الشماغ الأردني وقصته عبر التاريخ

mainThumb

17-06-2016 02:44 AM

كثير من الجهلة بتاريخ الأردن ينظرون الى الشماغ الأردنية انه من صنع كلوب باشا وهم لا يعلمون انه يعود الى أكثر من خمسة الاف سنة في أعماق التاريخ، وانه رمز عريق وعميق من رموز وعلامات الهوية الوطنية الأردنية التاريخية والشموخ والاباء الأردني، منذ أكثر من 3500 سنة خلت قبل الميلاد، ويبقى الى ما شاء الله، وان وجوده او انكاره لا يخضع لمزاجيات عابرة يقولها جاهل هنا او يسخر بها ومنها سفيه هناك، فالشماغ مؤلف من لونين هما الأحمر والأبيض، وكلا اللونين من معاني كلمة الأردن منذ سبعة الاف عام خلت. 
 
كما ان المملكة الأردنية الأدومية والمملكة الأردنية المؤابية كل منهما استخدما هذين اللونين في معنى اسم الدولة وراياتها ولباس الراس والمراسم فيها، وكانت جزءا من اسرارها الاستراتيجية كما اللون الأحمر القاني كان جزءا من اسرار الفينيقيين، وكذلك فعلت المملكة الأردنية النبطية وسائر الممالك الأردنية القديمة، وبالتالي فان ملوك ادوم ومؤاب والانباط وعمون وباشان الأردنيين كانوا يرتدون الشماغ بلونيه الأحمر والأبيض وكذلك العباءات بهاذين اللونين ومعهما اللون الأخضر أحيانا، منذ الاف السنين. 
 
وبقي لبس العباءة بالألوان البيضاء والحمراء والسوداء سائدا بالأردن الى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ويمكن رؤية ذلك في صور الأردنيين القديمة التي التقطها الرحالة. كما بقي الزبون (الكبر) من لونين هما الأحمر والأبيض الى منتصف القرن العشرين. واما لباس الشماغ الأسود فكان زمن الدولة الفاطمية التي فرضت لونها الأسود على الأردنيين الذين كانوا يتبعون مملكتها الفاطمية .
 
لقد استطاع ملك الأردن الأعظم في تاريخ الأردن وهو الملك المؤسس حدد بن بداد المشار اليه في سورة الكهف، ان يكتشف الأميركيتين وشرق افريقيا وجنوب شرق اسيا وغرب أفريقيا والمحيط الأطلسي قبل أكثر من 3300 سنة، واتخذ من اللونين الأبيض والاحمر لباسا وعلما ورمزا رسميا له وللدولة وغطاء راس للملك وعلية القوم في البلاد ثم انتشر لاستخدامه من قبل الشعب أيضا. 
 
بينما اتخذ الفراعنة هذا الترقيم وهندسة الملابس الأردنية الأدومية ولكن باللونين الأبيض والأسود، ووضعوا الأسود بدلا من الأحمر الأدومي ليبينوا انهم ليسوا ادوميين، وبقي استخدام اللونين الأحمر والأبيض وأحيانا الأخضر مضافا اليهما، أقول بقيت هذه الألوان لباس الأردني عبر الاف السنين من التاريخ، وحتى الفسيفساء الأردنية المكتشفة تعتمد اللونين الأحمر (بمشتقاته) والأبيض (بمشتقاته) بشكل واضح، لأنه كان لون العلم الأردني واللباس الأردني ولباس غطاء الراس (الشماغ) منذ الاف السنين. 
 
ولمن لا يعلم، فان المملكة الأدومية الأردنية امتدت لتشمل الخليج العربي ومشارف الفرات وجنوب العراق وبادية سوريا فكانت أعظم واوسع مملكة في ذلك العصر، وكان يتم انتخاب الملك من مجلس حكام الأقاليم الذين يصلون الى الامارة عبر الانتخاب أيضا كل في اقليمه، وكذلك فعل اليونان والرومان في انتخاب الحكام. 
 
وبناء عليه، فان لون الشماغ في الخليج العربي يعود الى تلك الفترة الأردنية عندما كان الخليج جزءا من المملكة الأردنية الأدومية ومن ثم النبطية والممالك التابعة لها في الشرق قبل أكثر من ثلاثين قرنا واستمر زمن جلالة الملكة بلقيس الأردنية ملكة الجوف (أدوماتو) المشار اليها في القران الكريم في سورة النمل. 
 
واستمر لباس الأباء والاجداد ودخل اللون الأسود ليكون غطاء الراس للرجال زمن الفاطميين كما قلنا أعلاه، وبقي اللونان الأحمر والأبيض غطاء الراس للمرأة الأردنية ولا زال الحال كذلك لدى الاردنيات من جيل امي حيث يرتدين الشماغ او الحرير بألوانه كغطاء راس وهذا امر متوارث من الاف السنين، وليس من صنع كلوب باشا ولا الانجليز ولا من صنع غيرهم  .
 
وفي زمن المتنبي (قبل ألف عام) كان الشماغ بلونيه الأحمر والأبيض من لباس المرأة الأردنية وورد ذلك في قصيدته الجميلة الذي تغزل فيها ببنات الأردن على انهن أجمل من بنات القاهرة وأنهن يركبن الإبل المزينة باللونين الأحمر والأبيض (وهو ما صار جزءا من زينة أبل/ ركائب شرطة البادية الأردنية في القرن العشرين) ويرتدين اللباس بهاذين اللونين ويضعن الشماغ كغطاء راس لهن .
 
يقول المتنبي: 
مَنِ الجآذِرُ في زِيّ الأعَارِيبِ حُمْرَ الحِلَى وَالمَطَايَا وَالجَلابيبِ
ما أوْجُهُ الحَضَرِ المُسْتَحسَناتُ بهِ كأوْجُهِ البَدَوِيّاتِ الرّعَابيبِ 
حُسْنُ الحِضارَةِ مَجلُوبٌ بتَطْرِيَةٍ وَفي البِداوَةِ حُسنٌ غيرُ مَجلوبِ 
أينَ المَعيزُ مِنَ الآرَامِ نَاظِرَةً وَغَيرَ ناظِرَةٍ في الحُسنِ وَالطّيبِ
أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ 
 
وَلا بَرَزْنَ مِنَ الحَمّامِ مَاثِلَةً أوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَرَاقيبِ 
 
والشماغ كلمة مشتقة من ال شماخash- shammakh وهي بلدة من قرى الشوبك بجنوب الأردن حاليا وكانت تصنع بها اغطية الراس قديما، أي الشماغات حيث كان ذلك جزءا من اسرار الدولة الأدومية حيث كانوا يصنعون الشماغ من الحرير المستخرج من دودة القز وكانت المنطقة مليئة بغابات التوت، ومن القطن المزروع في وادي عربة وغور الصافي ومن الصوف النقي، فاستبدلت الخاء غينا فتحولت الشماخ (وتعني أيضا الشموخ والاباء والانفة) الى الشماغ. حيث كان الأردنيون يعتزون بلباسه لأنه رمز للشموخ الإباء. فضلا عن ان لون الشماغ الأحمر والأبيض هما من معاني الأردن. 
 
ومن معاني كلمة الأردن انه ضربٌ من الخزِّ الأَحمر، والخَزُّ من الثياب: هو ما يُنْسَجُ من صوفٍ خالص، والخز ايضا هو نوع من الورد الاحمر الخجول وهو ورد الدحنون الذي ينتشر بالأردن كثيرا في موسمه، وايضا الورد ذو اللون الاسود الغامق وهو لون وردة السوسنة السوداء التي يشتهر بها الاردن عمن سواه من اقطار العالم .
 
وحيث كانت مملكة ادوم الأردنية قبل اكثر من 3300 سنة تصدر الشماغات المصنوعة في قرية شماخ او شماغ (الشوبك) الى الخارج ، فقد وردت هذه الكلمة في لغة السومريين الذين كانوا يستوردون الشماغات من ادوم أيضا, واطلقوا على غطاء الراس المصنوع في شماخ الشوبك نفس كلمة شماخ, حيث وردت في لغة السومريين كلمة يشماغ او يشماخ او اش ماغ في اللغة السومرية (3400 – 2400 ق. م) المأخوذة من اسم قرية الشماخ (حيث كانوا يصنعون الشماغات)، وهي لغة عربية أدومية، وتحولت في اللغة السومرية الى مقطعين هما : اش ماخ: او يش ماغ، وتعني غطاء الرأس، فتحولت الخاء الى غين. كما سميت السيوف بالمشرفية لأنها كانت تصنع في قرية المشيرفة من ارض الكرك. 
 
ومن الحداء البدوي الأردني المتوارث عبر القرون ولا زال الى الان في جنوب الأردن وبخاصة في معان المجروس، بالإشارة الى الشماغ الأحمر قولهم 
هدب شماغ الحمر يا سعد يا تاج راسي 
هيلك من قبلك زانوا الهدب بالماسي 
وقولهم (لباسة الجوخ الحمر) وأيضا: (لباسة الشماغ الحمر) وكلمة الحمر باللهجة الأردنية تعني: اللون الأحمر 
ويقول عرار شاعر الأردن الخالد: 
خداك، يا بنت، من دحنون ديرتنا روحي فداء الخديد الأحمر القاني 
يا ميّ! دحنون وادي الحور حمرته قد شابها ببياض طلّ نيسان 
ناشدتك الله والأردنّ هل قبسا خداك لونهما من لونه القاني 
فالشماغ ذو اللون الأبيض والاحمر (ويقال له الشماغ الأحمر) رمز من رموز الهوية الوطنية الأردنية المتجذرة عبر الاف السنين وليس من صنع كلوب باشا وليس طارئا ابدا، وانما تم العودة الى هذه الهوية عند تشكيل قوات البادية الأردنية فاجتذبت أبناء العشائر لأنها جسدت عمق المفهوم والذاكرة التاريخية الأردنية. 
 
من هنا فإنني عندما ارتدي الشماغ الأردني فإنني انما احمل رمزا من رموز الهوية الوطنية المتجذرة منذ الاف السنين، وحري بكل أردني واردنية ان يرتدي الشماغ في كل مناسبة وطنية ورسمية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد