التوقيع الفلسطيني

mainThumb

23-05-2016 01:14 AM

معروف أن أعتى قاض شرعي ، وأكبر مأذون رسمي ، لن يستطيعا إتمام عقد النكاح ، ما لم يسمعا  كلمة الموافقة من ذات العروس نفسها ، وليس من ولي أمرها ، الذي يفترض به أن يكون وكيلها  في هذا الموضوع ، ولهذا دلالة  وهي أن  صاحب العلاقة  فقط هو الذي يمرر الصفقة  أي صفقة ، وأعنى بالحديث ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تنتظر الذبح من الوريد إلى الوريد بسكين عربية ثلمة.
ما أود قوله  من خلال  هذه المقدمة  أن أحدا مهما كان وضعه الدولي ، أو منصبه السياسي ، أو ثقله العسكري ، أو ثراه المالي ، يستطيع التوقيع على شطب القضية الفلسطينية  ،  في حال  أصر صاحب القرار الفلسطيني على عدم التوقيع على  صك الإستسلام ، ولنا في الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني  الراحل بالسم  ياسر عرفات ، خير مثال على ذلك.
لقد سجل الراحل عرفات موقفا   متفردا لن ينساه التاريخ ، وهو أنه رفض التنازل والتوقيع  على أركان القضية الفلسطينية الرئيسية وهي حق العودة والقدس ، رغم كل ما تعرض له من قهر وإذلال ، وقد واجه الموقف برجولة وفوّت على المتربصين بالقضية سوءا الظفر بتوقيعه  .
ففي قمة كامب ديفيد 2000 التي حضرها  كل من الزعيم الفلسطيني عرفات  ، والرئيس الأمريكي الأسبق "أبو مونيكا" بيل كلينتون ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك ، وإستمرت لأسبوعين ،  وجرت في ظروف قهرية  وعصيبة  بالنسبة للوفد الفلسطيني  ، حاول الأمريكان والإسرائيليين الضغط على الرئيس الفلسطيني عرفات  ، بشتى الطرق ، ومنها محاولة إغتياله في "التواليت" ، إذ إغتنموا فرصة دخوله "التواليت" وأقفلوا عليه الباب بالمفتاح من الخارج ، ظنا منهم أنه  سيموت  قهرا وغيظا وكمدا ، ولكن الله سلم  ، وكانت إرادة الله  أقوى.
بعد خروجه من "التواليت" صادر الأمريكان  هواتف الوفد الفلسطيني وفي المقدمة  هاتف الرئيس عرفات ، حتى لا يتصلوا بأحد أو يتصل بهم أحد من الخارج ، في محاولة  للتضييق عليهم ، وقطع الصلة لهم بالخارج ، ومع ذلك لم يبدل الرئيس عرفات  موقفه ، وأصر على  أنه صاحب حق ، وأنه لن يتنازل أو  يساوم على هذا الحق ، ولم يستجب لكافة ضغوطهم.
طلبوا منه التنازل عن  حق العودة ، فأوهمهم بالموافقة  ، ورحب بالفكرة ، وعندما  وضعوا له الأوراق  التي سيوقع عليها  أمامه ويثبت تنازله عن قضية شعبه ،  ضحك وقال : احضروا لي توقيع السيد عصمت عبد المجيد ، وعندها سأوقع ! فأخبروه أن عصمت عبد المجيد مصري ، وأنهم يتحدثون في شأن فلسطيني ، لكنه  أجابهم بحنكة  صانع القرار الذكي : إن حق العودة واللاجئين هي قضية عربية ، وأن السيد عبد المجيد هو رئيس الجامعة العربية ، فإن  وقع العرب عليها  فإنه سيصادق على توقيعه .
بعد ذلك  طلبوا منه التوقيع على التنازل عن القدس والأقصى ، فكرر نفس اللعبة عليهم ، وأعلن موافقته على ذلك  ، وعندما  وضعوا الوراق أمامه للتوقيع عليها  وتثبيت تنازله ، قال لهم  أن عليهم أن يحضروا توقيع  الرئيس الإيراني محمد خاتمي ، فجن جنونهم وقالوا له أن السيد خاتمي إيراني ، وأن القدس فلسطينية  ، لكنه أجابهم بذكاء القائد المحنك ، أن القدس قضية إسلامية ، وأن السيد خاتمي هو رئيس قمة المؤتمر الإسلامي آنذاك ، فإن  وقع المسلمون  ممثلين بخاتمي على بيع القدس ، فإنه سيصادق على توقيع السيد خاتمي.
عندها جن جنون الأمريكيين على وجه الخصوص لأن كلينتون تعهد لباراك أنه  سيحشر عرفات ويحصل منه على تنازلات لإسرائيل ، مقابل قيام إسرائيل بطي ملف "مونيكا"، التي وضعوها أمامه  وورطوه  معها وفيها  والقصة معروفة للجميع ، كيف  نصحه محاموه اليهود أن ينكر وينفي صلته بها  ، إلى أن أحضروا له فستانها الأزرق وعليه  بقع حيواناته المنوية  .
قام  مدير السي آي إيه آنذاك جورج تينيث بتهديد الرئيس عرفات بالقول :ألا تعلم أن أمريكا تغير الحدود والرؤساء ؟ وقد صرخ الرئيس عرفات في وجهه وقال مخاطبا  الرئيس كلينتون : سامع يافخامة الرئيس ، إن تينيث يهددني بالقتل وانا أدعوك لحضور جنازتي ! ولكن كلينتون  طلب من مصوره الخاص أن يلتقط له صورا  مع القادة الفلسطينيين الجدد ومن ضمنهم  محمد دحلان .
ومع ذلك عاد الرئيس عرفات  إلى مقاطعة رام الله   طاهرا  مطهرا من دنس الخيانة ، ولم يوقع  ، ولم يرضخ للضغوط ، وإندلعت إنتفاضة جديدة  أطلق عليها إنتفاضة الأقصى   جرى عسكرتها  ، وسارعت إسرائيل  إلى إنهائها ،  وقد تقرر وضع السم ل"العجوزين " عرفات وشارون ، وتم قتل عرفات  ، لكن العقيدة اليهودية تحرم قتل اليهودي ، فإكتفوا  بتغييبه عن الواقع وعاش فترة على  الأسلاك والمغذيات إلى أن  فارقت روحه الحياة.
الكل من "العرب" يريد حل مشاكله الداخلية  على حساب القضية الفلسطينية ، والكل مازوم  هذه الأيام ،  ويريد بيع القضية الفلسطينية  بثلاثين من النحاس الخردة  ، عل وعسى ان يجد له قبولا عن  مستدمرة إسرائيل   وأمريكا ، ونسمع في الأخبار أنهم يعملون على إعادة كتابة  ما أطلقوا عليها  سابقا "مبادرة السلام العربية " التي تبناها  مؤتمر قمة بيروت 2002 ، ورفضها عربيا  الرئيس اللبناني  الأسبق  الرئيس المقاوم    إيميل لحود ، فيما ركلها شارون بقدميه ورد على أصحابها   بإعادة إحتلال العديد من المدن الفلسطينية  ، وكانت  تدعو إلى المصالحة مع إسرائيل  وتعهدت  بجلب كافة الدول العربية والإسلامية وعددها 57  دولة  للتطبيع مع إسرائيل  ، وفتح فضاءاتها الأرضية والمائية والجوية أمام إسرائيل .
سؤالي :هل القيادة الفلسطينية الحالية قادرة على المواجهة ؟ فإن كانت قادرة  فمرحبا بها  ، وإن لم تكن  فلتغادر مواقعها   حفظا  لماء الوجه ، وحتى لا يقال أن الفلسطينيين تنازلوا  عن حقهم  ، كما قيل زورا وبهتانا  أنهم باعوا أرضهم !!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد