هل نفظت أمريكا يدها من تركيا؟

mainThumb

31-05-2016 10:29 PM

 لم يعد يخفى على أحد إشتعال الخلافات بين الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما، وتركيا بزعامة أردوغان، حيث إشتدت الخلافات بين الطرفين منذ دعم واشنطن للمقاتلين الكرد وهو الخلاف الذي إعتبرته تركيا  بمثابة تغير في السياسة الأمريكية وإعطاء الرئيس الأمريكي ظهره لمصالحة مع أنقرة، لتتبعه المزيد من الخلافات بشأن سورية  والمواقف والتصريحات التركية المعادية لأمريكا، الأمر الذي وصل بالعلاقات الأمريكية التركية إلى حالة غير مسبوقة من التوتر والإضطراب، وفي هذا التطور الجديد أعلنت الرئاسة التركية عزمها على إعادة تقييم ومراجعة العلاقات التركية مع أمريكا.

 
يبدو أن أمريكا لا تعول كثيراً اليوم على تركيا لأنها بدأت تنظر بإستراتيجة جديدة في الشرق الأوسط ولربما توسيع نفوذها من خلال سيطرتها على بعض دول المنطقة، من الواضح هنا أن أمريكا تواجه جملة منغصات، وفي مقدمة هذه المنغصات هي الدولة التركية وعدائها المتواصل ضدَّ الكرد، فقد أثار دعم واشنطن للمقاتلين الكرد في سورية، خلال قتالهم لتنظيم داعش، غضب تركيا، خاصة بعد الصور التي نشرت لعناصر من القوات الأميركية الخاصة يرتدون شارات وحدات حماية الشعب الكردي، التي  تعتبرها تركيا "إرهابية"، دعمت أمريكا هذه القوات حيث قدمت لها  أكثر من 55 طنا من المساعدات العسكرية الفتاكة، من أجل أن تحارب داعش في منطقة الرقة، مع المحافظة على بقاء حزب الاتحاد الديمقراطي بعيدا عن خط جرابلس-عزيز، وقد أعرب بوضوح الرئيس التركي إنزعاجه من هذه المساعدات الأمريكية، وهو ما دفع الرئيس التركي الى إعلان حرب مضادة من خلال توجيه إنتقادات مستمرة لأمريكا والرئيس أوباما، فقد ندد أردوغان بشدة بدعم البيت الأبيض عسكرياً لأكراد سورية الذين تعتبرهم أنقرة "إرهابيين" مؤكداً أن سياسة واشنطن حوّلت المنطقة الى "بركة دماء"، كما اتهم واشنطن "بعدم الصدق"، وأعرب وزير خارجيته عن أسفه للتأخير في تسليم أمريكا منصات صواريخ خفيفة لتركيا، لنشرها على الحدود بين تركيا وسورية لمواجهة تنظيم داعش، إذ أكد أن "الولايات المتحدة لا تفي بوعودها للأسف ...، نحن مستعدون تماماً، أمريكا هي المسؤولة عن التأخير وليس نحن".
 
وعلى صعيد متصل حذر أردوغان أمريكا وإشترط عليها التخلي عن المسلحين الأكراد للمشاركة في الحرب ضد داعش في سورية، وقد أكد وزير الخارجية التركي، في مؤتمر صحفي عقده في اليابان: "ما نتحدث بشأنه مع الأمريكيين هو إغلاق جيب منبج في أقرب وقت ممكن، وفتح جبهة ثانية"، في إشارة إلى منطقة يسيطر عليها داعش وهي محاذية للحدود التركية، وأضاف : "إذا جمعنا القوات التركية والأمريكية يمكننا بسهولة التقدم باتجاه مدينة الرقة الوقعة تحت سيطرة داعش.
 
صحيح ان سورية صامدة في وجه  داعش  والمجموعات المسلحة الأخرى، إلا أن تدخلات تركيا واضحة وجليه تهدد بتقسيم وتفكيك سورية والتي تسعى من خلالها الى استقطاع أجزاء واسعه منها أو إبتلاعها بشكل كامل في خارطة الشرق الأوسط الجديد، وفي هذا الإتجاه تعتبر المسألة السورية هي القضية المؤرقة حالياً على الساحة ولكنها أيضا لها علاقة بالقضية الكردية فبرغم أن الحكومتين التركية والإمريكية يشتركون في السعي على إسقاط  وتقسيم سورية الا أن وجهة نظر أمريكا تختلف تماما عن وجهة تركيا فيما يصلح للحكم، فتركيا تميل الى الحكومة ان تكون إسلامية وهذا ما ينافي تماماً ما يراه الغرب، وأيضاً لن تسمح تركيا بأي حكومة سورية يكون الأكراد جزءاً منها .
 
كحاصل نهائي، إن تركيا تعيش في الوقت الراهن أسوأ مراحلها من حيث خسارتها لأكبر شبكة تحالف صنعتها لعقود طويلة، ومن المعروف إن أنقرة تسعى لإقامة منطقة عازلة على خط جرابلس واعزاز ونشر المجموعات التابعة لها، وأمريكا تتعاون بشكل مباشر مع قوات سورية الديمقراطية ضد داعش بشكل خاص في مناطق دير الزور والرقة، ولكنها في مناطق أخرى مثل اعزاز تساند المجموعات المتطرفة التي تقاتل ضدّ قوات سورية الديمقراطية بمساندة تركيا، أيّ أن هناك  إزدواجية  في المعايير، بالإضافة الى خوف تركية من نشوء دولة كردية كبرى تشمل أكراد العراق وسورية، خصوصاً بعد ان حصل أكراد العراق على حكم ذاتي له صلاحيات كبرى، وهذا سيؤثر بالتأكيد على أكراد تركيا الذين خاضوا حروباً كثيرة مع تركيا للحصول على حقوقهم.
 
مجملاً.... إن أردوغان يدفع بتركيا الى حرب قد تكون عواقبها وخيمة، خاصة بعد أن نظرت أمريكا بريبة الى ما تسميه " تمرد أردوغان"، لهذا سيعزز إستمرار التراجع والتوتر في العلاقات بين واشنطن وأنقرة، مع استمرار تقديم أمريكا المساعدات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي،  وعدم تفهم أمريكا حقيقة مصادر القلق لدى تركيا فيما يتعلق بحزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي، وهذا سيمهد الطريق لتحوّل هذا الملف إلى مشكلة حقيقية وأساسية بين الطرفين، وهذا يعزز القول بأن  العلاقات الأمريكية التركية غير مبشرة نهائياً ، وبإختصار شديد إن الصمت الدولي يرجع الى حالة التغيير التي تشهدها المنطقة ونحن بانتظار تبلور نظام عالمي جديد خصوصا مع عودة روسيا والصين وغيرهما، وفي هذا السياق يجب التأكيد على ان مصلحة أمريكا وتركيا وحلفاؤهم  تكمن في تحقيق مصالحهم وأهدافهم في المنطقة، وللأسف فالجميع مستفيد من الحرب على سورية واستمرارها، ونحن لا نراهن إلا على صمود شعبنا وعلى قدرة الجيش السوري في تحقيق التقدم العسكري على الأرض.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد