التحدي المحلي لتحرير الفلوجة - لينا الخطيب

mainThumb

27-05-2016 07:19 PM

تواجه حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي في العراق انتقادات متزايدة من كل من المواطنين السنّة كما الشيعة من أنصار مقتدى الصدر، الذين يتهمونها بالفساد والعمل ضد المصلحة الوطنية. وقد حضّ هذا الضغط الحكومة على أن تثبت نفسها على أنها ذات شرعية. في غياب تسوية سياسية، أصبح نصر الحكومة العسكري ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وسيلة لتأمين مستقبلها.


ولكن كما يشرع الجيش العراقي في الهجوم على الفلوجة لاستعادة السيطرة على المدينة من «داعش»، فإن الحكومة العراقية لا تزال بعيدة عن نيل رضا سكان المدينة السنة لهذه المبادرة التي يقودها الجيش. ومن المرجح أن يساهم الهجوم على الفلوجة في تدهور علاقة الحكومة مع العراقيين السنّة وإضعاف سعيها للحصول على الشرعية من جانب كل الفئات العراقية. فبغض النظر عن مقدار الجهد الذي تستثمره أي دولة في عملية عسكرية أو أمنية، فإن النجاح يكون محدوداً من دون ثقة السكان المحليين والذين تكون حياتهم وسبل معيشتهم على المحك نتيجة هذه العمليات.


تخضع الفلوجة لسيطرة «داعش» منذ سنتين ونصف تقريباً. هذه السيطرة لم تكن لتحدث إلا من خلال تعاون القبائل السنية المحلية مع «داعش» في أواخر عام 2013، حين رأوا فيه وسيلة للانتقام من الحكومة العراقية بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، وجاء ذلك بعد سنوات من سياسات الحكومة التي أعطت الامتيازات لأولئك الشيعة الموالين لإيران وميزت ضد السنة والشيعة من غير الداعمين لإيران.


هذا النوع من التحالف بين المواطنين والجماعات الإرهابية لا يقتصر على العراق، كما أنه ليس مرتبطاً بالتظلم الطائفي المنحى. في ليبيا، استطاع «داعش» الاحتفاظ بالسيطرة على سرت بسبب التعاون من جانب قبيلة القذافي في المدينة. فتعتبر القبيلة هذا التعاون وسيلة لإضعاف حكومة ما بعد 2011 التي استبعدت من خطط تنمية ليبيا المناطق التي تعتبر معاقل الزعيم المخلوع معمر القذافي.


في مصر، يتمدد تنظيم «داعش» في سيناء بسبب التعاون مع الجماعات الجهادية المحلية مثل جماعة أنصار بيت المقدس التي تقدم نفسها لسكان سيناء كبديل للدولة. ويساهم تقديم الخدمات من جانب أنصار بيت المقدس في ازدياد شعبية الحركة. وهنا يتبين أن أحد دوافع علاقة أنصار بيت المقدس بـ «داعش» هو الرغبة في الحصول على الموارد المالية اللازمة للتمكن من تقديم الخدمات هذه. وبالتالي هناك علاقة المنفعة المتبادلة بين الطرفين: أنصار بيت المقدس يحصلون على الموارد التي تمكنه من زيادة شرعيته في عيون السكان المحليين، في حين يزيد «داعش» من خلال هذه العلاقة من نطاق نفوذه العالمي.


العمليات الأمنية ضد «داعش» والمجموعات التابعة له في ليبيا ومصر لا تزال جارية، مع خطط لزيادة نطاقها. في حين أنه من المهم أن يتم إضعاف «داعش» عسكرياً، ستواجه تلك العمليات الصعوبات من دون تعاون السكان المحليين في سرت وسيناء. إذ إن السكان المحليين الذين يتعاونون مع «داعش» سيساعدون في حماية التنظيم ما داموا يرون الدولة كعدو. كما أن هذا الموقف من جانب السكان يمثل خسارة المؤسسات الأمنية والعسكرية مصدراً محتملاً للمعلومات المحلية القيمة المتعلقة بالإرهاب. وتنطبق هذه الديناميكية نفسها على الوضع في الفلوجة.


هذه الأمثلة هي في تناقض صارخ مع الوضع في تونس. في آذار/ مارس، شنّ «داعش» هجمة من ليبيا على بلدة بنقردان الحدودية في جنوب تونس. ولكن الهجوم فشل ليس فقط بسبب المقاومة التي أبداها الجيش التونسي والحرس الوطني، ولكن أيضاً بسبب تعاون السكان المحليين. تسريب سكان بنقردان معلومات مهمة للأجهزة الأمنية مكنها من القبض على عشرات من الإرهابيين المشتبه بهم أثناء وفي أعقاب الهجوم على حد سواء.


حالة تونس مهمة لأن الشعب خلال الهجوم على بنقردان نظر إلى الجيش كحارس لمصالحه. هذا يختلف كثيراً عن الوضع في الفلوجة، حيث تعتبر غالبية القبائل السنية الجيش العراقي كمؤسسة تخدم مصالح منافسيها طائفياً. وما يفاقم الوضع هو أن الميليشيات الشيعية قد أعلنت عزمها على المشاركة في الهجوم على الفلوجة لمكافحة «داعش». حتى لو عملت هذه الميليشيات تحت إشراف الجيش العراقي، فإن تصرفها ضد السنة في محافظة الأنبار في أعقاب معركة تحرير الرمادي من «داعش» وانتماءها إلى إيران هما من أسباب انعدام الثقة في دوافع الحكومة لدى الطائفة السنية في العراق.


بسبب هذا التوتر الطائفي، وبالنظر إلى أن الآلاف من سكان الفلوجة هم بالفعل من أسر مقاتلي «داعش»، من المرجح أن تواجه محاولة الجيش العراقي اقتحام الفلوجة مقاومة شرسة تفوق التحديات التي واجهها في تحرير مدينة الرمادي قبل بضعة أشهر. وحتى لو تمكن الجيش من التغلب على «داعش» في الفلوجة، فإنه سيجد صعوبة في الاستمرار في السيطرة على المدينة من دون تعاون سكانها. فلا يمكن ان تعتبر أي عملية عسكرية مناهضة لـ «داعش» ناجحة من دون تعاون السكان المحليين. ولكن هذه الصيغة غير موجودة في العراق اليوم.


تبغي حكومة العبادي الحالية زيادة شرعيتها من خلال قتال «داعش». ولكن الجيش العراقي ليست لديه القدرة الكافية على مواجهة «داعش» لوحده، وأصبح يعتمد على مساعدة الميليشيات. ويرى السنة مباركة الحكومة لدور الميليشيات الشيعية في المعارك ضد «داعش» كبرهان على أنها تستمر بالتمييز ضدهم. هذا الاستياء هو بدوره سبب لاستمرار احتضان العشائر السنّية «داعش» في الفلوجة والموصل. حتى إذا هزم «داعش»، من المرجح أن يظل هذا الاستياء على حاله إن لم تعالج الحكومة دوافع احتضان الشعب للتنظيم أساساً.


كل هذا يدل على أن الهجوم على الفلوجة قد يكون ملحاً عسكرياً ولكنه غير ناضج سياسياً، ومن المرجح أن يصب في نهاية المطاف في إضعاف شرعية حكومة العبادي بدلاً من مساندتها. فلا تمكن معالجة وباء الجماعات الإرهابية مثل «داعش» بصورة شاملة إلا من خلال وجود حكومات مركزية موثوق بها من الناس من مختلف الأطياف الاجتماعية والطائفية.
 
 
* مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، «تشاتام هاوس»، لندن



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد