الزهد في الأندلس

mainThumb

30-05-2016 03:05 PM

من الصحراء العربية انطلق المسلمون العرب ليتسلقوا خارطة ‏العالم وحين حطوا رحالهم في الأندلس بما فيها من حدائق وأشجار ‏وجداول ونسائم وندامى أنعشتهم الرائحة الزكية التي تهب من ‏ورودها وبساتينها وعلى شطآن أنهارها أخلدوا إلى السكينة بعد أن ‏كانت نيران الصحراء تؤجج صدورهم وتضيف حماسا إلى حماسهم ‏وشيئا فشيئا ألفوا حياة الترف واللهو وانطلقوا إلى معاقرة الخمر ‏ومطاردة الحسناوات من الأندلسيات وراق لهم العبث بعد أن رقّت ‏لهم الحياة وأصبحوا في دعة وتبعا لذلك كثر الشعراء الماجنون ‏عندهم.‏
 
وعادة عندما ينتشر المجون تجد بالمقابل شعراء يدعون الناس إلى ‏الزهد والتصوف  وكان من بين هؤلاء ابن عبد ربه وابن حمديس ‏والغزال يدعون إلى التوبة والتقشف وكان من المتصوفين ابن ‏عربي وابن سبعون وابن العريف ..‏
 
وفي مثل هذه الأمور تجد تيارا آخر يدعو إلى تذكير الناس بالآخرة ‏لإنقاذ العباد من السقوط في مهاوي الرذائل فيكثرون الحديث عن ‏الأماكن المقدسة ويكثرالشعراء من تدبيج المدائح النبوية تزلفا ‏وتقربا وطمعا في نيل الثواب ،وهربا من غوائل الحياة فيصبح ‏الزهد والحالة هذه مذهبا أدبيا وأخلاقيا يقول الشاعر السميسر:‏
 
جملة الدنيا ذهاب                  مثلما قالوا سراب
والذي فيه مشيد                فخراب ويباب
 
وكأنني أقرأ بيت أبي العلاء المعري وهو يقول :‏
 
لدوا للموت وابنوا للخراب ‏
 
والسميسر يدعو إلى القناعة والرضى :‏
 
دع عنك جاها ومالا           لا عيش إلاّ الكفاف
قوت حلال وأمن              من الردى وعفاف
وكل ما هو فضل             فإنه إســـــــــراف
 
ويقول الزاهد أبو عمران المارتلي :‏
 
ما الزهد يا قوم فلا تجهلوا      بلبس أسمال وأخلاق
 
لكنه لبس ثياب التـــــــقى       في حسن آداب وأخلاق
 
والحديث عن الزهد والزهاد يطول ولا أستطيع أن أفي الموضوع ‏حقه بمقالة أو اثنتين ولكن المجون والزهد عملة واحدة ذات حدين ‏حين يزدهر أحدهما يزدهر الآخر.‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد