نحن فخامة الشعب المُهان - جمانة حداد

mainThumb

30-05-2016 09:46 AM

نحن شعبٌ مُهان يا أصدقائي. من الزنّار ونازل.

 

أكثر ما يهيننا؟ أن معظمنا لا يشعر بالإهانة. أو يدير لها الطرشاء.
 
من يهيننا؟ غالبية "زعمائنا". ولكن ليسوا الوحيدين.
 
مَن سواهم؟ نحن. نحن يا سادة نهين أنفسنا، وأكثر ما نهينها عندما نسمح لهم بإهانتنا مراراً وتكراراً.
 
كيف نُهان؟
بالظلم والنفاق نُهان. بالهمس والصراخ نُهان. بالخطب والوشوشات والتصريحات نُهان. بالاستبداد، بالفساد، بتحويل الاحباط قدَراً، وبجلد الذات تقليداً نُهان. بالمطامع المعلنة وغير المعلنة، بالتعامي المقصود وغير المقصود، بالعجرفة المبررة وغير المبررة نُهان. باليسار واليمين وما بينهما، باسم الله والتعايش والوطن والممانعة والحقيقة والحرية والاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية، نُهان.
 
بالتهذيب الكاذب، بالوقاحة المقنّعة، بالاحتيال السمج الذي يسمّونه شطارة، بالمساومة الرخيصة التي يسمّونها سياسةً، نُهان. بالتسويات غير النظيفة، بالتحالفات غير المقنعة، بالانتماءات المهزوزة، بما فوق الطاولة، وبما تحتها، نُهان. بالاختلافات التي تصير بازدياد مصدر خلاف وانقسام. بالنفوس المرهونة للأنانيات الطائفية والتبعيات القبلية. بالأحكام المسبقة والتصوّرات المشوّهة والطرق المسدودة والممارسات اللاأخلاقية... هل أكمل؟ تعدّدت الأدوات، والإهانة واحدة. فكم مرّة سنُهان بعد؟
 
 
السؤال في رسمكم، في رسمنا جميعاً.
 
 
* * *
نحن فخامة الشعب المُهان، ألا تكفينا الإهانات؟ ألا يكفينا أننا محكومون بأقدار ليست أقدارنا، وبمصائر ليست مصائرنا؟ ألا يكفينا أننا محكومون بالآلهة والأقزام على السواء، ومحكومون بالهواء الملوَّث، والماء الملوَّث، والطعام الملوَّث، والخبز الملوَّث، والبحر الملوَّث، والسماء الملوَّثة، والأبناء الملوَّثين بسموم الموت؟ ألا تكفينا الصباحات المغموسة بالقهر، والعشيات المضرّجة بالهواجس والكوابيس؟ ألا يكفينا وجع الشعر ووجع النثر؟ ألا يكفينا أننا نموت واقفين نائمين، ونُدفَن في مقبرة تُدعى البلاد، ولا نجد مَن يقيم من أجلنا صلاة الغائب أو "شيل البخور"؟ ماذا ننتظر لنرفع الإهانات عن حياتنا، وعن كبريائنا وكرامتنا، ونردّها على أعقابها؟
 
 
نحن فخامة الشعب المُهان، يجب أن نريد العيش بدون إهانات. كلّما تأخرنا، صار الخروج من النفق معقّداً وشائكاً و... مستحيلاً. الآن الآن وليس غداً، يجب أن نريد. فالحياة تستحقّ أن تُعاش بكرامة. كلّنا، بلا استثناء، نستحقّ هذه الكرامة. كلّنا نستحقّ أن نشرب من النبع، من فمه، لكن الوصول إليه يتطلب مكابدات وتضحيات، دونها الأشغال الشاقة والأوجاع العظمى.
 
 
نحن فخامة الشعب المُهان، ليس أمامنا سوى توقيع عريضة مفادها أننا لم نعد نريد أن نُهان. فعل إرادة فحسب. فمَن منّا يريد؟!
 
 
صحيفة "النهار"
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد