حلب .. الحقيقة الغائبة - مي عزام

mainThumb

02-05-2016 09:28 AM

عانيت في الأيام القليلة الماضية من فيروس انفلونزا اصابنى بأعراض منعتنى من القراءة والكتابة ومتابعة الأخبار، عشت صداع مقيم لايفارقنى صباحا ومساءا وحتى في النوم ،مع عدم تركيز وحرارة متذبذبة وفقدان تام للشهية ....وبدأت والحمدلله مرحلة التعافى بعدما وصلت الأعراض إلى ذروتها، دائما يحدث انقلاب في الأوضاع عندما تصل الأمور إلى نهايتها....بعد الوصول إلى قمة الجبل ،لايكون أمام الصاعد إلا طريق الهبوط من جديد .

 

 

 

حين بدأت في استرداد عافيتى،تابعت مايحدث، وجدت أننا مشغولين كعادتنا بحالة جديدة ،مندمجين فيها كلية، نفس حالة ريجينى والجزيرتين، «حلب»احتلت بؤرة الأهتمام، وأصبحت محور الأحاديث والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى: حلب تحترق، انقذوا حلب، حلب تباد.
 
 
 
ومثلما أبكتنا صورة الطفل السورى إيلان الكردى المنكفىء الوجه على صفحة الماء على شاطىء البحر، أبكتنا صور الدمار الشامل في حلب، انهيار المبانى ومقتل العشرات وعنوان صحفى مثيرللنخوة الدينية:، صلاة الجمعة تغيب عن حلب. احتلتنى حالة كالتى اصابت الشيخ حسنى في فيلم «الكيت كات»حين واجه «هرم»تاجر المخدرات بجملته الشهيرة: «بتستغفلنى ياهرم» والتى قالها حين عرف انه استغله في صفقة بيع منزل والده الذي اشتراه بثمن بخس.
 
 
«هرم» مستمر في خداعنا، التاجر الفاسد والسمسار الخسيس صفقته هذه المرة صور حقيقية وحقائق مزيفة، صورة الطفل السورى التي لفت العالم وأبكته كانت ورائها آلة إعلامية ضخمة ،حولت صورة الضحية البرىء لحالة استفاد منهاعدد من الأطراف التي لها يد فيما يحدث في سوريا ،وخاصة اردوغان الذي استخدمها لخلق رأى عام متعاطف مع قضية اللاجئين السوريين، ولإزالة المعوقات أمام انضمام بلاده للاتحاد الأوروبى واجبار الدول الأعضاء على دفع المزيد من الأموال لتركيا للانفاق على هؤلاء.
 
 
الزعيم التركى هدد بجرأة تصل لحد الوقاحة بإغراق الدول الأوروبية بالمهاجرين في حال لم يقدم قادة الاتحاد الأوروبي عرضا أفضل لمساعدة تركيا في التعامل مع أزمة اللاجئين وكل المسائل المعلقة بين تركيا والاتحاد الأوروبى ....اردوغان رجل سياسة وليس رجل دين، استغل الفرص للحصول على أكبر فائدة، وعرف كيف يدير اللعبة ويربح بالأوراق التي يملكها ..للأسف هذه هي السياسة...وهكذا يكون استغلال الشعوب والبسطاء كأدوات في حروب ليس لهم فيها ناقة ولاجمل. 
 
 
 
والآن يأتى الدور على صور حلب، لترسم واقع جديد يتم استخدامه كارت ضغط في مفاوضات جنيف المتعثرة بين المعارضة السورية ونظام الأسد، حلب مهمة جدا بالنسبة للنظام والمعارضة، لو سيطر عليها النظام سيقطع نهائيا امدادات المعارضة وداعش والتى تتسلل من الحدود التركية، وسيكون بذلك قد بسط نفوذه على الشمال السورى ويمكنه غلق الحدود كلية مع تركيا، ولن تأمن تركيا آنذاك مكر الأكراد وستخرج من المعادلة السورية. المعارضة بسقوط حلب في يد الأسد تكون قد خسرت معقلا هاما .
 
 
 
لا أحد يهتم كثيرا بالضحايا، ولكن الجميع يريد كروت إضافية في التفاوض، النظام السورى يريد أن يبسط نفوذه ليفاوض من مركز قوة، والمعارضة الأرض تريد أن تكسب تأييد الرأى العام العالمى على الأقل بدل الأرض التي خسرتها، والممولون مستعدون للمراهنة من جديد على مائدة القمار السورية. 
 
 
 
مفاوضات جنيف التي تدور تحت رعاية روسية أمريكية ،وتتابعها عن كثب السعودية وتركيا وإيران تتعثر في رسم مستقبل سوريا، كل طرف يريد سوريا التي في خياله، سوريا التي تحقق له أكبر فائدة ومصلحة ونفوذ، سوريا التي لو قطعوا أوصالها لن تكفى جميع الأطراف الفاعلة والمؤثرة والمسببة للأزمة والتى تراهن على نصيب أكبر من الكعكة. 
 
 
 
صور حلب ليست سوى أداة ضمن أدوات كثيرة للتفاوض، وحين تنتهى المفاوضات سنعرف من هو صاحب المصلحة في هاشتاج حلب تحترق، انقذوا حلب .... المتابعة الإعلامية عندنا تشهد على تحول جذرى للموقف المصرى الرسمى من الملف السورى، وبالتأكيد هذا له علاقة وثيقة بزيارة الملك سلمان للقاهرة والمباحثات التي أعلن عنها بشأن الملف السورى وعدة ملفات معلقة بين البلدين.
 
 
 
العجيب والغريب، أن العيون التي تشهد على فظائع النظام في حلب تغمض أعينها عن فظائع حرب اليمن ....
اللهم متعنا بالبصيرة، فالبصر لم يعد يكفينا في زمن الصور المزيفة للوعى.
 
 
 
صحيفة "المصري اليوم"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد