المال وبوابة الجحيم

mainThumb

01-05-2016 09:30 AM

قال ابو عارف: لم يعد بالناس خير!!، أعماهم حب المال وطلب المنصب، حتى ان الكبير منهم زعيم القوم يبيع قومه - ولا اقول مبادئه- لأن مبادئه ثمنها بخيس، يبيعها بالخسيس من المال ولا يبالي بما يراه من إذلال من أهله واخوانه جراء ما اتخذ من قرارات شخصية، ولم يتصرف كقائد لقومه وكصاحب مشورة وعلى اعتبار أن مصير الناس متعلق به، وعليه ان يكون مؤتمناً عليهم.

قال ابو عارف: كان يقول اجدادنا أن أول خراب بلادنا كان من شخص واحد، من أصحاب هذه الصفات السابقة.

وذلك أن الاجداد يروون ان رجلاً غريبا جاء الى مضاربنا وسأل عن بيت كبيرنا، فأوصلناه اليه ومكث عن الشيخ أياماً، لا يسأله الشيخ عن حاله- حسب عادات العرب-، بل يقدم له ما يحتاجه ويمضي، وكان هذا الرجل الخبيث جاء ليبحث عن ثغرة يدخل منها الى بلادنا ويسرقها منا ويبتلع صحارينا ويصادر أعز ما عندنا من قيم نعيش بها ونتميز بها عنهم حتى نعود هملاً متفرقين في الصحاري لا يرثي لنا أحد، حيث كنا في ذلك الوقت نملك بعض القوة والتماسك.

قال الشيخ للغريب: ماذا استطيع ان أقدم لك؟ وماذا تريد منا؟ قال الغريب: لا شيء، فقط أريد أن استريح عندكم اياماً ثم اتابع مسيري الى بلادي.

 بقي الغريب يتابع كل تحركات صاحب البيت، ويستمع لكل حديث يتحدثه، .. كيف يتعامل مع أهل بيته؟ وجماعته وأصدقائه حتى تعامله مع الإبل والغنم والدجاج وحتى الكلب!! الذي وجد فيه ضالته، وتعجب من معاملته مقارنة بالغرب.

ركز الغريب على الكلب، ولاحظ كيف كان صاحب البيت يحتقره، ويقلل من شأنه ويعتبره نجساً لا يسمح له بالاقتراب منه او دخول البيت!! له مكان خارج البيت او في مؤخرة بيت الشعر، لا يأكل الا الخسيس من الطعام ولا يشرب الا الماء المستغنى عنه كماء العجين مثلا الذي يوضع له في مكان خارج البيت في وعاء قميء وفي حرارة الشمس، ولا يأكل الا بقايا الطعام تُرمى له من بعيد، حتى لو لم يكن من طعامه الذي اعتاد عليه فهو مضطر لأكله لأنه إنْ لم يأكله مات من الجوع.

 فرغم ما يقدمه الكلب من خدمات لصاحب البيت، فهو يحرس أغنامه نهارا لا يفارقها ويحرس بيته ليلا دون غفلة، كل هذه الخدمات يقدمها الكلب لصاحبه في الصحراء المقفرة إلا أنه لا يحس بمكانته ويُمعن في اقتحاره في كل مناسبة، بل انه ينسب له أخس الافعال ويصف كل انسان بلا مبادئ ولا رجولة ولا قيم بالكلب ثم هو في نظر صاحبه نجس يحرم لمسه او الاقتراب منه.

رأى الغريب هذا الفعل من صاحب البيت بالكلب، ففكر بامتحان صاحب البيت للوصول الى هدفه من خلال كلبه، ففكر ملياً ثم انّه في بعض جلسات الشيخ في شِقه وقومه يحيطون به، توجه له الغريب بالطلب وقال له اذا سمحت يا شيخ، اريد منك ان تبيعني الكلب الذي عندك.

ضحك الشيخ حتى استلقى على قفاه متعجباً من طلب الغريب الغبي، تحمّل الغريب كل ما سمعه من كلام في مجلس الشيخ، وانتظر حتى الصباح وأعاد الطلب من الشيخ ببيعه الكلب.

استغرب الشيخ مرة اخرى وقال له: انه لا يساوي شيئاً ثم ما حاجتك به، قال الغريب: فقط اريده، وسأعطيك به خمسة دنانير ذهبية، ارتبك الشيخ من سماعه المبلغ، فتنحنح وسعل ثم قال مرتجفاً موافق، فنقده الغريب الخمس دنانير، ثم قال له انا لا استطيع الامساك بالكلب لانه غير معتاد عليّ، عليك ان تُمسك به، فرفض الشيخ بشدة، فهذا الفعل لا يليق به، والكلب اخسّ من أن يمسك به شيخ القبيلة، فقال له الغريب: أمسك به ولك خمسة دنانير أخرى، فتحمس الشيخ وخاتل الكلب حتى أمسك به، فربطه في فناء البيت، وقال للغريب: خذه، عندها طلب الغريب منه ان يذبحه فتقزز الشيخ وابدى امتعاظاً شديداً من هذا الطلب، ولكنّ الغريب اغراه مرة اخرى بالمال، وقال له: لك خمسة دنانير ايضاً إنْ انتَ ذبحته، فنظر الشيخ يمنة ويسرة، وأحضر سكينه وعمد الى الكلب فذبحه كما يذبح الشاة، حتى تطاير دمه النجس الى ثيابه، وعاد الى الغريب وبشرّه على غضب بفعلته.

وما كان من الغريب الا ان طلب منه ان يسلخه ويقطّعه، فنفر الشيخ من هذا الطلب واحمرّت عيناه من الغضب، لكن الغريب هدأ من روعه ووعده بخمسة دنانير إنْ هو فعل ذلك، فذهب الشيخ دون تردد الى الكلب فعلّقه وسلخه وقطّعه، وقال للغريب: اعتقد ان الامر انتهى عند هذه، لكن الغريب قال له: أنا لا اعرف كيف تطبخون؟ أريد منك ان تضعه في القِدر وتطبخه كما تطبخون طعامكم، حتى آكله، جُنّ جنون الشيخ، وأراد ان يطرد الغريب غريب الاطوار من بيته، قبل ان يقتله، فما كان من الغريب الا ان وعده بخمسة دنانير لقاء العمل الذي سيقوم به الشيخ، تهلل الشيخ وقال في نفسه: لن يعرف احدٌ أنّ هذا لحم كلب، بعد سلخه وتقطيعه، ثم قام بما طلب منه الغريب وجهّز منسفاً انيقاً من لحم الكلب، وقدّمه الى ضيفه الغريب، وقال له: كل ما طاب لك منه، فلن يأكله غيرك، فضحك الغريب وقال للشيخ: أظنّك غششتني وأنا لست مطمئناً منك، ولن تمتد يدي الى الطعام حتى تأكل انت منه، وما يدريني لعلك وضعت لي فيه سمّا بعدما رأيت من أفعالك السابقة، انتفض الشيخ وكأن شيئاً نهشه، وسلّ سيفه يريد ان يطيح برأس الغريب، بادر الغريب بتهدئته، وقال له: هذا فعل احترازي، وأنا اريد ان اطمئن على نفسي، فقط كل لقمة او لقمتين، ولك خمسة دنانير ذهبية، نفخ الشيخ بفمه واستعاذ من الشيطان وجلس بجانب الغريب وأكل ما تيسر له من منسف الكلب، والغريب ينظر اليه، بفرح شديد، وقال في نفسه: هذا هو المدخل الذي سندخل منه، من يتخلى عن مبادئه ويقارف احرم المحرمات عنده من اجل المال فالمال مقتله.......... المال اولاً وسنأخذ كل شيء عندهم، وحمل امتعته وغرّب الى بلاده ثم عاد ومعه المال ... عندها ضاعت البلاد والعباد والمبادئ والكرامة، ولم ير الناس بعدها خيرا .. فقدوا كل شيء وحاز الشيخ على المال بلا كرامة..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد