في الاستقلال .. فساد الكلمة‎

mainThumb

28-05-2016 02:28 PM

 قرأت كثيرا مما كتب عن الاستقلال، ورأيت كيف تحمس الكثير ‏من الكتاب وتحدثوا عن النعمة التي تنعم  بها البلاد ورغد العيش ‏الذي يرفل به المواطن، والتقدم اللافت الذي نحياه.‏

 
أنا كمواطن عادي لم أقتنع بأي شيء قرأته، ولم يؤثر عليّ الكم ‏الهائل من المقالات التي أمطرتنا بها الصحف الرسمية، لأني ‏ببساطة أعيش واقعا ألقى بجرانه، لا يستطيع الكلام إزاحته، ولا ‏تنفع معه رُقى ولا تمائم، ولن يحسّن هذا الواقع سجع الكهان، فما ‏بالي بخيالات ساذجة.   ‏
 
من خلال قراءتي هذه، وجدت اتجاهات الكتاب على مسارين:‏
 
‏ الأول شخص يشغل منصبا في الدولة، ويرى أن من واجب ‏وظيفته أن يتتبع المناسبات التي تهم الدولة، ويكتب فيها حتى ‏تكون له وجاء من العتب والغضب والريبة. فتكون كتابته مزيجا ‏بين التاريخ الجامد المنحاز والتزلف الحاسر.‏
 
أما المسار الثاني فتمثله مجموعة من المتطلعين للتقرب إلى ‏الدولة ولفت نظرها إليهم  لتستخدمه في وقت ما، وتتسم كتابة ‏هؤلاء بالخيال المجنح الذي تمليه رغبته الجامحة للحصول على ‏رضا الدولة ورضا المراقبين لما يكتب، وأخذه بعين الاعتبار إذا ‏أرادوا أن يبحثوا عن مسؤولين ليشغلوا وظائف مستقبلا.‏
 
الخيال الذي يسيطر على هؤلاء من الصنفين، بعيد كل البعد عن ‏الوطن وإنما يحوم حول واقع الشخص الذي يكتب وما يتوقع أن ‏يحصل عليه إن هو نال الرضا وحاز على القبول. ‏
 
لذلك تجد في كتابة هذه الفئات قفزات خيالية تصل حد ‏المتافيزيقيا _خارج حدود الطبيعة _ ناتجة عن فرط توقعاته ‏الكبيرة لما سيصير عليه حاله بعد هذا المقال المرصود، ‏فتوقعاته المتضخمة أنه سيعيش في الجنة جراء ما قال، ولذلك ‏يخلع توقعاته على البلاد كلها، والنتيجة أنتم تعيشون في الجنة. ‏
 
لذلك لن تجد كلاما موضوعيا فيما يتعلق بالجانب الشخصي، أو ‏فيما يتعلق بالغرائز ، ولا نستطيع أن نسمي الأماني تحليلا لهذا ‏الحدث. وإنما كلها انطباعات شخصية سيطر عليها الطمع ‏والشره الذي يتكور حول الذات ويمنعها من رؤية شيء غير ما ‏تراه النفس. ‏
 
لم يبحث هؤلاء الوضع الاقتصادي ولا المديونية ولا البطالة ‏ولا اهتراء البنية التحتية، ولا تراجع المؤسسات لأنهم لم يكتبوا ‏عن وطن بل كتبوا عن شخصهم وما يريدون أن يحققوا ‏لأنفسهم، ولو تعارضت مصلحته الشخصية مع مصلحة الوطن، ‏لقاتل الوطن وأمعن في هدمه.‏
 
لا نقول ذلك حبا في الانتقاد، ولكن هذا السلوك لا ينفع الوطن، ‏ولا يصب في تقدمه، بل يصنع العكس يربط الجرح على ‏فساد..حتى يتفاقم المرض ولا يعود الدواء ممكنا. وهذه الحملة ‏الخيالية كل مواطن يعرف انها مجرد كلام، ولا يقدم على قراءة ‏هذه المقالات، لكن الدولة تعتبرها رأيا عاما وتقدم نفسها للعالم ‏على أساسها، وأنها تسير في الطريق الصحيح.. والمواطن ‏المسكين هو من يدفع الثمن.!!‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد