عرفها العالم في القرن الماضي: أميركا التي أنقذت أوروبا من النازية والفاشية، ولاحقا ساعدتها في حماية نفسها من الامبراطورية السوفياتية، وتصدت للتوسع الشيوعي في العالم. لو اكتفى ترامب بانتقاد الأخطاء الكبيرة والتصرفات المتهورة لأميركا في العالم بما فيها التورط في حروب مدمرة مثل فيتنام وغيرها، لكان محقا في ذلك. ولكنه يتحدث وكأن أميركا التي يسعى إليها ليست أميركا التي أوقفت مذابح المسلمين في البوسنة وكوسوفو، أو التي وفرت الحماية للأكراد من بطش نظام صدام حسين، أو أميركا التي حررت الكويت من احتضان عراق صدام حسين الأخوي لها في 1990، أو أميركا التي يطالبها السوريون بوقف مجازر نظام بشار الأسد ضدهم، أو أميركا التي أرسلت في السنة الماضية 4 آلاف جندي إلى غرب إفريقيا للمساهمة في وقف انتشار وباء الايبولا، أو أميركا التي ترسل فرق الإغاثة قبل أي دولة أخرى إلى ضحايا الزلازل والفيضانات والتسونامي.
 
 
 
وربما أخبث ما في خطاب ترامب هو ما لم يقله علنا أو صراحة، أي أنه لا يبالي بما تفعله روسيا في سوريا أو في أوكرانيا. في الشرق الأوسط، ترامب يريد "هزيمة الإرهابيين وتعزيز الاستقرار الإقليمي وليس التغيير الجذري". طبعا لا أحد يعارض هزيمة الإرهابيين، ولكن ما يقصده ترامب من بقية ما قاله هو أنه باسم الاستقرار هو مستعد للتعايش مع أنظمة متسلطة بغض النظر عما تفعله هذه الأنظمة ضد شعوبها.
 
 
 
العربية نت


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد