قصة الفترة الحرجة وأبعادها -عبدالهادي شنيكات

mainThumb

31-05-2016 12:42 PM

 يعلمُ الجميع أنّ الاردنّ يمرٌّ بفترة حرِجة  , هذا ما أعتاد أنْ يخرجَ علينا به الاعلاميّ الرّسميّ  مصرّحاً عند تعرّضه  لنقد بنّاءٍ في الزمان والمكان المناسبين أو معارضة فردية مخلصة تكون فيها الغلبةّ للرأي الاخر ، ويكون الخطأ الفادح الذي تقع فيه و باستمرار -الحكومات المتوالية-  واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار .الوضع الاقليمي المتوتّر ، الاقتصاد المنهك , والضغوطات الخارجية  ،عناوين تتكرّر في كل محفلٍ على لسان النّاطق وغيره , وما يجدر الاشارة اليه هنا  ويدخلُ ضمن ذات التصريح  أنّ  جميع من  كُلِّف  باستلام مهام رئاسة الحكومة منذ عهد الاستقلال الى الان  قد أنهوا فترة ولايتهم بتحقيق نجاحات باهرة وانجازات لا مثيل لها على جميع الاصعدة ، مرفقٌ في ذيلها كتاب شكرٍ مشوّش المحتوى . حديث بلا أدنى شك ألقى ويلقي الحزن والكآبة والحسرة على الشارع الاردني حين أنّ الواقع المرير يَنْسفُ كل تلك الادعاءات  ويردّ الافتراء الكاذب من خلال  اشباحٍ تكبر ولا تنتهي  كالفقر والبطالة والمديونية وبرعاية حصريّة للفساد.

 

مع الادراك العميق من ذوي الشأن أنّ الأمن والأمان من مفهومِ البندقيّة والطائرة والاستخبار والتحالف العسكري فقط لن يدوم كثيرا في عصر يؤمن بقوة الاقتصاد والمجتمع  الا أنه يُصرّ في الجانب التطبيقي من سياسته عكس ذلك , وليس ذلك تجنياً على الخطاب العام الذي عادة ما يتضمن خطوطاً عريضة  مطالبة  بالاصطلاح و التنميّة  بقدر ما هو غياب للفكر الذي يعتمد الدراسة و الذي يرتب الاولويات ويسلّط الضوء على الحقل الاقتصادي الذي ينهض و الذي تكمن خلفه الحلول المتوفرة  الغير مكلفة. فحتى في بعض بلدان متقدمة يُلاحظُ أنّ  قوة الاقتصاد  مبني على حقل واحدٍ  امّا الزراعة او الصناعة او السياحة او غيرها مع اهتمامٍ  بالغٍ وتخطيطٍ سليم واعتماد حذر على باقي الحقول ، اذ  أنّه بتشتت الوقت و الجهد والمال دونما دراسة علمية دقيقة وبحجّة السير بالاصلاح المتكامل والمتوازي في كافة المجالات لن تكون المخرجات  بالأمل المعقود والطّموح المرجو بل خيبةُ أملٍ للجميع  تستمرّ مع كل تكليف جديد ، وفي ظل هذه القراءات كيف ستكون شكل الخطوة  الرسمية  التالية التي ستذر لنا قمحا في سنبله كما تنص مؤهلات الكفاءة للمُعيّن الممدوح في التصريح ؟ أم تستمر الفترات العجاف الحرجة الى مالا نهاية!
 
انّ مع ادعاء الجانب الرسمي مواكبة التطورات العالمية المختلفة  يبقى الجمود يلفّ السّياسية المحلية  ويختزلها في  بعض الشؤون  ضمن مقاييس الاصول والمنابت والتي لم تعد ترى بالعين المجرّدة وليست بذات الجدوى والتأثير  بعد عمر حافلٍ بالاختلاط أصبح فيه الجَدّ والأب والأم والحفيد أسرة واحدة وفي بيت واحدٍ ، ومع بروز الطابع  الديني المتعدد الأوجُه  مطلع القرن ومن السّلب الى الايجاب  كان لزاماً على السياسة الداخلية  أن تعيد النظر في الكيفية التي تجعل المجتمع  رصيناً متوازناً وقويَ البنيان ، فما يتم الان و على سبيل المثال كمحاربة للفكر التكفيري من باب المؤتمرات والندوات والاعلام مجرد هدرٌ عام  محصور الفائدة وقشرة اعلاميّة تتملق لذوي الشأن  قابلة للطيران مع أول هبة ريح  حين أنها لم تحاكي واقع المُخاطَب الاجتماعي والنّفسي والثقافة الدينية التي وصل اليها ، وعلى صعيدٍ مشابه فانّ مسألة محاربة الارهاب مستنقع ضحل, التورّط فيه اكثر من اللازم وتسخير كل الطاقات والإمكانيات لمجاراته يعني صعوبة الخروج منه من ناحية الوقت وعلى جانب الفكر والثقافة , ولكنّ  احسان السّاسة  في التعامل مع القضايا المحلية كالظلم والفساد والفقر والبطالة بجدية  سيبقي الكرة في مرمى المجتمع القوي لا أنْ يكون الطريدة  الضعيفة للصغير قبل الكبير .وقد برز اكثر هذا الجمود على الصعيد التشريعي  في قساوة قانون الانتخاب و استحالة افراز النخب الصالحة وتغييب واضح للحزبيّة , وقد رأينا في المجلس السابق  كيف كان لغياب الحزبية المعارضة دور كبير في افتراسِ الحكومة لمجلس النواب على صعيد التشريع والرقابة , هذا الامر كان على مستوى الشارع الاردني الطموح  خنجرا مسموما في الظهر ووعدا أخلف عنه من وعد , لم تُعِرْ فيه الحكومة أي احترام للرأي الاخر البنّاء على المستوى الفردي المتبقي, وظل معتقلاً في العالم الافتراضي الالكتروني . والسؤال, هل سيأتي اليوم الذي  يتم أعداد المجتمع سياسيا واجتماعيا وثقافيا  ليتكفل بالرد على الضغوطات الخارجية المتضمَّنة بالتصريح؟  
 
يدرك المتابع المحلي أهميّة اعتدال السّياسة الخارجيّة  في خلقِ مناخٍ مستقر ، وانْ كان هذا الاعتدالُ في تحليلِ المطّلعين ليس خيارا سياسياً حراً بقدر ما هو جزءٌ من  استراتيجية مرسومةٍ ومفروضة تتحكم  بها  قوى العالم الكبرى وسباقٌ خاصٌ للكبار مرتبطٌ بما ينفّذّ مرحلياً أمام ووراء الكواليس في الاقليم الشرق أوسطي  ,  وقد بان ذلك حين شذّت هذه السياسة عن المسار في مواقف مختلفة  كانت تستدعي الحالة العامة فيها الدعم الاقتصادي المنتظر او الوضع الأمنيّ الذي يجري على اطراف الخارطة ، وحتّى انْ كان هذا الشذوذ اجبارياً ومنطقياً إلا أنه في الواقع مؤشرٌ أنّ سياسة الاعتدال ليست الا حالة متأرجحة وحيادٍ على مضض وخسائر تنهش بجسم الموازنة , ولكن وفي الوقت الذي نُجبر فيه على اتخاذ خطوات حاسمة باتجاه  طرف أو  قضية ما سيكون من الصعب الحفاظ على هذا المسار ...لانّ صناعة الاعداء تتطلب الاستعداد للمعركة ورائحة الخوف تجذب قطاع الطرق...
 
ومع توفر النّخب المحلية المخلصة والتي تملؤها بالخبرة والحنكة   والفكر العلمي  والدراية السياسية وتكتنز من الحلول المريحة في مجالات السياسة والصّناعة والزراعة والتعليم  والثقافة  وحتّى الامن ما ينهض بالدولة  إلا أن النفي المتعمد لها من باب  اجتذاب الشخصية المسيطر عليها  الطامعة في المنصب على حساب  الصالح العام يبقي خسارة الوقت والجهد  مستمرة ويعلّق الفلاح في تحقيق الاصلاح  المنشود الى أمد غير منظور . هكذا يقول الجو العام والذي لا يمكن التنبؤُ بتقلباته الاجتماعيّة والسّياسيّة حين يصل التقهقر والقهر سقفهما الاعلى والذي  ليس لدى الوعي العام بعد ذلك شيئا ليخسره... 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد