بوتين .. زعيم السلاف الأرثوذكس - مشاري الذايدي

mainThumb

02-05-2016 09:32 AM

لمزيد من الفهم، لا بد من المرور، ولو لماما، على الخلفية الفكرية السياسية للرئيس «الإمبراطور» الروسي فلاديمير بوتين.
 
 
بعد «التدخل» الروسي في سوريا، تغيرت الأمور على الأرض وفي الجو.. اقتحم بوتين سوريا بهواجس القياصرة الروس منذ فلاديمير الرهيب وبطرس الكبير ونيكولا الأول.. هواجس يعرف قراء التاريخ عنها الحماسة المسيحية الشرقية، التي قوامها الكنيسة الأرثوذكسية، والقومية السلافية.
 
 
هذا المشرق، من القسطنطينية حتى القدس، يمثل لهذه «الروح» الروسية القيصرية المسيحية حالة خاصة، ومشكلة معقدة، ولم تكن حرب القرم الشهيرة مع العثمانيين (1853) بجانب منها، إلا بسبب الغضب الروسي من عدم منح العثمانيين لهم امتيازات خاصة في المقدسات المسيحية بفلسطين.
 
 
نعم، الهاجس الديني والقومي ليس كل شيء، لكنه قابع بخلجات النفوس وخلفيات الفعل الروسي اليوم بسوريا، وغيرها.
 
 
صحيح أن هناك دوافع تتعلق بالانتقام من أميركا والناتو، واستعادة الكرامة الروسية، الجريحة، حسب تصور قادة الروس، وهناك أيضًا دوافع تتعلق بالنفوذ الاقتصادي والوصول للبحر الأبيض وبحار الشرق الأوسط كلها. هذا معلوم، لكن يجب التنبه لخطورة الدوافع التاريخية بتحركات الرئيس الروسي الحالي، خصوصا أن بوتين لا يخفي ملامح الوجه المنقوع في تاريخ الحروب الدينية والقومية.
 
 
بوتين قال أمام وفد الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية مؤخرا إنه «يجب إعادة القسطنطينية للمسيحيين كما أراد القيصر نيكولا الثاني».
 
 
أثناء الحروب الروسية - العثمانية، كانت أطماع قياصرة دولة «المسقوف»، كما كان يسميها العرب، واضحة في تأكيد دور القيادة المسيحية، واستئناف الحروب الصليبية لتحرير الأرض المقدسة، بعدما تخلت أوروبا الكاثوليكية، بقيادة العاصمة الغربية للمسيحية، فاتيكان روما، عن هذا الواجب، فكان لا بد من تحرير العاصمة الشرقية للمسيحية، القسطنطينية، وصولا لمهد السيد المسيح.
 
 
 
لذلك تحالفت فرنسا وبريطانيا مع العثمانيين لصد الخطر الروسي. وكانت معاهدة إستانبول (1856) مع العثمانيين لهذا الهدف.
 
 
بوتين فيما يفعله بحلب الجريحة اليوم، وفي خدعه التي يقوم بها لافروف في جنيف من «1» لـ«3»، يقاتل وفي ذهنه صور من هذا التاريخ المأزوم.
 
 
 
العام الماضي بارك بوتين إطلاق فضائية روسية أرثوذكسية باسم «ستاري غراد تي في» وهو اسم، كما تقول صحيفة «الحياة»، مستوحى من التسمية الروسية «كوستانتيبول» أي القسطنطينية (إسطنبول). وبطريرك الكنيسة الروسي (كيريل) وصف بوتين بأنه «معجزة الرب» الذي تمكن من انتشال روسيا.
 
 
كل هذا يجري والرئيس أوباما يقضي أيامه الأخيرة في حفلة «جاز» في حديقة البيت الأبيض، أو يمازح الصحافيين في حفلته الأخيرة لهم، متكهنا بأن بلاده قد تكون اقتربت من نهايتها!
 
 
 
 
صحيفة "الشرق الأوسط"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد