حلب - حياة أبو فاضل

mainThumb

05-05-2016 09:11 AM

هناك شمس بعد وعصافير الدوري تغرّد عائدة إلى أغصان شجرة "كينا" كبيرة تطل على شرفتي في كل الأوقات. صباحاً عصفور واحد يغرّد سرّ لقائه أول خيوط الشمس فتردّد العصافير كلّها ما أنشد: بعد كل ظلام هناك نور لو لمس ريشة واحدة ترف له أجنحة كل الكائنات. آه... حلب تعانين الدمار كل يوم، يسقط إنسانك وتسقط حجار بنيانك العظيم القائم من آلاف السنين، أنت مدينة الموسيقى والطرب والشعر، تلتقين اليوم زمن ظلام يبتلع الأطفال كما البحر الأزرق يضمّ إلى موجه أطفالاً هربوا من بلدان عربية ما أعطتهم سوى ما يخنق الحياة.

 
 
 
لمّا دقّ ذاك الربيع العربي باب المشرق منذراً بنهاية عصر مؤلمة ستصيب المشرقيين على مختلف جنسياتهم ومعتقداتهم، ذكّر بيوم ذبح فيه أطفال فلسطين يوم ولد يسوع الذي جاء حاملاً بُعداً جديداً للوعي البشري. كما ذكّر بكل مجازر اسرائيل ضد أطفال فلسطين وأطفال قانا جنوب لبنان. وما تاريخ الأرض إلا حروب ودمار. فمن الوثنية المبنية على الخوف إلى أديان موحّدة بنيت أيضاً على الخوف، ما نتج إلا الحقد والدمار والقتل، و"الأنا" الخائفة تقتل لتطمئن، ولا ترتاح أبداً.
 
 
 
آه حلب، أتصدّقين أن انسانك ينزف وحجارك تهدم لأن هناك "بشار"؟ وقد حمّلت الدول الدائرة في فلك اسرائيل وزر كل ما يحدث لسوريا، ونصف سكان سوريا مشرّدون داخل خيم واهية، تحوّلوا الى مصدر تسوّل دولي، متذكّرين بيوتهم في عهد "بشار"، وانهم ما جاعوا يوماً وأولادهم يذهبون إلى المدارس والجامعات المجانية، وان سوريا فكانت الدولة الوحيدة في العالم بلا ديون... أما عن الحرية التي هدم الربيع العربي معظم بلاد الشام وغيرها باسمها، فكانت حرية إبادة الشعوب والأماكن وسط صمت دول العالم الحر غرباً وشرقاً، عالم منافق واقع في قبضة صهيونية تسلّلت الى كل مؤسّساته وأهمّها المصرفيّة والإعلامية. وما تذكّر أميركي واحد بعد ما قاله الرئيس بنجامين فرانكلين ذات يوم: ما لم تضعوا حدّاً لتدخّل اليهود في شؤون أميركا ستصبحون عبيدهم.
 
 
 
أجل، انهم عبيد اسرائيل، كذلك كل الغرب، كذلك العرب، وروسيا ترقص الباليه على مسرح الدمار ساعة تشاء. والدمار يهدف إلى التقسيم والتفتيت فوق دماء الإنسان الذي يظل يأمل في رحمة السماء. أضعنا البوصلة منذ البدء، فمصدر الإنسان واحد حيث لا عبودية، بل حرية تطوّر وعي حتى يلمس قلب الإنسان قلب مصدره، فلا يعود قادراً على القتل والتدمير، ولا يعود يتبجّح بالانتصار، ولا ينكسر أمام الهزيمة. تلك هي الحرية الحقيقية النابعة من ضمير الوجود.
 
 
 
آه حلب، أنت اليوم المسرح والمسرحية، وأنت المخرج والممثلون، وأنت أيضاً من يشاهد، فمتى نتعلّم يا مدينة الموسيقى والشعر وأنت أصدق المعلّمين؟
 
 
صحيفة "النهار"
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد