في هذا العام ونحن نستقبل الأول من أيار مايو عيد العمال ، وكم لهذه المناسبة الأممية من معنى وقيمة ، وتشاء الظروف أن تصادف هذا العام مع عيد الفصح المجيد لدى الأخوة المسيحيين ، وهكذا تلتقي المناسبات وتتصادف الأعياد السعيدة ونحن بأمس الحاجة لتذكير شعبنا بما يوحدنا ويجمع كلمتنا بعيد المجيد وكل الأعياد الدينية إسلامية أو مسيحية أو أممية كعيد العمال ، ونذكر روح الأخوة والمواطنة والمفاخرة بالانتماء لأمة عربية واحدة يجمعنا وطنا عربيا كبيرا يمتد من المحيط للخليج وتاريخ مشترك أستاذه الجغرافيا ، وإعادة تأكيدنا بهذه المناسبات السعيدة على روح المواطنة والانتماء لوطننا العزيز الأردن وأمته العربية وان هذه الأمراض الطارئة كالطائفية والمذهبية والإقليمية ستذهب أدراج الرياح ولمزبلة التاريخ ، حيث لم يستطع الاستعمار طيلة قرون من الزمن أن يخترق وحدتنا الوطنية بكل قطر عربي حيث لا فرق بين المواطنين إلا بقدر ما يساهم كل منهم في خدمة وطنه ورفعة أمته انطلاقا من ثوابت أمتنا الخالدة التي عززتها روح الأديان السماوية التي تدعو جميعها لوحدانية الله عز وجل .
ويا لها من مصادفات رائعة أن تتصادف الأعياد بيوم واحد وتذكرنا بأن الأعياد ستكون أجمل وأفضل بوحدتنا الوطنية وعلى جمع كلمتنا على مستوى الأقطار ووحدتنا الجغرافية والاقتصادية والسياسية على مستوى الأمة العربية من المحيط إلى الخليج .
وتهانينا القلبية الحارة لإخواننا المسيحيين في الوطن العربي والعالم بعيد الفصح المجيد ولا ننسى نحن العرب أن كل الثقافات والرسالات السماوية انطلقت من بلادنا العربية ، وكل أصحاب تلك الرسالات خرجوا من بلادنا يدعون من عبادة العباد لعبادة رب العباد ، لذلك فشل الاستعمار الذي حاول أن ينشر الفتن الدينية ولا زلنا نسمع لليوم الحديث بلا خجل للغرب عن الأقليات الدينية ونحن في الوطن العربي ليس لدينا أقليات لكن لدينا مواطنين لا فرق بينهم وكل الأمراض الأخيرة التي انتشرت في الأمة كالسرطانات المتاجرة بالإسلام كالقاعدة وداعش والنصرة وأخواتهم ، هذه الحركات الظلامية هي المشاة لخدمة الامبريالية العالمية التي ليس لها دين إلا الدولار ودعمها للكيان الصهيوني وإنشاءه من الأساس لخدمة مصالحها وخوضها الحروب العسكرية والاقتصادية والسياسية لأجل مصالحها ومصلحة لقيطها الذي وجد ليكون رأس حربة في منطقتنا .
وعلى هذا الأساس كانت كل حروبنا في الشرق لأجل مصلحة إسرائيل هكذا قال جورج بوش الصغير عام 2002م ، وهو يعد الأكاذيب لتبرير غزو العراق ومنه انطلق ما يسمى بالمشروع الأمريكي الذي وصل لذروته بالأحداث الأخيرة التي سميت زورا بالربيع العربي .
وللأول من أيار اليوم مع المناسبات الدينية قيمة خاصة حيث لم يشهد التاريخ ظروفا أصعب من هذه الظروف التي يمر بها العالم ، والطبقة العاملة بشكل خاص ، حيث بلغ التغول لدرجة اللا معقول ، وهناك هجمة منظمة على حقوق العمال ومكتسباتهم الذي تحقق لهم بعد نضال طويل شاق وأصبح الصراع الطبقي أبرز ما يميز المجتمعات البشرية اليوم ، وهذا الصراع هو ذاته الممتد عبر التاريخ وفي كل مرحلة يرتدي ما يتلاءم مع مصالحه الطبقية ، وخطورته اليوم تأتي من تحالفه مع السلطات وتحديه بشكل سافر للعمال وحقوقهم ولكل القيم الإنسانية ومثالا بسيطا هنا في الأردن حيث قام رئيس الوزراء المعين عبد الله نسور بتعين 6 من المحاسيب في سلطة العقبة الخاصة وبأجور مجزية ، ورد عليه مجلس النواب بدلا من منعه بتعيينات بلغت (102) موظفا وموظفة من محاسيب النواب ، حيث تم تعيينهم في مجلس النواب إداريين وغير ذلك الأمر الذي أحدث خلافات كبيرة بين الحكومة وما يسمى بمجلس النواب والنتيجة أعاد الطرفان توافقهما حفاظا على المصالح المشركة والتي هي على حساب الوطن والمواطن المسحوق الذي ينتظر دوره وحقه بفرصة عمل في وطنه .
ما أحوجنا اليوم بالأول من أيار أن نقف وقفة نقدية شجاعة مع أنفسنا أولا ونتساءل ماذا قدم كل واحد منا لأجل حقوق العمال في يومهم العالمي ، وها هي النقابات العمالية في وطننا وهي الأكثر عددا أصبحت وكأنها دكان وباب رزق لفلان وفلان وحتى أبنائهم والمحسوبين عليهم ، وأين دور الأحزاب السياسية بمثل هذه المناسبة حيث أصبحت للأسف مناسبة يعطل بها الجميع ويقيموا الأفراح ويعدوا الخطب الرنانة عن العمال وحقوق العمال ، ولكن للأسف يحدث هذا كله والعمال هم الوحيدون الغائبون عن تلك الأفراح وحتى عن يومهم العالمي التي أقرته البشرية اعترافا بحقوق أكثر الفئات في العالم عملا وإنتاجا وأقلهم دخلا .
نريد اليوم إعادة تعريف حقيقي للعمال وعيد العمال ، والمتعارف عليه أن كل من يعمل مقابل أجر هو عامل وبرأي هذا التقييم تعسفي ويحتاج لإعادة نظر وأذكر في إحدى هذه المناسبات وكنت حاضرا في أوائل تسعينيات القرن الماضي ويومها سألت كم عدد العمال الذين حضروا احتفالنا هذا ، ويا للمفارقة لم نجد عاملا واحدا بينهم .
وفي هذه المناسبة ندعو توحيد الجسم العمالي والتنسيق بين النقابات العمالية المختلفة والدعوة للاشتراك بالنقابات العمالية بعد أن حاول الكثيرون الدخول إليها لتخريبها من الداخل لأجل مصالحهم الدنيئة ومصالح من جندهم ، كما ندعو لتجديد النقابات خاصة في وطننا بعد أن جعل منها البعض مطيئة لمصالحهم ومصالح مشغليهم ، علما أن النقابات العمالية في العالم المتحضر هي أقوى النقابات وقد أسقطت أنظمة وحكومات لأجل مصالح المنتسبين إليها ، وللأسف الشديد في وطننا هي أضعف النقابات ، لماذا وكل الحقائق أصبحت أوضح من شمس آب .
لذلك ندعو لوحدة ونهضة عمالية جديدة ، ونؤكد على ضرورة الانتساب لتلك النقابات لأن التغير الحقيقي لن يكون من الهواء الطلق من الخارج ، ولكن من الداخل ، ولم يعد مقبولا أن نقف فقط بعيد العمال لنعلن موقفنا بالتضامن مع العمال وحقوقهم ، لأن مصلحة العمال هي قضية سياسية ووطنية وإنسانية بالدرجة الأولى ، وندعو لإعادة الاعتبار لهذه المناسبة بوقفة مع الذات وأن ندرك إحساسا وليس خطابا حنجوريا أن حقوق العمال مصلحة وطنية بالدرجة الأولى ومصلحة أممية ، عاش الأول من أيار مايو وتحية لكل يد تبني وتعمل لأجل مصلحة الوطن والعمال الذين هم بالأساس صناع التاريخ والمستقبل والغد الأفضل .